القلم للثقافة والفنون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
القلم للثقافة والفنون

( قَلمُنا ... ليس ككلِ الأقلامْ ، قَلمُنا ينطقُ ثقافةً وينزفُ صدقاً ويشجع المواهبَ ليخلقَ الإبداعْ )


+18
الصارم
توفيق
رودي
ابو الامجاد
الحسام
وليد العراقي
المالكي
ابو سيف
العادل
هدى
المبتسمة
المرشد
ابو سعد
المهندس
حب بلا حدود
ندى
حلا الجنابي
مؤسس المنتدى
22 مشترك

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25949
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الأربعاء ديسمبر 08, 2010 7:26 pm

    هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005






    عدل سابقا من قبل Admin في الثلاثاء يوليو 24, 2012 4:13 pm عدل 2 مرات
    حلا الجنابي
    حلا الجنابي
    عضو ذهبي
    عضو ذهبي


    عدد المساهمات : 190
    نقاط : 6400
    السٌّمعَة : 15
    تاريخ التسجيل : 29/10/2010
    42
    الموقع : اوفياء المنتدى

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد على تكملة قصص من الزمن الصعب

    مُساهمة من طرف حلا الجنابي السبت أبريل 09, 2011 9:44 am



    قصص جميلة ورائعة ... اعجبتني كثيرا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25949
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الأربعاء يونيو 29, 2011 9:57 am

    حلا الجنابي كتب:

    قصص جميلة ورائعة ... اعجبتني كثيرا

    شكرا حلا من ذوقك الجميل
    avatar
    ندى
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد المساهمات : 112
    نقاط : 4965
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 24/01/2011

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف ندى الأربعاء أكتوبر 12, 2011 7:04 pm

    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    قصص رائعه ومشوقة تستحق المتابعه
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25949
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى السبت نوفمبر 19, 2011 6:02 pm

    ندى كتب:
    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    قصص رائعه ومشوقة تستحق المتابعه


    ندى شكرا لمرورك الاكثر من رائع
    حب بلا حدود
    حب بلا حدود
    عضو جديد
    عضو جديد


    عدد المساهمات : 46
    نقاط : 5263
    السٌّمعَة : 3
    تاريخ التسجيل : 04/05/2011
    الموقع : عضو

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف حب بلا حدود الثلاثاء نوفمبر 22, 2011 6:34 pm

    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    لا عجب فشعب العراق معروف بعطاءه ونضاله
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25949
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الثلاثاء نوفمبر 22, 2011 6:46 pm

    حب بلا حدود كتب:
    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    لا عجب فشعب العراق معروف بعطاءه ونضاله

    شكرا لمرورك الجميل والتعليق الاجمل
    avatar
    المهندس
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    عدد المساهمات : 94
    نقاط : 5162
    السٌّمعَة : 15
    تاريخ التسجيل : 29/06/2010

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف المهندس الإثنين يناير 02, 2012 6:51 pm

    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    قصص رائعة اعجبتني كثيرا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25949
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الثلاثاء يناير 03, 2012 12:20 pm

    المهندس كتب:
    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    قصص رائعة اعجبتني كثيرا

    الاروع هو مرورك سيدي
    ابو سعد
    ابو سعد
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد المساهمات : 133
    نقاط : 5195
    السٌّمعَة : 10
    تاريخ التسجيل : 29/06/2010
    44
    الموقع : اوفياء المنتدى

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف ابو سعد الأربعاء يناير 11, 2012 5:13 pm

    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005






    جميلة ممتعه بارك الله فيك
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25949
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الخميس يناير 12, 2012 11:48 am

    ابو سعد كتب:
    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005






    جميلة ممتعه بارك الله فيك


    شكرا للمرور الراقي
    المرشد
    المرشد
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد المساهمات : 132
    نقاط : 5198
    السٌّمعَة : 13
    تاريخ التسجيل : 29/06/2010

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف المرشد السبت مايو 26, 2012 11:05 am

    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005






    شيء ممتع ابداع واضح
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25949
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الأحد مايو 27, 2012 10:40 am

    المرشد كتب:
    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005






    شيء ممتع ابداع واضح

    افرحني مرورك الجميل
    avatar
    المبتسمة
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    عدد المساهمات : 83
    نقاط : 5139
    السٌّمعَة : 3
    تاريخ التسجيل : 29/06/2010

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف المبتسمة الأحد مايو 27, 2012 1:31 pm

    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    قصص جميلة راقتني كثيرا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25949
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الإثنين مايو 28, 2012 10:26 am

    المبتسمة كتب:
    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    قصص جميلة راقتني كثيرا


    شكرا للمرور اللطيف
    هدى
    هدى
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد المساهمات : 145
    نقاط : 5204
    السٌّمعَة : 6
    تاريخ التسجيل : 29/06/2010
    الموقع : اوفياء المنتدى

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف هدى الثلاثاء يونيو 05, 2012 10:47 am

    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    تميز واعجاب بما كتبت
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25949
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الأربعاء يونيو 06, 2012 10:42 am

    هدى كتب:
    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    تميز واعجاب بما كتبت

    شكرا للمرور
    العادل
    العادل
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    عدد المساهمات : 1657
    نقاط : 8734
    السٌّمعَة : 131
    تاريخ التسجيل : 29/05/2010
    41

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف العادل الثلاثاء يونيو 19, 2012 10:48 am

    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    امتعتني كثيرا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25949
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الأربعاء يونيو 20, 2012 10:34 am

    العادل كتب:
    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    امتعتني كثيرا

    احسنت الرد
    avatar
    ابو سيف
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    عدد المساهمات : 99
    نقاط : 5167
    السٌّمعَة : 14
    تاريخ التسجيل : 29/06/2010
    44

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف ابو سيف الجمعة يوليو 06, 2012 10:33 am

    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    ابداع وتميز
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25949
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى السبت يوليو 07, 2012 9:33 am

    ابو سيف كتب:
    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    ابداع وتميز

    شكرا للمرور
    المالكي
    المالكي
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد المساهمات : 122
    نقاط : 5190
    السٌّمعَة : 15
    تاريخ التسجيل : 29/06/2010

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف المالكي السبت يوليو 07, 2012 11:18 am

    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    قصص رائعة جدا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25949
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الأحد يوليو 08, 2012 9:19 am

    المالكي كتب:
    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    قصص رائعة جدا

    شكرا للمرور
    avatar
    وليد العراقي
    عضو جديد
    عضو جديد


    عدد المساهمات : 40
    نقاط : 4871
    السٌّمعَة : 3
    تاريخ التسجيل : 09/02/2011

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف وليد العراقي السبت يوليو 14, 2012 3:31 pm

    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    قصص رائعة وواقعية
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25949
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني  Empty رد: تكملة قصص من الزمن الصعب / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الأحد يوليو 15, 2012 10:21 am

    وليد العراقي كتب:
    Admin كتب:هو و الصيدلانيـة

    أمرأة شرقية والدها عراقي وامها بولونية اكتسبت جمالاً مركباً ملفت للنظر شقراء ذات شعر ذهبي طويلة القامة ذات قوام ممشوق وصاحبة خلق رفيع . توفي والدها وهي صغيرة وما ان كبرت وتخرجت من كلية الصيدلة جائها الخطاب يطلبونها للزواج كان عمها ولي أمرها فرض عليها رجل كبير بالعمر غني بشكل ملفت للنظر وكانت لاتبحث عن الغنى لكن ارادة العم هي التي فرضت عليها الزواج كونه صديقاً له . انجبت منه فتاة لم تتجاوز العام من العمر وكانت المشاكل الزوجية تضرب اطنابها في هذا البيت الذي بُنيَّ على اسس خاطئة . لم يستمر الحال طويلاً وكان الطلاق بين الزوجين ، رفضت الصيدلانية ان تستلم اية مصاريف او نفقة وتعهدت بأن تربي ابنتها تربية تليق بسمعة العائلة وقيمها واخلاقها وسعت جاهدة من اجل ذلك ومن أجل ان توفر كل المستلزمات الضرورية لها ، رغم صعوبات الحصار الجائر ورغم السنوات الصعبة بعد التغير حيث الانفلات الامني .
    رآها شخص صدفة واعجب بها أيما اعجاب كان يتألم حين يراها ويتعذب حين يكلمها ، كان محباً صادقاً لايعرف غير العشق والهوى ولا يظمر لها الا الخير .
    كانت تشعر بذلك وتشعر بالمحب المرتقب . قال لها يوماً أنا لا أتزوجكِ الا بعد أن أستطيع ان اوفر لكِ المستوى المعاشي الذي يليق بكِ ويزيد على ماانت عليه من مستوى . ابتسمت هي لذلك ، وكثر المعجبين بها وزاد عدد الخُطاب لها وكانت ترفض الجميع لانها لاتريد ان تخوض تجربة اخرى تؤدي بها الى الفشل كما حصل في زواجها الاول .
    نفر منها جميع الخُطاب بعد رفضهم الا شخص واحد استمر بعلاقته بها كأخ وصديق عزيز يقف معها في الشدائد ويحضر امامها كلما اتصلت به يسمع منها ويقدم لها المشورة .
    ذات يوم جاء حميد رجل بسيط ذو امكانيات محدودة أدعى انه خريج معهدويطلب منها الزواج ، تم التدقيق في سلوكيته واخلاقه وحميد هذا متزوج وزوجته متوفية ولم ينجب منها اطفالاً والسبب أُثبتَ طبياً منه .
    اتصلت بصديقها السابق الذكر وتم الحوار بينهما وجهاً لوجه .
    - قال الصديق : ياحميد هل تستطيع ان تلبي احتياجات زوجتك هي وامها وابنتها .
    - قال حميد : نعم بأذن الله .
    - قال الصديق : هل تستطيع أن تؤجر لها داراً تسكنوا فيه .
    - قال حميد : نعم ان شاء الله .
    - قال الصديق : هل عملكَ ودخلك اليومي يسمح لك بكل ذلك .
    - قال حميد : نعم .. نعم .
    وتزوجا فعلاً ولم يستمر الزواج طويلاً حتى بدأت المشاكل تدب في جسد هذه العائلة ، لأن حميد كان طامعاً بجمالها ومالها ولم يكن خريجاً كما ادعى وكان يمد يده الى اموالها وذهبها يأخذ ما يشاء دون استئذان منها .
    ان الزوجة ووالدتها تمكنتا من بيع قطعة ارض يملكانها وبعض الحلي الذهبية واقترضوا مبلغاً من المال من اجل شراء دار سكنية لهم ونجحتا في ذلك فعلاً .
    أي ان حميد لم يؤجر داراً ولم يتحمل مصاريف اضافية اخرى ولم يحمد الله ويشكره على ذلك ، بدأ يفتعل المشاكل يدعي هو أنها بحسن نيه وانه غير متعمد بذلك في حين تدعي الصيدلانية أنها بسوء نيه وهو يقصد ذلك . أين تلجأ الصيدلانية وبمن تتصل وبسرعة لاتحتاج الى تفكير اتصلت بالصديق المعتاد وابلغته بأدق التفاصيل .
    سمع صديقهم هموم كل منهم وتتبع أثر المشاكل وقدم المشورة اولاً للزوج وثانية للزوجة كلاً على انفراد ثم جمع الطرفين وقـــدم نصيحته لهم واصلحَ الأحـــوال بينهما .
    كان الصديق يدرك أن حميد لايليق زوجاً بالصيدلانية لفارق المستوى المعاشي والوظيفي بينهما هذا أولاً وللفارق بين سلوكيهما ولانعدام الثقة بينهما كونه ينظر الى أخريات غيرها في حين يدعي أنـها غـيورة اكثـــــر
    من الـحد المعقـول هذا ثانياً ولعدم اجادة حميد لفن الكلام والغزل معها ثالثاً .
    أدرك صديق العائلة أن اسفين الفراق والطلاق قد دُق في حياتها ولايمكن تدارك الأمر بعد اليوم فهو قاب قوسين أو أدنى .
    - قال الصديق: مسكينة الصيدلانية ليس لها حظ في امورالزواج كحظها في امور الرزق الحلال .
    - قال حميد: لابد من الفراق اذا استمر الحال هكذا .
    - قالت الصيدلانية: سأعد العدة وابيع ما أملك وأنهي علاقتي مع حميد وأغادر العراق .
    - قال الصديق: نهاية مأساوية أخرى في حياتك سببها سوء الاختيار لا سوء الاقدار ... افعلي ما شئت شرط أن تحافظي على الروابط الأسرية مع أمك وأبنتكِ .
    - قالت الصيدلانية هو كذلك .
    - قال الصديق: لاتدعي جمالكِ وكبريائكِ يكونان سبباً في زواج آخر فاشل لانه لم يبقى في القوس منــزع .
    ضحكت هيَّ وغادر هو المكان يردد المال والجمال هما السبب ... هما السبب .
    2004










    المُضحيــة

    فتاة ولدت في أحد أحياء بغداد الشعبية ورغم بساطة الحياة والمعيشة فيها تمكن والدها أن يغرس فيها قيم الحب والوفاء وأن ينشأها نشأة صالحة وتمر السنين وتصبح هذه الفتاة امرأة بلغت سن الزواج امتازت بجمالها وقوامها الرائع مما دعا معارفها وجيرانها واصدقاء اخوتها ان يتقدوا لخطبتها .
    رفضت ذلك رفضاً قاطعاً ، رغم أن خُطابها من مستويات وظيفية مختلفة منهم الضابط والمهندس والمدرس ومنهم من يعمل في القطاع الخاص والجميع ذو دخل مالي جيد .
    في حين انها لم تكمل دراستها الاعدادية بسبب الظروف العائلية بعد وفاة والدتها ، اضطرت لترك الدراسة لغرض الاهتمام بطلبات البيت والوالد والاخوة من تهيئة الطعام وغسل الاواني والملابس وغير ذلك من امور العمل المنزلي .
    كانت لاتغادر دارها أبداً الا للظرورات ولاتجامل سيدات الحي الا بقدر المناسبة سوى كانت سعيدة او حزينة . أي لاتسرف في علاقاتها مع جيرانها لكي تتجنب المشاكل أن رفضها للزواج واصرارها على ذلك حيرَ والدها وبدأ يناقش أمر ابنته مع نفسه يراجع حياتها منذ صغرها الى بلوغها هذا العمر فلا يجد ثغرة تشوب أخلاقها . اذاً لماذا ترفض الزواج ، أزعجه هذا السؤال المحير والذي لم يجد له جواباً أبداً . ذات يوم جمع والد الفتاة أبنائه واجلســهم حوله .
    - قال الأب: لا تعلمون لِمَ جمعتكم اليوم .
    - اجاب الأبناء: كلا يا والدي .
    - قال الأب: أن أمر أختكم قد حيرني ولم اجد له تفسير أعني رفضها للزواج .
    - قال أحد الأبناء: ونحن كذلك يا أبي رغم أن من تقدموا لها لايعابون بأي شيء .
    طلب الأب من أبنائه التزام الصمت مهما حدث مع ابنته لأنه سوف يسألها عن سبب رفضها للزواج . نادى عليها وما أن حضرت وشاهدت الحيرة على كل الوجوه كأنها أيقنت ماذا يريدون .
    - قال الأب: لقد رفضتِ الزواج من الجميع فهل نعرف الاسباب يا أبنتي وهل لك علاقة معينة بشخص تريديه زوجاً لكِ .

    أطرقت الفتاة برأسها الى الاسفل خجلة واجابت والدها بهدوء وحياء ليس لي علاقة بأحد يا والدي لكني أتمنى أن اتزوج شخص معين لاني أُحبه وهو سبب رفضي لكل الخطاب ، استفز قولها هذا أحد اخوتها وقد حاول أن يمد يده اليها ضرباً لولا وجود والده الذي منعه من ذلك .
    - قال الأب: ومن هو سعيد الحظ هذا .
    - قالت الفتاة :أنه علي ابن عمي هذا الشاب المعوق وشبه المجنون الذي يعاني من الوحدة ولا أحد يهتم به ويغسل ملابسه أو يعلمه حرفة يعتاش منها ... يا أبي اليس من الوفاء لذكرى عمي المرحوم ولوالدة علي العاجزة أن أُضحي لهم .
    رفع الأب يده الى الاعلى شاكراً الله على حسن التفاتتها داعياً لها بالموفقية وهو يبكي لهذا الموقف الانساني لابنته ولام نفسه كيف غاب عنهم علي وقال لابنته أنت مضحية كبيرة يا أبنتي .
    خجل اخوتها من موقفها المميز هذا ومن عدم ادراكهم للامور .
    - قال الاب: يا أبنتي مكافئة لكِ سأهبكِ هذا البيت ، وسأعقد لكِ على من اخترتي انكِ غاية في الشرف والغيرة لانكِ شعرتِ بأبن عمكِ في حين لم نفعل نحن ذلك .
    تزوجت فعلاً من علي وبدأت تعلمه كيف يكسب رزقه حيث أعدت له قدراً من الحمص المسلوق ( لبلبي ) يبيع منه قرب باب الدار لأطفال الحي وبدأت تعلمه كيف يملىء الأقداح وكم يأخذ من المال وتمر الأيام وتنجب منه طفلاً غاية في الجمال .
    - قالت الابنة : سميه أنت يا والدي .



    - قال الأب : حسين على اسم اخي والد علي وفاءاً لذكراه كما فعلتِ يا ابنتي .
    فرحت الابنة كثيراً وهي تقول لمن حولها أبيها واخوتها الوفاء ... الوفاء لاشيء غير الوفاء .



    2004
























    بسم الله الرحمن الرحيم







    المجموعة الثانيـــــــــــــــــة




    الهـروب











    الاهداء


    - الى كل الذين رئوا الحب فجرا

    - الى كل الذين قتلوا غدرا

    - الى كل الذين عاشو في العراق دهرا

    - الى العراقيون أبطال الزمن الصعب .. صبرا

    - الى كل شخوص القصص وابطالها الحقيقيون .. عذرا

    وليد زيدان اللهيبي









    المقدمـة


    في زمن نسينا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخات والدم المهدور في كل الارجاء .
    لابد أن نساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وبهذا الشعب ولابد لنا أن نقتبس من واقع الحياة اليومية مفردات تصلح للكتابة منها قصص تقترن بمعنى نحاول ايصاله الى جميع القراء . ومن هذا المنطلق كتبت قصصي القصيرة هذه التي تحمل كل منها درس معين يعين القارىء على استرجاع قيم الحب والوفاء والاخلاص الى حياتنا اليومية .
    لكي تعود الحياة في عراقنا زاهية جميلة كما كانت ولكي تظمن مستقبل أجيالنا بأن يعيشوا في حب ووئام دائم ، هذا المستقبل لايصنعه السياسيون فحسب ولا اصحاب القرار فينا وانما يشارك في صنعه الشعراء والكتاب والادباء والفنانون وكل شرائح المجتمع الاخرى ( لأن يد الله مع يد الجماعة ) فيدٌ بيد من أجل عراق الحب ولأجل عراق المجد والعمل .
    العراق العربي الذي نريده عراق الحالمين بالغد الافضل عراق لكل العراقين عراق الحب والوفاء والاخلاص .
    أملي أن أوفق في رسم الابتسامة والحب لهذا الشعب .

    والله الموفق

    وليد زيدان اللهيبي









    الحـظ
    كان دائم الشكوى من حظه العاثروكان يعتقد دائماً ، أن سبب كل مشاكله هو سوء حظه ، أن حياته لاتستقيم ، أبداً ما لم يتحسن حظه ، هكذا كان يتصور .
    رغم أنه متعلم وحائز على شهادة البكالوريوس من احدى جامعات بغداد الا أنه يؤمن أيماناً قاطعاً بأن للحظ نصيب في تحديد مسارات واتجاهات علاقاته مع الآخرين ، متناسياً أن اموراً اخرى أهم من موضوع الحظ هي التي تحدد ذلك .
    ومع هذا كان يخضع بشكل استسلامي لكل امور حياته ولكل مشاكله لايحاول ان يعالج مواطن الخطأ او أن يغادر هذه الحالة كأنه سلم كل زمام حياته لموضوع الحظ هذا .
    وادهى من ذلك كلـه بدأ يراجع من يمـارسون السحر والشعوذة عسى يجد عندهم الحل لأزمته هذه . وكانوا زمرة من الجهلة لايفقهون من الحياة أي شيء ... سوى النصب والضحك على الذقون ويتمادون في غيهم اكثر حين يكون بين أيديهم شخص مثل صاحبنا هذا متعلم وخريج ، تبدأ طلباتهم تنهال عليه من اموال ومواد عينية ، مدعين أنهم قادرين على تحسين أوضاعه وتغير حظه نحو الأفضل .
    دفعَ صاحب الحظ العاثرأغلب مايملك من نقود الا أن خظه لم يتغير . ان حالة الاستسلام لديه ليس لها مثيل عند البشر . زاره في أحد الأيام أحد أصدقائه المقربين اليه بعد انقطاع طويل ورأى العجب العجاب عند صديقه فقد تغيرت احواله ووهن جسده واختفت ابتسامته التي اشتهر بها أيام الدراسة . قال أسعد مع نفسه ماالذي جرى لكاظم لأسأله .. ماذا بك أيها الصديق العزيز .
    - قال كاظم : لاشيء يا أسعد لاشيء غيرسوء الحظ .
    - قال أسعد : أي حظ هذا الذي تتهمه بوضعكَ وازمتكَ هذه لادور للحظ في كل ذلك .
    - قال كاظم : كيف لاوقد خسرت كل شيء خسرت حتى الامل في هذه الحياة .
    - قال أسعد : على رسلك يا رجل لايمكن لاحدنا أن يخسر الأمل كل الذي أنت فيه هو سوء اختيار لاسوء حظ وسوء تقدير وتصريف منك للامور لاسوء حظ كما تقول .
    - قال كاظم : انت َ صديقي وتعرف كل ظروف حياتي فأنا لم أرتبط بعلاقة بأي امرأة ابداً بل لم تحبني امرأة ... ولم أتزوج للآن ولم اوفق في اداء اعمالي ووظيفتي .
    - قال أسعد : عليك العودة الى النبع الصافي ... ارجع الى الله تجده امامك ، اقرأ القرآن وأقرأ سيرة الانبياء وسيرة الصحابة الاجلاء يعود لكَ رشدك .

    بعد هذه النصيحة من صديقه أسعد بدأ كاظم يراجع مسلسل حياته وأيقن أنه فعلاً ابتعدَ كثيراً عن الجانب الروحي الذي يوفر له الاستقرار النفسي والاستقامة بالحياة .
    فما من حل الا بالعودة السريعة الى ذلك . وبعد أن فارقه صديقه قام كاظم واغتسل وغير ملابسه وعاد الى النبع الصافي الى الله وقرآنه وعبادته وصلاته وبدأ ينتقل في كتب السيرة من كتاب الى كتاب حتى هدأت نفسه وأطمأنت جوارحه وشعرَ من جديد أن حياته قد تغيرت ، وردد مع نفسه لقد تغير حظي ... لقدتغير حظي .
    2005















    الكنز

    كان اشعث الرأس متسخ الملابس والجسد تكاد لاتميز لون بشرته من لون ملابسه لاكتسابها نفس اللون ، اذا مشى لاتعرف له استقرار كأنه نابض يقفز هنا تـارة وهنـاك تارةً أُخرى ، وقف على تل ترابي ينظر الى القريه ... كان يتفحص بيوتها بدقة متناهية وركز نظره الى أحد القصور الكبيرة فيها وسحبَ نفساً عميقاً ثم اتبعه بحسرة كان يقارن الفرق بين بيوت القرية وهذا القصر ، بين الحياة المترفة وبين حياة الفقر .
    قرر دخول القرية لكنه لم يدخل اليها من شارعها الرئيسي المعبد ، بل دخلها من طريق نيسمي بين المزارع كأنه خبير في هذه البقعة من الارض . يمد يده على الزرع ليقطف بعض الخُضَر وتناولها طازجة دون أن يكلف نفسه غسلها ... فهل يجيد غسل الخضروات من لايغسل بدنه وملابسه .
    دخلها بمشيته الغير مستقرة كأنه يرقص فوق كتلة من الجمر مما أثار اعجاب الناس ودهشتهم به ثمَ انفجروا ضحكاً لهذا المشهد الغريب عليهم . قال احدهم تعال الى هنا ايها الغريب . نظر اليه الغريب دون اكتراث وهو يردد ستمر كذلك . ضحكَ الجميع من هذه الجملة ونعتوه بالجنون .
    واصل سيره فيها وهو يتفحص كل الوجوه في هذه القرية رجالاً ونساءاً ، كما تفحص كل الدور وماطرأ عليها من تغير .

    بقى عدة أيام في هذه القرية يعيش على فتاة الطعام أو على عطايا اهل القرية وكان يفترش الارض كلما شعرَ بالنعاس ، كانت جملته التي يرددها ( ستمر كذلك ) مصدر الضحك عند اهل القرية فلم يكلم أحد منهم أبداً بغيرها .
    كانت عيناه تلتمعان وفيها سرٌ غريب كلما نظر الى القصر وكان يتابع سيارة صاحب القصر او القلعة كمـا يسميها اهل القرية لمسـاحتها الواسعة يتابع خط سيرها وساعة خروجها وساعة عودتها ، كان يتألم كثيراً كأن الموت يعتصره اعتصاراً ، ذات يوم وحين مرت هذه السيارة في الشارع الرئيسي وكان مجموعة من اهل القرية يقفون على حافة الطريق . توقف سائق السيارة وأدى لهم التحية . نظر اليه جيداً ، من هذا الغريب الذي هنا ... أجابوه لانعرف عنه شيء سوى ستمر كذلك وهم يضحكون ... في تلك اللحظة هجم الغريب على صاحب القصر مخرجاً مسدسه الذي كان يخبأه واضعاً اياه في رأس صاحب القصر ، أذهل هذا الموقف الجميع . ارتعشت يد الغريب ثم بكى بكاءاً عنيفاً ورمى مسدسه على الارض بعد أن جلس هو عليها ما كان من صاحب القصر ألا الترجل من سيارته وركل الغريب برجله ثم امسك بمسدسه لكي يقتله ، هنا صرخَ الغريب يامحمد الا تعرفني أنا أخوك أحمد ، لقد سرقت أموالي التي ورثتها عن أبي ونعمت بها وحُرمتَ أنا منها وجئت اليوم لأقتص منك لكني في اللحظة الأخيرة تذكرت قصة سيدنا آدم وكيف قتل الأخ أخاه .
    فبكيت لهذا ورميت بمسدسي . أنبهر الجميع من هذه القصة الغريبة .وضع محمد المسدس على سيارته ومدَ يدهُ لأخيه وعانقه عناق حاراً ودموعهما تنهمر انهمــاراً .
    - قال محمد : لقد بحثت عنكَ ياأخي في كل مكان بعد أن عدت الى رشدي ولم أجدكَ .
    - قال أحمد : كنت أُعاني من أزمات كثيرة وكنت أقول ستمر كذلك وكانت تمر كسابقاتها احمد الله أني لم أقتلك فقد عدت الى رشدي .
    - قال محمد : اغفر لي ذنبي ، واجلب عائلتك ولنجتمع من جديد وخذ ما شئت من أموالي وأملاكي فأنت َ كنزي ياأخي أنتَ كنزي .
    - قال أحمد : بعدَ أن ابتسم ، لكَ مني ما تريد يا أخي ستمر كذلك ... ستمر


    2005





    القدر

    في أحد أحياء بغداد القديمة التي مازالت شاخصة حتى الآن ما أن تدخل الى هذا الحي ترى الازقة الضيقة المتقاطعة والمتداخلة مع بعضها البعض والشناشيل البغدادية القديمة المتقابلة فــي جهتي الزقاق .
    حين تدخل هذا الحي تشم رائحة بغداد الاصيلة بطبائعها وأخلاقها وترى طبيعة اهلها وتسامح ناسها وروابط الأُلفة والمحبة بينهم ولا تشعر بالغربة حين ترى عينيك وجوه القوم لأنها مألوفة لديك ومعروفة بأبتسامتها المرتسمة على الشفاه والحديث العذب بأطراف اللسان . في هذا الحي كانت فتاة في العشرين من عمرها تجلس في احدى شناشيل دارها تراقب حركة المارة من جيرانها لفتَ انتباه الفتاة تجمع الشباب في التقاطع القريب يتبادلان الحديث عن الطيور وانواعها وتربيتها وساعات طيرانها ، حيث كان البغداديون القدامى مولعون بتربية الطيور . وكان شاب يخرج من داره صباح كل يوم بملابسه الأنيقة ومشيته المتزنة لم يتجاوز العشرين من الا ببضع سنين يذهب صباح كل يوم الى عمله ويعود الى داره عند الغروب .
    اعجبت به ايما اعجاب كانت تنظر اليه بلهفة وشوق لايوصف في حين كان يمر من امام دارها دون أن ينظر الى شرفتها وذلك بسبب خلقه العالي ، لقد احبته حباً جماً وكانت تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها . مع تكرار ذهابه وايابه نظر اليها ذات يوم صدفة وكأنها اصابته بسهام في القلب لقد شغفَ بها حباً ، كان يفكر بها كما كانت تفكر به وقررت أن تزورهم في دارهم لتراه عن قرب وفعلت ذلك وما أن دخلت دارهم لم تجده كيف لقد دخل قبل قليل ، جلست مع اخته تتبادلان الاحاديث ، واضطرت أن تسأل عنه واصبحت أخته شريك حبهم ومع مرور الأيام تم الاتفاق على كل شيء ( الخطوبة والزواج ) .
    حب صادق نابع من القلب الى القلب ينتهي بسرعة الى الزواج . لقد تم عقد قرانهم وتم تحديد موعد الزفاف .
    - قال سامي: مخاطباً أخته لم يبقى سوى أيام معدودات وتكون هند في بيتنا معززة مكرمة .
    - قالت وجدان: أنا انتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .
    ذات يوم وبعد خروجه الى العمـل كانت هند تؤدي واجبـاتها البيتية المعتـادة من طبخ وتنظيف .حملت هند اناء نفط لتملىء طباخهم النفطي وهذا حال البيوت البغدادية أيام زمان ، انسكب النفط عليها وبلل ملابسها المصنوعة من البولستر اثناء ملئها الطباخ وشبت فيها النيران وبلمح البصر التهمت النيران معظم جسدها وهي تصرخ بين جدران الدار ، هب الجيران لمساعدتها واطفاء النار المشتعلة فيها .
    - قالت وجدان: سنأخذكِ الى المستشفى .
    - قالت هند: وهي تأن من الألم سامي ... سامي .
    تم نقلها الى المستشفى وهناك سارعتها يد المنون وتوفيت وحين عاد سامي الى الحي لاحظ علامات الحزن على وجوه الجميع ما ألذي حصل لا أحد يجيب الا صوت أخته .
    - قالت وجدان :التهمت النيران جسد هند . صرخ سامي بصوتٍ عالٍ أخذ الموت أعز انسانة ... هذا قدري ... هذا اسوء الأقدار .



    2005
























    الثمـن


    رجل توفيت زوجته وتزوجَ من امرأة اخرى وكانت عاقر كان للرجل أبنه واحدة فقط عمرها حين توفيت والدتها خمسة عشر عاماً ، عاشت عامين آخرين مع زوجة أبيها التي كانت قاسية القلب ، تعامل الفتاة بقسوة لا توصف ، لاحظت الفتاة أن لزوجة أبيها علاقة مشبوهة مع شخص تتقرب اليه وتتودد اليه كلما كان والدها غائباً ، لفت نظرها هذا المشهد المتكرر حاولت بأدبها الجم العالي أن تلفت نظر زوجة أبيها بأن هذه العلاقة لايمكن لها أن تستمر لأنها تخشى أن تتطور الأمور وتصبح العلاقة حرام شرعاً . حاولت الفتاة أن توقف هذه العلاقة منذ البداية الا أنَ اصرار زوجة أبيها على ذلك جعلَ من حياة الفتاة جحيماً لايوصف ، بدأت زوجة أبيها تلمح لزوجها أن ابنته غير نظيفة في علاقتها مع ابن الجيران ، لقد قلبت الموازين ، كانت الفتاة تخجل ، أن تصارح أباها بعلاقة زوجته ، ومع تكرار شكوى زوجة الأب الى زوجها من تصرفات أبنته وهي كاذبة طبعاً .
    ازداد غضب الأب على ابنته كما ازدادت زوجة الأب قساوة على الفتاة . ذات يوم طفح الكيل بالأب مما بدأت ترويه زوجته عن ابنته ، حمل سكيناً في الليل وهم بقتل ابنته وهو ينظر اليها حاملاً السكين ليقتلها دمعت عيناه وسقطت دمعة على وجه ابنته شعرت الفتاة بشيء ساخن يسقط عليها فتحت عيناها واذا بوالدها يحاول قتلها صرخت بوجههِ طلبت التروي بتنفيذ حكمه ، ارتد والدها ولم يفعلها . وبعد ان سكن الليل وهدأ الجميع هربت الفتاة من الدار الى أحد البيوت التي تخشى الله والمعروفة بورعها وتقواها لجأت اليهم وقصت حكايتها وأبلغتهم بأنها تريد ان تكون قريبة من والدها ، احتظنوها وأخفوها كي يكتشف والدها خطأه . يأس والدها من العثور عليها وبدأ يعيش حياته مع زوجته بشكل اعتيادي ، وذات يوم عاد الزوج الى بيته في غير موعده دخلَ فيه وذهلَ مما رأى زوجته على فراش الزوجية بصحبة رجل غريب ... يا للعار سحب مسدسه ، صرخت زوجته طلبت العفو عنها .
    - قالت : افعل ما شئت ... طلقني ولا تقتلني .
    - قال الزوج : وابقى اعيش على العار . وبسرعة أفرغَ رصاصات مسدسه بجسديهما العاريين وارداهما قتيلين وهو يردد فقدت ابنتي ثمناً لخيانة زوجتي ... ياله من ثمن ... ياله من ثمن .

    2005










    الهروب

    في يوم شتائي ممطر كان البرد فيهِ زمهريراً والمطر ينهمر فيه انهماراً والسماء ملبدة بالغيوم حتى أن ضوء القمر في هذه الليلة اختفى من كثافة الغيوم وكان ضوء الرعد الخاطف السريع هو الضوء الوحيد الذي يكشف عن حقيقة الاشياء في هذا الجو الشتائي . هربت من الدار فتاة في العشرين من العمر سلكت شوارع المدينة لاتدري أين المسير وليس لها وجهة محددة كل الذي تريده هو الهروب من دارهم الذي تحول الى جحيم لايوصف ، أب عاجز أن يوقف زوجته الثانية من تصرفاتها السيئة مع أبنائه ، زوجته الثانية في منتهى القساوة وليس لها قلب يسع أولاده من زوجته الاولى المتوفية .
    هرب أولاده الثلاثة جميعاً ولجأوا الى أحد اقاربهم الميسورين وعاشوا بكنفهِ ولم يبقى له الا أبنته هذه التي ذاقت أنواع العذاب وضاقت بها السبل فقررت الهرب الى أين ؟ لاتدري قادتها قدميها الى أحد الشوارع ومع أزدياد المطر وصوت الرعد والبرق أصيبت الفتاة بخوف لا يوصف لا أحد في الشارع ليلاً سواها مبللة الملابس خائفة من مصيؤها المجهول . جمعت قواها شيء فشيء وطرقت أحد الأبواب فتحوا لها وأدخلوها البيت لاتستطيع الكلام من شدة البرد ، اسنانها تطقطق وجسدها يرتجف كغصن شجرة ، أبدلوا ملابسها وأوقدوا لها نار لتتدفى فيه ، رجل كبير السن وزوجته تألموا كثيراً عليها .
    - قال الرجل : ماذا بكِ يأبنتي .
    - قالت الفتاة : لاشيء لاشيء ياعماه .
    - قالت زوجته : قصي لنا حكايتكِ عسى نستطيع مساعدتكِ .
    صمتت الفتاة وراحت تنظر في ارجاء البيت وبفراستها شعرت انها بحمى عائلة ورعة تقية تخاف الله ، قصت لهم حكايتها والظلم الذي عاشت فيه مع اخوتها .
    عند الصباح أبلغها الرجل بأنه اختارها زوجة لأبنه الوحيد .
    - قالت الفتاة : أي ابن لم اشاهد عندكم ولد .
    - قال الرجل : هو يا أبنتي لايبصر وأصم وكسيح .
    تفاجئت الفتاة وقالت : اهرب من ظلم وجحيم لاقع في ظلم وجحيم ، هل هذا هو ثمن ضيافتي عندكم لليلة واحدة .
    - قال الرجل : أعطيكِ قصري وكل ما نملك مقابل هذا الزواج .
    رفضت الفتاة بشدة وأبلغتهم انكم اصحاب واجب معي وبأمكاني أن ارد الجميل لكم وذلك عن طريق رعاية ابنكم كلما سمحت لي الظروف وفاءاً للدين الذي برقبتي لهذه الليلة .
    - قالت زوجته : تعالي يا أبنتي معنا وشاهديهِ . دخلوا جميعاً الى غرفته ، تفاجئت الفتاة مما رأت ، شاب جميل يبصر ويسمع وغير كسيح .
    - قالت الفتاة : لماذا ياعماه قلت ذلك عن ولدك .
    - قال الرجل : لانه بعد أن تخرج من الجامعة عكف على قراءة القرآن ولم يرى غيرنا ولم يسمع صوت أحد غيرنا ولم يخرج من الدار أبداً . وهو يتابع حسابات معاملنا من هنا وينجزها . وانكِ يا أبنتي تستحقين هذا الورع التقي . أعادوها الى بيت أهلها ، وخطبوها لابنهم واكتملت فرحة العائلتين بهذا الزواج . الا زوجة أبيها فقد بقيت على قساوتها مع الجميع .
    -
    - قالت الفتاة : لقد هربت من دارنا بسبب القساوة .
    - قال الرجل : ولقد هربت بزواجكِ من ابني الى عالم السعادة والاستقرار .
    - قالت الفتاة : أنه الهروب العذب ... هروب نحو الأفضل .

    2005








    لقــاء

    أحبها بصدق وعفوية وبراءة كما احبته بكل عواطفها ، كانت لاترى شاباً غيره يصلح لها زوجاً رغم أن القرية التي يسكنون فيها مليئة بالشباب ، الا أن الحب أخذ مأخذه منها أحبته حباً صادقاً بريئاً بكل مل تحمله كلمة البراءة من معنى . كان يكتفي منها حين تمر بالسلام أو الأشارة والأبتسامة وكان يلتقي بها سريعاً لايطول لقائهما لبضع دقائق وذلك لظروف القرية وأخلاقياتها التي كانت تحرم تلك الأمور ، رغم ذلك كانا يلتقيان ويتبادلان كلام الغزل والحب ويعبر كل واحد منهم عن مشاعره أتجاه الآخر واخيراً اتفقا على الزواج . جمع اهله وجيرانه وذهبوا الى اهل الفتاة ليخطبوها له . الا أن قرار أهلها لم يكن بصالحه لقد رفضوه لأسباب هم اعلم بها ، لم ييأس وعاود خطبتها عدة مرات ولم يوافقوا على طلبهِ . زوجوها لشاب آخر من أقربائها وتزوج هو أنسانة أخرى وتمر الأيام والسنين وينجبوا البنات والبنين وتستمر عجلة الحياة بالتقدم ، لقد اصبح عمرهما الآن فوق الستين عام .


    في هذا العمر يشاء الله أن يلتقيا من جديد كيف وأين يالها من صدفة تجمع حبـيبـين تجاوزا الستين من العمر .
    حدث ذلك في حفل زواج أقيمَ في قريتهم لأحد شبابها ، حمل هو باكورته عند الغروب متوجهاً الى حفلة العرس كما همت هي بالخروج من بيتها للذهاب الى بيت العريس وفي الطريق التقيا .
    قال مرحباً أم حيدر ، قالت : اهلاً أبا علي وجلسا تحت أحد الاشجار على ساقية ، حيث العصافير تزقزق وصوت الماء المنساب في الساقية أمامها وحديث المحب لحبيبته لم ينتهي بدءا يتذكران أيامهما الحلوة التي عاشاها أيام شبابهما ، لقد التقيا في عمر ليس فيه حرج .
    اقيمت لعبة الجوبي ولعبة الساس في حفل الزواج وانتهت مراسم الرقص والعشاء وتم زفاف العريس على عروسه وأنتهى كل شيء في القرية ألا أن صاحبينا لازالا جالسين يتذكران أيام حبهما ويلومان الآهل على فراقهما وبعدهما وقد أدركهما الفجر وهم جلوس في هذا المكان يتذكران حبهما وأيامهما العذبة . رفع أبا علي رأسه الى السماء ولاحظ بزوغ الفجر وقال بيتاً شعرياً ريفياً لازال خالداً الى يومنا هذا 0

    عايل علينه الفجر هل بان عامودوا
    وهذا وليف الجُهل ما أبزع من كعودوا


    قالت أم حيدر : وهل يمل من يجلس مع حبيبته الذي فرقتهم الآيام .
    قال أبو علي : ألا بئساً لغدر الأيام والتقاليد .

    2005

































    عراقيون


    جلس في حديقة داره منذ الصباح الباكر يفكر ويفكر وامامه طاولة مستديرة وضع عليها فنجان القهوة وبعض الاوراق ارتشف رشفة من القهوة ويداه ترتعشان ، وضع نظارته على أنفه ليرى بوضوح كان الشيب يملىء شعر لحيته وشعر رأسه ، وما أن أمسكَ بالقلم ليكتب ردد مع نفسه ماذا اكتب أأكتب عن جمال الحديقة والورود التي فيها أم أكتب عن الأنسان في زمنٍ أصبحَ الأنسان فيه هو الخاسر الوحيد .
    وضع قلمه جانباً ومد يده نحو فنجان القهوة العربية أرتشفَ منها قليلاً وهو يتذوقها بشغف ولذه رغم مرارتها الا أن طعمها المر هو صفة للقهوة العربية الاصلية أصالة العربي أينما وجد . قال أن مرارة الوضع الذي نعيشه اليوم أشد من مرارة فنجان القهوة ، حيث اصبح في بلادي الأنسان ارخص الأشياء ، مجموعة من الرجال تؤخذ من دورها بسيارات حكومية تابعة لوزارة الداخلية وبعد يوم أو يومين يقتلون ويلقون على قارعة الطريق في اماكن نائية على أنهم مجهولي الهوية .
    نساء وأطفال تقتل دون رادع يقتلون بمفخخة وضعت في سوق شعبي . أينما تمضي لا تجد الا القتل والدماء دماء .. دماء في كل مكان ، دخان ... دخان يتصاعد بعد كل انفجار في الهواء وعلى الارض دماء ... دماء ، ورائحة اللحم البشري المشوي تعم الأرجاء ... الله أكبر يا لرب السماء . وضع قلمه جانباً ورفعَ نضارته من أنفه ودموع بدأت تنساب من عينيه .
    - قالت زوجته : مابكَ يا رجل ... وهل يبكي الرجال .
    - قال الكاتب : نعم ولأهون من هذا يبكي الرجال 000كيف لا
    جدائل طفلة مغمسة بالدماء تناديني أن أكتب ، وجثث في كل مكان أجساد قطعت ... أشلاء تناثرت لا لسبب الا لأنهم عراقيون .
    - قالت زوجته : أصبح دم العراقي مهدور الى هذا الحد .
    - قال الكاتب : والى أبعد من ذلك علينا كعراقين أن نصون دم العراقي أينما وجد .
    - قالت زوجته : وكيف ذلك .
    قال الكاتب : أن نرجع الى كتاب الله ونوحد صفوفنا ، ونغلق حدودنا ونحدد أعدائنا ، لنوقف المفخخات ، ولاتقتل الا بموجب القانون وأمر القضاء ، هكذا نبني دولة القانون لا دولة الأنتقام ولا تصفية للحسابات بين الفرقاء علينا أن نبقى عراقيون ... عراقيون


    2005



    الحقيقة

    كان منذ شبابه وفي مراحل مبكرة من الدراسة المتوسطة كان مولعاً بالكتابة ، أزداد ولعه بالكتابة مع تقدم العمر وحين بلغ الثانية والثلاثين عاماً كان في أعلى مراحل التطور في كتاباته هكذا كان يعتقد ، وقبل هذا العمر كان متزوجاً .
    شاهدَ امرأة أخرى أُعجبَ بها أيَّ اعجاب ملكت عقله وقلبه لم تكن متزوجة ولم تمتلك من مواصفات الجمال الشيء الكثير لكنه وجَدَ فيها الأخلاق والهدوء والاعتدال في مشيتها بحيث لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء وهل يجرُأ .
    وجد فيها حبه المنشود حيث سيطرت على عواطفه ، كانت تبادله الحب والحنان والعواطف بل ألهبت مشاعره الى حد الأشتعال ومن ثم تطفئ نيران الحب المتأججة داخله بقبلها الطويلة الرائعة الساخنة وبأبتسامتها اللطيفة .
    أستمربعلاقته بها أكثر من سنتين اتفق معها على الزواج بعد أن عرفها جيداً وعرفته هي أيضاً ، الا أنها كانت مترددة في ذلك الأمر . خلال فترة علاقته بها كان يأخذها في جولات في شوارع بغداد ومواقعها الجميلة ، ذات يوم قرر استئجار زورق في نهر دجلة ، ركبا في الزورق وكانَ البلام ( صاحب الزورق ) يتولى القيادة كان زورقه ذو محرك يعمل بالبنزين . قال له جولة في النهر ، اتجه عكس تيار الماء من مرسى الزوارق قرب شارع المغرب متجهاً الى الأعظمية فالكاظمية كانوا وسط النهر يتمتعون بهذا المنظر الرائع ، صوت الماء ونسائم الهواء والجزر وسط النهر ، كانا يتبادلان الحديث همساً كلام غزل وابتسامات لم تنتهي .
    - قال : أتجيدين السباحة .
    قالت :لا أنا لاأجيد السباحة .

    - قال : اذا أنقلب الزورق سوف لن أنقذكِ لانني لم أمتلك القدرة على ذلك ومن ثم أن وزنكِ ثقيل في وسط الماء .
    أصابها الحزن حين سمعت ذلك وعبس وجهها . ثم فاجئها قائلاً أنا أمازحكِ ان أنقلب الزورق لاسامح الله من هنا وسط النهر الى الجرف سأحملكِ الى بر الأمان . ابتسمت ثم وضعت يدها في النهر تستشعر برودة الماء ودفعت يدها بأتجاهه لتسكب عليه بعض قطرات الماء ، ابتسما في ذلك ، نظرَ اليها طويلاً محدقاً بوجهها وقد ذهبت به تفكيره الى أتجاه آخر ، شعرت به كأنه غير موجود معها في هذا الزورق .
    - قالت : الى أين وصلت في صمتكَ هذا يا حبيبي .
    - قال : بدأت بأعادة تركيب بعض الكلمات لتوثق هذه الرحلة ، أتذكرين رحلة الزورق . وسأكمل المقطوعة أنشاء الله .
    مرَّ الزورق من تحت جسر الأئمة بأتجاه الكاظمية ، طلب من صاحب الزورق العودة الى مكان الأنطلاق وعادوا من هذه الرحلة وهم أشد ترابطاً . وحين أتم مقطوعته التي ؟أسماها الزورق أتصل بها هاتفياً وأسمعها ما كتب قائلاً .

    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والافق حولنا أزرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالةً أسمى وأبهى وأعمق
    الحب يجمعنا بينَ ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ ...
    آهٍ يا أحلى زورق

    أعجبت بما كتب أيما اعجاب ، وحين أصر على سماع رأيها بموضوع الزواج قالت أراكَ غداً عصراً .
    ألتقيا وكانت تخشى مفاتحته أصر على سماع رأيها قالت سأقول لكَ الحقيقة وأرجوا أن تقدر وضعي مهما كانت هذه الحقيقة مُرة ، لقد تعرفت على شاب قبل سبع سنين وكنت أحبه وفي أحد الأيام حين خرجنا معاً وفي قمة الانفعالات العاطفية أخذ مني أعز ما أملك بكيت لذلك ، أوعدني بالزواج ثم هرب ولم أعثر عليه وأنا الأن بين يديك أمرأة فاقدة العذرية فماذا تقول .
    - قال : وهو غاضب لقد خدعتيني كل تلك الفترة، الاولى بكِ أن تفاتحيني منذ البداية ، انتِ قتلتي الحب في قلبي الآن وهذا فراقٌ بيننا ، طلب منها النزول من سيارته وتذهب الى حال سبيلها .
    أصيبَ بكأبة حادة جداً وملىء قلبه الحزن وهو يردد مع نفسه أخطأت في الاختيار ... يا لسوء الاختيار .



    2005



























    يد بيد

    جلسَ والدموع تنسكب من عينيه ، أنهار تجري على خديهِ ، ماذا بكَ أيها الباكي الحزين ، ما الذي أصابكَ لتسمعنا هذا الأنين ، أخبرنا بالله عليك فلم نعد نحتمل جريان الدموع ورصاصات أنينك تخترق مسامعنا . حدثنا ما الذي جرى وما أصابك أيها الباكي لعلنا نخفف عنكَ الألم والحزن ونوقف رصاصاتكَ التي خرقت مسامعنا . رفعَ رأسه ونظرَ اليهم بأشمئزاز كأنهم لايعلمون ما الذي حدث وما جرى وما سيكون عليهِ الحال نظرَ اليهم وطأطأ رأسهُ مرة ثانية ولم يكلمهم ، استمر في بكائه ودموع ساخنة بللت لحيته السوداء المتشحة بالبياض شيباً .
    - قال أحدهم : اتركوه ربما فقد شخص عزيز عليه .
    - قال َ الآخر : أنا لا أعتقد ذلك أن هذا الحزن وهذه الدموع هيَّ لمحب فقدَ حبيبته .
    - قال ثالثهم : أنتَ واهم ياصاحبي أنه في الاربعين من العمر ولا بكاء لمن يحب في هذا العمر .
    وبعد أن طأطأ رأسه رَفَعهُ مرة اخرى وهو ينظر الى السماء نظرة طويلة وبعمق كأنه راح يتفحص زرقتها وأشراقة الشمس فيها وردد مع نفسه وهل بقيت للشمس قيمة في بلدي وهل ما زالت رمزاً عندنا ... أشك في ذلك .
    وهو في اندماجته هذه كانت دموعه تنسكب من عينيه على لحيته ثم تنزل قطرةً قطرة على ملابسه . ومن يراه في هذا الحال يتصور أن عيناه قد لصقت في كبد السماء .
    ترى ما الذي ينظر اليه وبماذا يفكر ولِمَ هذه الدموع وهل الامر الذي هو فيه يستحق كل هذا الدمع والالم والدموع .
    لازالَ الثلاثة يقفون أمامه بأستغراب وهم حيارى ، يا لهذا الرجل ما أنفكَ يبكي ويئن ودموعه منسكبات ولم ينطق بالذي أصابه لنعينه عليه .

    - قال الثلاثة في آن واحد : ما بكَ أيها الرجل أخبرنا بالله عليك لقد ؟ 0 أصبتَ فينا ما أصبـــــــت بأنينكَ ودموعكَ أخبرنا يا رجل .
    - قال : ما بكم اليس عندكم عيــــون تنظرون بهــــــا وعقول تبصرون بها الحقائق ، ألا تدركــــــــون ما الذي يجري الان وما سيحدث غداً .
    - قال الثلاثه : على رسلكَ يا رجل لم نعرف ما تقــول وما تريد .
    - قال الرجل : انني فقدت أعز ما أملك فقدتُ عراقــي وحريتي وثروتي وشَعبي وأسلامي ، أن بســـــطال المحتلين لم يدوس على الارض فقط بل داسَ علـى رقابنا و أجسادنا ومشى على كرامتنا وبعدَ كل هـذا تسألوني ماذا بيَّ وماذا فقدت .
    - قال الثلاثة : لم ندرك حقيقة بكائكَ فمعذرة يا رجل .
    - قال الرجل : لا أعتذار الا بحمل السلاح وطـــــــــرد المحتل ، يد بيد يا أخواني لتحرير العراق يد بيـــــد لتحرير العراق .

    2005








































    طريق الشمس

    مجموعة من الرجال والشباب جمعتهم الصدفــــــــة لاغير بلقاء في دار أحد أقاربهم بل المتنفــذ فيهـــــــــــم عشائرياً كما كان يسكن غربي العاصمة بغداد وفــــــــي منطقة قريبة منها ، عدد لابأس فيه يتراوح عددهـــــــم فوق العشرين شخصاً بقليل ، اجتمع الأحبة من الاقرباء وكان صاحب الدار فرحاً بشوش الوجه نادى على احـــد أبنائه وهمس بأذنه ، ذهبَ ولده مسرعاً واعقبه الآخــر ايضاً ثم أعقبه الثالث ، كان صاحب الدار مســــــــــتمراً بالترحيب بأقربائه وبفراسته العربية المعهودة لديـــــــه
    - قال : أرى من وجوهكم بل أقرأها جيداً أن لا حــدث جلل جمعكم وانها الصدفة على ما يبدو
    - قالوا : بلى والله جئنا لزيارتك وجمعتنا الصدفة في مضيفك هذا .
    دخلَ ابنه وهو يحمل دلة القهوة العربية وبــدأ يكـــــــرم ضيوفهم بتلك الفناجين المحببة الى نفوسهم ، ارتشـفوا القهوة تباعاً وهم يمتدحون أن قهوة الشيخ مميزة . قادهم الحديث من امور العشيرة والتزاماتها الى الشـعر البدوي ( العتابا ) يتسامرون به ويتبارون فيه . ثم قادهم الحديث الى اوضاع العراق الحالية حيث قـوات الاحتلال والتفجيرات التي تقتل الابرياء ، وقتل الرجــال بعد اقتيادهم من قبل جهات رسمية ويتم العثور عليهـــم كمجهولي الهوية .
    كان الجميع يرفض الاحتلال ويؤكد على ضـــــــــــرورة اخراجه واختلفوا بالطريقة التي يخرجون بها قـــــــوات الاحتلال ، منهم من دعى الى قتال تلك القوات ومنهـــــم من رجحَ طريق الحوار والمفاوضات وفي خضــــــــــــم المناقشات تلك نوديَّ للصلاة ، نهض الجميــــــــع وأدوا صلاتهم جماعة ، وبعد الصلاة مباشرةً جهزَ صاحــــــب الدار وجبة الغذاء لضيوفه وكان كريماً جداً حيث قـــــام أبناؤه بنحر الذبائح اكراماً لضيوفهم . وبعد الغـــــــــذاء عادوا الى الاستمتاع بقصص الغزو للعشائر أيام زمــان وكيف كانت توثق بالشعر وتحفظ نقلاً من جيل الــــــــى جيـل . كان رجلاً قد قارب الخمسين من العمر متـــألمـــاً جداً لما تقوم به قوات الاحتلال من ضرب المدن وقتــــل الابرياء وكان يثني على دور المقاومة الشريفة لضربها قوات الاحتلال .
    - قال: أنني أسمع بوجود المقاومة والواجب علينــــا دعمها ولو كنت اعرف طريقها لذهبت اليهـــــــــــم مجاهداً في سبيل الله والوطن .
    - قال أحد الحاضرين : أنا ادلكَ على المقاومـــــــــــة وطريقها فهي موجودة في كل مكان مــــــــن ارض العراق .
    قام صاحب الدار بتغير مجرى الحديث الى حديـــــــــــث المقالب التي كانت تمارس فـــــــــــي ايام مضت لغرض الضحك والمتعة واشتركَ الجميع معهُ في ذلك الحديــــث ثم بدأ الضيوف بالانصراف عائلة بعد عائلة ، وانفــــرد عمار مع جسام وقد همسَ معه بكلام .
    - قالَ عمار : مازلت تبحث عن طريق المقاومة .
    - قالَ جسام : وهو يضحك انسى الأمــــــــر اردت ان أعرف ردود فعل الآخرين .
    - قالَ عمار : حسبتكَ فعلاً لاتعرف طريق الشمس ... طريق الحرية .
    قالَ جسام : وهل يوجد عراقي لايعرف طريق الجهـاد أن طريق الشمس يبدأ بكلمة يعقبها موقف .

    - قالَ عمار : حمداً لله أن طريق شــــــمس العراقيين يجري بالدماء التي بالشرايين فكل عراقي لم يحمل السلاح هو مجاهد في ظل الظروف الصعبة التــــي يمر بها الشعب والوطن فكل الشعب مجاهد ... الكل مجاهد .



    2005





    قصص رائعة وواقعية

    احسنت الرد

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين أبريل 29, 2024 1:30 pm