اليك اكتب حتى اسلمك الظرف المفتوح
حبيبي يا الله: الموت نعمة ايضا، وانا افكر بهذا العالم الغامض بالنسبة لي، اعتقد اني اتأثر بصورته الانطباعية التي تكونت في رأسي اكثر؛ واتخيله كالمكوث في الظلام، ولأن الظلام ينقشع بعد مدة؛ هكذا اخبرتني صديقة متخصصة في "علم النفس" بعد ان اخبرتهم الاستاذة في الكلية ان الخوف فكرة في رأسنا من الممكن ان نتعامل معها؛ فالظلام على سبيل المثال حالة مخيفة للنفس البشرية الا انه بعد مدة بسيطة يقل وتتخلله رؤية خفيفة او محسوسة، ارى ايضا ان الموت من الممكن ان يكون غير مخيفٍ كما نعتقد، الا اننا نحزن بشدة على من نفقدهم لأنهم من المحتمل قد تألموا كثيرا لحظة موتهم او ربما لأن القبور بالنسبة لنا وحشة ولأن الفراق لا يحتمل ثقله، لكن المكوث بين حالتيّ الحياة والموت اصعب واكثر ألما بالنسبة لعوائل فقدت افرادها دون ان يعلموا هل هم احياء ام اموات؟ فهلا خففت عنهم عبء الحيرة؟
تخبرني صديقة اخرى تختبئ وراء ابتسامة " تداوي " ان الوضع سيكون عليهم اسهل لو عرفوا مصير والدها، فما بين الأمل بأنه حي واليأس من كونه ميت شوطٌ طويلٌ مملوءٌ بالحزن المضني والسعادة المؤجلة، الصباح يعني أنه "قد يأتي" والليل يعني ايضا أنه "قد يأتي" الا ان اليوم ينتهي دون طرق الباب ودون ان يحضر وهكذا تسلخ الايام بعضها ومرت الثلاث سنوات بلا خبر..
واذكر امرأة ظلت تبحث عن زوجها لثمان سنوات، اجريت معها حوارا في بداية مشواري الاعلامي بينما كنت انبش احياء بغداد بحثا عن شهادات عوائل المفقودين واقلب قبور مقبرة وادي السلام في النجف بحثا عن القطع التي يُكتب على موتاها مجهولي الهوية لان بعض هذه القبور تعود لمفقودين رحلوا غرباءا بعيدا عن اهاليهم بينما عاشوا كل حياتهم معرفين بأسماء وكنى وألقاب مع عناوين عمل ودراسة وبيوت تشير الى المحلة والزقاق ورقم الدار في بطاقة سكنهم، أليست هذه المفارقة موجعة يالله؟ كيف يصبح المعرف مجهول؟ وكيف يصير الموجود مفقود؟ وكيف يجد احباب المفقود عزيزهم والوطن صار كبيرا جدا حتى ضعنا فيه جميعا بنسب متفاوتة وقصص متباينة.
وحدهم حيارى الانتظار يعرفون معنى ان يعيشوا على أمل رجوع مفقوديهم ووحدك انت من يشعر بهم، رد لهم من ينتظروه ليفرحوا او خذه اليك رحمةً ليبكوا حتى تستكين قلوبهم.
...
جمانة ممتاز /العراق
2018