غرامة
التحق عدنان الساطي بالخدمة الالزامية، تاركاً ضيعته الجبليةالسابحة في الغيوم، تنعم بالهدوء والدعة كعادتها منذ الأزل، فيَدُ الإنسان المتحضر لم تفض بكارتها بعد، رغم أنها تصلح لمشروعٍ سياحي حلوب.
كانت السيارة تتدحرج به قاطعة مئات الأميال بإتجاه العاصمة،التي سيدخلها لأول مرة، أو قل أنه أول مرة يخرج من ضيعته إلى هذا الكون الفسيح. طوال الطريق وعيونه تلتهم الأماكن وتخزن الصور في ذاكرة كانت فارغةمنها طوال ثمانية عشر عاماً، الفرحة كما الحزن كانا يتناوبان عليه، فرحة الاكتشاف والتعرف على وطنه الذي لم يره إلا على الخريطة عندما كان تلميذاً في المدرسة .
وحزن يحتويه كرضيعٍ فُصل عن صدر أمه، فقد أدمن ضيعته،كما أدمن صوت أمه العذب وهاهو يرن في أذنه وهي تودعه
" يابني اذهب برعاية الله، ولاتخف، الجندية ستصنع منك رجلاً يعتمد على نفسه، ويحدد مكانته في المجتمع،فكن يابني قوياً،ودعني أفتخر بك".
عند وصوله المكان المطلوب، ترجل من الحافلة، وغزَّ السير في طريقٍ صحراويٍّ خاوٍ إلا من بعض المركبات التي تمر متثاقلةً بين حين وآخر، كان يشيعها بناظريه، وقد أخذ منه التعب مأخذاً.
كان النهار قد أفلّ، والشمس لمت خصلات شعرها الذهبية وتوارت خلف الأفق حين
وصل كتيبته.
سلم أوراقه في ديوان الكتيبة وقاده أحد العساكر ليقضي ليلته الأولى بعيداً عن أسرته وسريره، لكن الإرهاق جعله ينام كالقتيل.
في اجتماع الصباح طُلب منه الإسراع في استلام لباسه العسكري والعودة لسماع محاضرةٍ في التسليح.
كان مزاحه نزقاً وزاد نزقه، وتبعثر المستودعات، وطريقة التسليم زاداه نزقاً، قال متأففاً:" البوط من مكان ، والبذلة من مكان آخر، والبطانيات كذلك، وياعدنان من الصباح كحمار الطاحونة تدور من مستودع إلى أخر ، والأدهى من ذلك أنهم يوقّعونكَ على تعهدٍ بإرجاع ما استلمت عند نهاية الخدمة أو تغريمك بأضعافها في حال فقدانها.".
"كيف يحافظ عليها عدنان، إذا كان مهجعه لأربعةٍ غيره ومن دون قفل؟ وكل واحدٍ من بلدة، حتى اللكنة تختلف عليه وأحياناً لايفهم مايقال، أين أنت ياأمي؟ يبدو رتبة رجلٍ تحتاج لصبر وجلد."
وضع أغراضه في المهجع كيفما اتفق، والتحق بالمحاضرة التي كان الضابط يشرح فيها عن اللغم الفردي وأهميته في القتال، حاول أن يتابع الشرح، ورأسه مشغول بالتعهد الذي وقعه، "لاينقص والدي إلا أن يدفع غرامات، ألا يكفيه أنه خسرني عاملاً في قطاف التفاح، وموسم العنب، ".
يتابع الضابط سرحه " اللغم سلاح فعال ضدَّ الأفراد..... " وعدنان الساطي أذنٌ مع المحاضر والأخرى تتابع سينايوهات عدة، لم تنضج في مخيلته بعد، يقلبها بقلق دون أن يصل نتيجة. قطع الضابط شروده بسؤالٍ له: عن ماذا نتحدث ياعدنان؟
_ سيدي عن اللغم الفردي؟
_ أشرح لنا كيف يعمل؟
_ سيدي نزرعُ اللغم بعد أن ننزع الصاعق منه، يهجمُ العدو علينا، فيدخل منطقة الألغام، يدوس الجندي على اللغم، بم ينفجر به،تطير رجله، ويضيع الحذاء فيغرمونه به.
انتهت.
بقلمي فريزة محمد سلمان
https://www.facebook.com/120662419330114/posts/317866682943019/
التحق عدنان الساطي بالخدمة الالزامية، تاركاً ضيعته الجبليةالسابحة في الغيوم، تنعم بالهدوء والدعة كعادتها منذ الأزل، فيَدُ الإنسان المتحضر لم تفض بكارتها بعد، رغم أنها تصلح لمشروعٍ سياحي حلوب.
كانت السيارة تتدحرج به قاطعة مئات الأميال بإتجاه العاصمة،التي سيدخلها لأول مرة، أو قل أنه أول مرة يخرج من ضيعته إلى هذا الكون الفسيح. طوال الطريق وعيونه تلتهم الأماكن وتخزن الصور في ذاكرة كانت فارغةمنها طوال ثمانية عشر عاماً، الفرحة كما الحزن كانا يتناوبان عليه، فرحة الاكتشاف والتعرف على وطنه الذي لم يره إلا على الخريطة عندما كان تلميذاً في المدرسة .
وحزن يحتويه كرضيعٍ فُصل عن صدر أمه، فقد أدمن ضيعته،كما أدمن صوت أمه العذب وهاهو يرن في أذنه وهي تودعه
" يابني اذهب برعاية الله، ولاتخف، الجندية ستصنع منك رجلاً يعتمد على نفسه، ويحدد مكانته في المجتمع،فكن يابني قوياً،ودعني أفتخر بك".
عند وصوله المكان المطلوب، ترجل من الحافلة، وغزَّ السير في طريقٍ صحراويٍّ خاوٍ إلا من بعض المركبات التي تمر متثاقلةً بين حين وآخر، كان يشيعها بناظريه، وقد أخذ منه التعب مأخذاً.
كان النهار قد أفلّ، والشمس لمت خصلات شعرها الذهبية وتوارت خلف الأفق حين
وصل كتيبته.
سلم أوراقه في ديوان الكتيبة وقاده أحد العساكر ليقضي ليلته الأولى بعيداً عن أسرته وسريره، لكن الإرهاق جعله ينام كالقتيل.
في اجتماع الصباح طُلب منه الإسراع في استلام لباسه العسكري والعودة لسماع محاضرةٍ في التسليح.
كان مزاحه نزقاً وزاد نزقه، وتبعثر المستودعات، وطريقة التسليم زاداه نزقاً، قال متأففاً:" البوط من مكان ، والبذلة من مكان آخر، والبطانيات كذلك، وياعدنان من الصباح كحمار الطاحونة تدور من مستودع إلى أخر ، والأدهى من ذلك أنهم يوقّعونكَ على تعهدٍ بإرجاع ما استلمت عند نهاية الخدمة أو تغريمك بأضعافها في حال فقدانها.".
"كيف يحافظ عليها عدنان، إذا كان مهجعه لأربعةٍ غيره ومن دون قفل؟ وكل واحدٍ من بلدة، حتى اللكنة تختلف عليه وأحياناً لايفهم مايقال، أين أنت ياأمي؟ يبدو رتبة رجلٍ تحتاج لصبر وجلد."
وضع أغراضه في المهجع كيفما اتفق، والتحق بالمحاضرة التي كان الضابط يشرح فيها عن اللغم الفردي وأهميته في القتال، حاول أن يتابع الشرح، ورأسه مشغول بالتعهد الذي وقعه، "لاينقص والدي إلا أن يدفع غرامات، ألا يكفيه أنه خسرني عاملاً في قطاف التفاح، وموسم العنب، ".
يتابع الضابط سرحه " اللغم سلاح فعال ضدَّ الأفراد..... " وعدنان الساطي أذنٌ مع المحاضر والأخرى تتابع سينايوهات عدة، لم تنضج في مخيلته بعد، يقلبها بقلق دون أن يصل نتيجة. قطع الضابط شروده بسؤالٍ له: عن ماذا نتحدث ياعدنان؟
_ سيدي عن اللغم الفردي؟
_ أشرح لنا كيف يعمل؟
_ سيدي نزرعُ اللغم بعد أن ننزع الصاعق منه، يهجمُ العدو علينا، فيدخل منطقة الألغام، يدوس الجندي على اللغم، بم ينفجر به،تطير رجله، ويضيع الحذاء فيغرمونه به.
انتهت.
بقلمي فريزة محمد سلمان
https://www.facebook.com/120662419330114/posts/317866682943019/