قرار امرأة
تثائبَ الليل في بغداد عاصمة الرشيد والغيوم لاتزال منهمرات مدامعها بشكل غزير وصوت الرعد يعصف في الأرجاء وضوء البرق يخطف الأبصار ترى من خلاله بنايات المدينة التي يغلفها السواد الدامس في ليل شتائي حالك الظلمة .
كانت تقف أمام شباك غرفتها في الطابق العلوي وبجانبها زوجها وهما يتحدثان بهمس كأنهما ينسجان حديثاً شيقا ًعن منظر المدينة الموحش في هذه الليلة ، كانت تتمايل بكل رشاقة كأنها غصن شجرة تداعبه رياح الربيع والآبتسامة مرتسمة على محياها ، كان زوجها ينظر اليها بأندهاش كبير لأنه لم يألفها منذ فترة بهذا الشكل من حركات رشيقة وأبتسامات ساحرة ، فرحَ بها كثيراً ومدَ اليها يده ممسكاً بيدها ليشعر بدفىء مشاعرها وسحر أنجذابها اليه ، أرتمت بأحضانه بلهفة كبيرة لهفة العاشقة المحبة لزوجها المرتمية بأحضان الشوق والأمان والمحبة والحنان .
ثمَ أجهشت بالبكاء الشديد وتساقطت دموع من عينيها بللت بها كتف زوجها ثمَ نظرت اليه ونظرَ اليها وأذا بعينيها المحمرتين تتساقط منهما لألىء أسمها الدموع ، وضعَ أبهام يده على وجنتيها ومسحَ دموعها المنهمرات . بدأ يعاني الزوج من أنهمارين أنهمار المطر وأنهمار الدموع لزوجة هي أعز مايملك لكنه لم يستغرب هذا الوضع الذي تغير من حال الى آخر لأنه يعرف ما يحدث في عراقنا الجريح وما أصاب زوجته من ألم جراء تلكَ الأحداث وبعد صمت لايكسره الا صوت الرعد المنطلق من السماء وصوت المطر المنهمر وبعدَ أن أنهت بكائها وسحبت أنفاسها لتريح أعماقها بين شهيق وزفير .
- قالت الزوجة : أ هذا حال بغداد وحال أهلنا في العراق .
- الزوج : على رسلكِ يا امرأة ... أحمدي الله فلا يحمد على مكروه سواه .
- الزوجة : ونعمَ بالله ... الحمدُ لله لكني أعتب على الأحياء منا لِمَ لم يوقفوا نزف الدم .
ومرت أمام ناظري زوجها صور كثيرة ومشاهد لحوادث التفجيرات والقتل وقصف الهاونات الذي لا يخلوا يوم منه ألا واوقعَ الكثير من القتلى ونزف الدم مستمر بشكل يومي بسببه .
كيفَ تحدث هذه العمليات المستمرة على مدن عاصمتنا بل مدن عراقنا والدولة وحكومتها غافلة عما يحصل كأنَ الأمر لا يعني شعبها والذينَ يقتلون كلَ يوم هم ليسَ عراقيون ، من يفعل ذلك ومن يمارس القتل لا أحد
يستطيع التكهن لأنَ المؤثرات متداخلة والمصالح متشابكة ولقوات الأحتلال دور كبير فيها .
ترتمي مرة أخرى بحضن زوجها وتربت بيديها على كتفه كأنها تطمئنه على سلامة الجميع وكأنها تمده بعزيمة أخرى وتشحذ همته لمواجهــــة الظروف الصعبة .
طوقها بذراعيه وظمها الى صدره برقة وحنان شعرت حينها أنها بين يدي زوج عاشق محب لها حريص عليها ويسعى لأسعادها دائماً . شعرت بأنفاسهِ التي تغزو صدره كما شعرت بدفىء مشاعره وقررت مع نفسها أن لاتدع حزنها يؤثر على كتلة الأحساس التي ظمتها بين ذراعيه .
وبدأت تعبر عن حبها وفرحها وسعادتها معَ زوجها متناسيتاً أحاسيس الحزن داخلها لفقدها أخيها برصاص الغدر وصراع المصالح للأحزاب . وعادت تتمايل برشاقة بينَ ذراعيه كأنها تراقصه وبدأت تمنحهُ الأبتسامات التي بدت واضحة على وجهها بل ومنحته قُبلٌ من شفتيها الذابلتين وراحا في عالم الحب والهوى يغلف جسديهما شوق الحب ورعشة الوصال .
وهما بهذه الحالة لازالا يقفان أمام شباك غرفتهما في الطابق العلوي من الدار ولازال صوت الرعد وأضواء
البرق وأنهمار المطر مستمراً وأزيز الرصاص وصوت الأنفجارات مستمراً أيضاً .
- الزوجة : في أقسى الظروف ليسَ لي غيرك ألجأ اليه .
- الزوج : أنا على يقين بذلك فلا ذراعين تظمني أرق من ذراعيكَ .
- الزوجة : لاشيء يشعرني بالأمان مثل حضنكَ يا زوجي والأزمات سوف تمر فلنمظي بحياتنا حتى آخر المطاف لنمظي معاً في الحياة .
2006
أنفجــار وصراخ
في صباح من صباحات بغداد المشرقة حيثُ أشعة الشمس تحتظن المدينة بدفئها وتمنحها الضوء والجمال ، في هذا الجو الجميل تعودت أحدى النساء النهوض باكراً تمارس هوايتها الصباحية المعتادة وهيَ المشي في شوارع الحي الذي تسكنه كان ذلك أيام ما قبلَ الأحتلال حيثُ الأمن والأمان . أما بعدَ ظروف الاحتلال وفقدان الأمن بدأت تمارس هوايتها داخل البيت ثمَ تأخذ حمامها الصباحي وبعدَ أن تجفف شعرها تلقي بجسدها على فراشها مسترخية وتذهب بأفكارها الى أيام الطمأنينة والأمن حيثُ كورنيش الأعظمية الذي كانت تجلس هناكَ على أحد مصاطبه الخشبية تمتع نظرها بأنسياب الماء في النهر ومرسى الزوارق الراقد على الجرف وحدائق الكورنيش الجميلة وأكشاك الباعة المنتشرة هناك ، كانت تسمع زقزقة العصافير وحفيف الشجر وكأنها تعيش وسط حلم قد لا يتكرر . سحبت نفساً عميقاً متحسرة على تلك الأيام وهيَ في شرودها هذا وسط الأجواء الجميلة نهضت مسرعة مفزوعة من صوت أنفجار قريب من دارها ، لبست ردائها الجميل ( الروب ) فوقَ ملابسها المنزلية وأنطلقت بأتجاه باب غرفتها وما أن وصلت الى الباب حتى فزعت مرة أخرى من صوت الصراخ الآتي اليها من جهة جيرانها أستمرت بسيرها بأتجاه الباب الرئيسي وشاهدت أعمدة الدخان المتصاعدة من فعل الأنفجار . وتداخلت في مسامعها الأصوات بينَ صراخ النسوة وعويلهنَّ وبين بكاء الأطفال وأصوات الرجال المتناخية لأنقاذ ما يمكن أنقاذه من هذه العائلة ، أزدحمت في رأسها الأفكار هل تجد أحد الأحياء ، هل قتلَ الجميع ، وما المنظر البشع الذي سوفَ تراه . وصلت الى مكان الأنفجار وشاهدت تدافع الرجال للدخول الى موقع الأنفجار ، جزء من الدار قد هدم بفعل قنبرة الهاون الغادرة وأذرع الموت فيها تحصد الأرواح . رجال يسعونَ لأطفاء النار المشتعلة وآخرون يبحثون عن أفراد العائلة وفي زحمة التدافع والبحث سمعوا صوتَ أنين يخرق مسامعهم أتجهوا نحوه .. وجدوا الزوجة مصابة بجروح بليغة حملوها من موقع الحدث ... الأنفجار محاولين الوصول بها الى أقرب مستشفى . كما وجدوا جثة الزوج وولديهِ حيثُ قتلوا بفعل الأنفجار . تمَ رفع الجثث الثلاثة من تحت الركام ، النسوة المتجمعات صراخهنَ يملىء الآفاق وبكاء الأطفال لا تحده حدود . وبعدَ أنتهاء عملية الانقاذ عادت النسوة أدراجهن وأثناء عودتهن مرت المرأة بجوار رجل طاعن بالسن وهيَ منفلتة الأعصاب ودموعها تفيض من عينيها ، متى يدرك من يمسكون السلاح أنهم يقتلون الشعب ، أهذا حالنا ؟ يقتل أحدنا الآخر وندع المستعمر يصول ويجول في شوارع بغداد آمناً مطمئناً .
- الشيخ : يا أبنتي من يحملون السلاح هم من جهلاء القوم .
- المرأة : ألا يوجد شخص يعيد الوعي لجهلاء القوم ويسحب أسلحة الموت منهم ويقطع الدعم الخارجي عنهم من دول الجوار المدعية بالأسلام .
- الشيخ : العقلاء يسعونَ لذلك يا أبنتي .
سارت في طريقها الى دارها غير مقتنعة بحديث الرجل وصرخت بأعلى صوتها أن دمنا المهدور مدفوع ثمنه بالورق الأخضر ( الدولار ) لعبيد الدرهم وهم يعيثون في الأرض الفساد ، وبينَ صراخ النسوة وبكاء الأطفال ودخان الأنفجار ورائحة البارود المشتعل ونزف الدم العراقي صرخت مرة أخرى .
ألا لعنة الله على الدولار ... ألا لعنة الله على الاحتلال ومن والاهُ من سياسيون وجهلاء .
2006
الأنـــين
أذهله منظر الشارع الذي كان يتجول فيه بصحبة امرأة من معارفه ذهولاً كبيراً ، أنفجار حصلَ فيه بسيارة مفخخة عصفت بالجميع شاهدَ معها منظر الدم والأشلاء المتناثرة وجثث القتلى وأصوات الجرحى تعم الأرجاء .
الرجال في حالة هستيريا يحاولون أنقاذ الجرحى ، صافرات الأسعاف وسيارات الشرطة رغم أصواتها العالية الا أنها لم تحجب أصوات الجرحى ، أمتلىء الشارع بالرجال والنساء والعويل وأصوات الصراخ للنسوة في كل أتجاه ، أنسحب من موقع الحادث بصحبة المرأة مخترقاً أزقة ضيقة ليسيرا عبر الأتجاه الآخر من المدينة وليبتعدا عن الموقع ... الكارثة .
وصلا الشارع الرئيسي في الجانب الآخر وكان مزدحماً بالمحال التجارية ومزدحماً بالمتسوقين . وما أن سحبا نفساً عميقاً لوصولهم سالمين الى هنا وأذا بعشرون سيارة حكومية يستقلها أشخاص يرتدون ملابس حكومية رسمية لجهات أمنية تغزو الشارع وتنتشر فيه هؤلاء المسلحون يقتادون عدد من أصحاب المحلات التجارية على الهوية وتضاربت الأنباء منهم من يقول ثلاثون وآخرون يقولون خمسون مختطفاً . وصوت أطلاق الاعيرة النارية يملىء السماء وعلامات الغضب واضحة على من يطلقون الرصاص من هذه الزمر الرسمية ، الحكومة تنفي أن تكون لها علاقة بالأمر يا للعجب . ويا لغدرهم المشؤوم من موقع الانفجار الى وقع الاختطاف يسيرون ، أينَ سيمضون الآن وبأي أتجاه سيذهبون وهل بقيَّ شارع في بغداد آمن كل شوارع العاصمة أصبحت ساحات قتال والمتاريس تملىء الشوارع والمدافعون عن الأحياء السكنية يمسكون بالسلاح من خلف المتاريس . المهاجمون في أغلب الأحيان هم ميليشيآت معروفة لدى الدولة واحياناً أخرى يطول المناطق هذه أرهاب الدولة دونَ غيرها . مسكَ بيد المرأة وهيَ ترتجف خوفاً ودخلَ بها أحد الشوارع علهم يجدون منفذ للخلاص وبين تسابق خطاهم وبينَ بكاء المرأة ودموعها المنهمرات على خديها بينَ هذا كله تفتح لهم باب أحد الدور القديمة وأذا بأمرأة عجوز تطلب منهم الدخول فوراً وفي لحظات دخلوا الدار وهم لايعرفون المصير الذي سيواجهون . طمأنتهم المرأة العجوز بأنهم الآن في دار آمن ، لازالت المرأة ترتجف من هول ما رأت ولازال الرجل لايعرف ماذا يفعل ، قدمت المرأة العجوز لهم أقداح الشاي الساخن اكراماً لضيوفها ، قالت لهم أنتظروا قليلاً سوف تمر هذه الأزمة ويهدأ الشارع وبأمكانكم الخروج ، وما أن أكملوا شرب الشاي لم يسمعوا صوتَ الرصاص ولا صوتَ السيارات الحكومية المغيرة على هذا السوق ، شكرا المرأة العجوز وخرجوا من دارها متوجهين كلاً الى داره بخطى وئيدة كأن أقدامهم لم تعد تحمل أجسادهم . لم يعد الرجل يشتهي تناول الطعام لهذا اليوم وأستلقى في فراشه منزعجاً من منظر الدم والقتل والأنفجار ، حاولَ الأطمئنان على المرأة التي كانت بصحبته أمسكَ هاتفه النقال وبدأت أنامله تداعب أزراره أجابته بصوت خافت مرتجف نعم يا أحمد .
- أحمد : حمداً لله على سلامة الوصول كيفَ أنتِ الآن .
- فاتن : وصلتُ سالمة لكن منظر الدم لازالَ أمامي .
لم يكن أحمد أكثر منها أطمئناناً ، كانَ ممدداً تحتَ أغطية فراشه على السرير وكأنه يرتجف من البرد وحينَ كلمها عبر الهاتف سمعَ صوتها وأنينها كأنها تعاني من مرض .
- أحمد : مابكِ ما هذا الانين ياعزيزتي تمالكـي نفسكِ .
- فاتن : كيفَ لاأئن وأن بغداد قد ذبحت من الوريد الى الوريد وشعبي يقتل في الشوارع ولا من مجيب لدعوات نزع السلاح وحل الميليشيآت .
قضيا يومهما على هذا الحال أرتجاف وألم وأنين وصور الموت الجماعي لا تفارق مخيلتهما فهل سيكون غدهم أفضل من أمسهم ... أشك بذلك
حادث السنك 14 / 12 / 2006
أيــام العــز
في يوم شتائي شديد البرودة والرياح يسمع صوت عاصفة بالاشجار والمساكن . كانَ في داره يسمع صوت صفير الرياح المنبعث من فتحات شبابيك داره المتواضع المتعب بفعل السنين وتقادم البناء ، تجمعت الغيوم في سماء الحي الذي يسكنه هكذا هوَ يراها وبدأ لونها الرمادي يزداد كثافة وتحولَ الى لون داكن بل شديد الميلان الى السواد ، لم تمر سوى سويعات على تجمع الغيوم هذه حتى بدأت الغيوم تنهمر منها الأمطار جارفة سيولها في أزقة الحي كلَ شيء أمامها من حصى وذرات تراب ونفايات ، أمتلى الحي السكني ببرك الماء بل ببحيرات الماء المتجمع بفعل هذه الأمطار . في هذا الجو الشتائي بدأت تتراجف أوصاله وتكاد تسمع طقطقةَ عظامه من شدة البرد ليسَ هوَ فحسب بل زوجته وأطفاله أيضاً ، وفي شدة الظلمة في هذا الليل الشتائي القارس من البرد وبسبب انقطاع التيار الكهربائي المستمر في جميع ؟أنحاء العاصمة بغداد حيثُ أصبحَ التيار الكهربائي حلم كل بغدادي فهو لايأتي في اليوم سوى ساعة في النهار وأخرى في الليل . في هذه الظلمة الحالكة السواد ما كان َ من زوجته الا أن توقد مصباحاً نفطياً ( لالة ) وتضعها في غرفة جلوسهم ، تجمعَ الأطفال بلهفة كبيرة حولَ هذه اللالة لكي تمنحهم الدفء هكذا يتصورون كما منحتهم الضياء . نظرَ الزوج الى أطفاله المرتجفين من البرد بسبب أنخفاض درجات الحرارة والمرتجفين من الخوف أيضاً لعدم توفر الأمن والأمان في بغدادهم . نظر اليهم والى زوجته البائسة ونزلت من عينيه دمعة ساخنة على وجنتيه شعرَ بحرارتها وبمرارة الوضع المادي الذي يعيشه وعائلته . ذهبت به أحلام اليقضة الى عالم أخر مغاير لما يعيشه هذا الرجل أنتقل َ من البؤس والجوع والفقر والحرمان والجو الشديد البرودة والبيت القديم المتعب الذي يسكنه أنتقلَ الى عالم الرفاهية والقصور ووسائل التدفئة الحديثة والكهرباء التي لاتنقطع عن قصره والملابس الراقية التي تلبسها عائلته والى كل ماهو جيد وجميل 0 شعرت به زوجته انه منقطع عن عالمها التي تعيش وشاهدت دموعه المنهمرات كأنهمار المطر من عينيه وهو دون حراك 0
ـــ الزوجه: جميل 00 جميل ماذا بك يارجل
تحرك جسده ارتجافا من البرد واستجابة لصوت زوجته التي تناديه
ـــ الزوج: ماذا بك يا أمراة (وهو يمسح دموعه بيديه )
ـــ الزوجة: الى اين وصلت في خيالك 0
سحب نفسا عميقا متحسرا على ايام خلت كانت اجمل ايام حياته وكذلك حياة عائلته ، ايام كان يعيشها بعز وامن وكرامه يخرج صباحا ليجلب رزقه ورزق عائلنه من عرق جبينه وكل شي متوفر الماء والكهرباء والغاز والنفط والوقود والحصة التموينيه يستلمها بانتظام كل ذلك بارخص الاثمان اضافة الى ذلك كان القانون سيد الحياة وحامي الجميع فالامن والامان متوفران باستمرار 0 اخرج الى من تشاء وقت تشاء حيث لاقتل ولااغتيال ولامفخخات ولا عبوات ناسفة ولاصراع وخلاف سياسي ولاصراع طوائف كل ذلك كان قبل احتلال العراق
ــ الزوج : يازوجتي كنت اقارن بين حالين قبل الاحتلال وبعده وما وصلنا اليه من الجوع والاذلال
ـــ الزوجه: نعم خسرنا كل شئ خسرنا عراقنا ، كرامتنا، حياتنا ، رزقنا
ـــ الزوج: الحمد لله على كل شئ فلا يحمد على مكروه سواه سنصبر حتى تنجلي هذه للايام السود بفعل ضربات المقاومه والمقاومون
ولكي يخفف عن زوجته حمل اثقل كاهلها ابتسم بوجهها ابتسامة جميله 00 ستعود ايام العز يازوجتي ستعود 0
2007
الشـــحاذ
جلسَ على عتبة أحد الدور طفل في ريعان العمر لايتجاوز عمره الاثنا عشر ربيعاً ملابسه رثة متسخة كما هو حال جسده حتى لاتكاد تميز بين لون ملابسه ولون بشرته ، شعرهُ أشعث ونظراته فيها حزن وألم واضحين وعيناه تلتمعان كأنَ فيها بريق يوحي اليك انه ينظر الى المستقبل بنظرة ثاقبة متفحصة . كانت تمر أمامه السيارات مسرعة ذهاباً واياباً كما كانَ يمر من أمامه الرجال والنساء ينظرون اليه برحمة وشفقة وألم .
كانت أصوات أقدامهم واضحة حينَ يمرون كأنها معزوفة تعزف بجنون لحن يستفيق له كل النائمون . الا هذا الفتى لم ينتبه لما يجري حوله وكأنه لم يسمع وقع أصوات الأقدام .
هذا البائس الجائع بدأت عيناه تدمعان وأنسكبت على وجنتيه بحرارة بحيث تركت على خديهِ أثر فقد تغير لون المكان الذي أنسكبت فيه الدموع الى لون أفتح من لون بشرته المتسخة .
في الشارع أطفال بنفس عمره يرتدون ملابسهم الفاخرة النظيفة ويحملون حقائب الدراسة و الفرحة تملأ وجوههم متوجهين الى مدرستهم ، الا هذا المسكين المتسكع الجالس على عتبة أحد الدور أعتصره الآلم أعتصاراً وبلغَ فيه الحزن مقتلاً فزادَ في البكاء والأنين نادباً حظه العاثر في بَلد كتبت عليه النكبات والمصائب والحروب . خرجَ صاحب الدار على أثر سماعهِ صوت البكاء وتفاجىء من المنظر الذي رآه ، طفل بعمر الزهور بهذا المنظر البشع الرث ، أصابَ الرجل حزن بليغ ، انحنى على الطفل وطلبَ منه النهوض ودخول الدار . تردد الطفل خوفاً وربما مستغرباً من طلب الرجل ، أعادَ عليه الطلب مطمـأناً اياه . وما أن دخلَ الى داخل الدار ورأته زوجة الرجل تألمت على حاله وأدخلته الحمام طالبة منه أن يغتسل جيداً ويزيل عنه الأوساخ وأعطته ملابس جديدة نظيفة . ذهلَ الفتى حينَ دخلَ الحمام و رأى محتوياته وباشرَ بالأغتسال بواسطة الماء الساخن والصابون ذا العطر الزكي ، لبسَ ملابسه الجديدة وَمَشَطَ شعره ورَتَبَ هندامه وخرجَ اليهم .
قاموا بواجب الضيافة وأطعموا هذا المسكين أفضلَ الطعام كما وضعوا طعاماً لعائلته في أواني أخرى .
- قالَ الرجل : قص لي حكايتكَ .
- الفتى : توفيَّ والدي وأنا عمري سنة واحدة ذلكَ عام 1996 وكانَ يعيلنا أخي الأكبر ، يعمل لدى أحد المحلات التجارية وقبلَ أكثر من سنتين قتلَ أخي على أثرَ أنفجار سيارة مفخخة ولم يعد لنا مصدر نقتات منه . والدتي امرأة كبيرة ولي أُختين صغيرتين ، اضطررت لترك الدراسة والتجول في الشوارع لكسب المال لا بعمل وانما من التسول والشحاذة لأنني لا أُجيد اي عمل ، تسكن عائلتي في غرفة للايجار ، أمي تغسل ملابس الجيران وتخبز لهم الخبز لقاء بعض المال . قال الفتى ذلك وهوَ يبكي من شدة الحزن والالم . بكت زوجة الرجل بل أجهشت بالبكاء ودمعت عينا الرجل من سوء حال هذه العائلة .
- الزوجة : دعه يعمل معكَ في المكتب يرتب لكَ السجلات وينظفها لكي لاينحرف هذا المسكين .
- الرجل : هو كذلك يا زوجتي بشرط أن يعودَ الى دراسته أيضاً وسأنظم له جدول دوامه .
- الفتى : ( وهوَ فَرح ) سأعود الى دراستي وأعمل معكَ لأعيلَ عائلتي ... يا رحمة الله ويا لطيبتكم و كرمكم ... فأنا لم أعد شحاذاً ... أنا لم أعد شحاذاً .
3 / 2 / 2007
الهـاجــــس
كانَ يتوجس خيفة كلما خرجَ من داره الى عمله فلم تعد شوارع العاصمة مفتوحة أمام سالكيها فالحواجز الكونكريتية تغلق الطرق أو تضيق مسارات المرور فيها ، ونقاط السيطرة المنتشرة في أنحاء العاصمة هيَ الأخرى تعرقل سيرَ المركبات . كانَ يتوجس خيفة من السيارات المفخخة وسقوط قنابر الهاون ، والسيطرات الوهمية وفرق الموت المنتشرة في كل مكان ، ومن أزيز الرصاص المنطلق من سيارات قوات الأحتلال وقوات الأمن العراقية .
كانَ يتوجس خيفة وهوَ جالس في دارهِ لا لشيء وأنما لانه لايعرف متى سيداهم داره من قبل مجموعات مسلحة تحمل الموت الزؤام بينَ راحتي يديها لتذيقها للعوائل البغدادية دونَ رادع . اصبحَ البغدادي يعيش حالة من الفزع والقلق المستمرين فهوَ غير آمن على نفسه وعلى أفراد عائلته ، كانَ خائف من المجهول الذي ينتظره أصبحَ الحذر المفرط هو سمةَ البغدادي بل قُل الخوف المفرط هوَ ديدنهُ . لاتمر من هذا الشارع ، لاتدخل هذه المنطقة ، وكأنَ الموت يتواجد في شوارع ومناطق محددة في بغداد لا بكامل أجزائها . بدى الشحوب على وجه الرجل والنحول أخذَ منه مأخذاً بالغاً . يداه ترتجفان وكلامه غير مترابط أحياناً .
- قالَ قاسم : ما بكَ يا رجل أراكَ على غير ما يرام .
- حسام : أ تقول ماذا بكَ والأنفجارات تعم المكان ورصاصات الغدر تطلق في كل أتجاه ومناطق حرُّمَت علينا دخولها وشوارع غُلّقَت أمامنا .
- قاسم : أنَ ما بكَ والله هوَ الخوف لأتفه الأسباب وأراكَ مهزوماً من داخلك .
- حسام : أرى الموتَ يطاردني في كل مكان وأنَ حبي للحياة بدأ يفزعني . أستمرَ السجال بينَ الطرفين بين موقفين موقف يؤمن بالقدر وبالأيمان بالله وبأنَ الموت حق ، وآخر يحاول الهروب من الموت بكل شكل من الأشكال وكأنه سينجو منه بذلك .
صورة مأساوية سوداوية هي حياة العراقي البغدادي اليوم لايعي حقيقة الأمور ولا يدرك بأنَ أمرَ الله نافذاً ولا رادَ لأمر الله وقضائه .
- قاسم : أنَ الموتَ حق علينا كتبه الله تعالى وهوَ يدركنا ولو كنا في بروج مشيدة هكذا أخبرنا الله ، ليكن هاجسكَ هو الأيمان بالله وأنَ الموت حق ، وتنتقل في شوارع المدينة بلا خوف ولا تردد .
- حسام : صَدَقت يا أخي كنتُ غافلاً عن ذَلك من شدة الهلع والخوف نعم ليكن هاجسي هو الأيمان بالله ، ليكن هاجسي أنَ الموتَ حق .
وأنطلقا في رحاب بغداد يتجولان دونَ خوف .
10 / 2 / 2007
الــدعـــــم
قالَ لصاحبه وهوَ يحاوره لا تحزن أنَ الله مع الصابرين المقاومين ، ما تراه اليوم من نهج طائفي وصراع على السلطة وتواجد قوات الأحتلال في ارضنا المعطاء هوَ شيء عارض وسيزول . أنَ عمليات الخطف والتعذيب والقتل اليومي تطول كافة أبناء الشعب بلا أستثناء وهذه بسبب الأحتلال البغيض . كل ما علينا هوَ أن نعي متطلبات المرحلة ونعد العدة لمواجهة الأحداث من أجل التحرير .
أو ترى أننا قادرون على ذلك وأنَ أطراف كبرى هيَ التي تلعب في ساحاتنا ما تشاء و توزع الأدوار على من تشاء وتثير الرعب والقتل كيفما تشاء . الا ترى أنَ دول الجوار تتدخل في شؤوننا وترسل مصاصي الدم للنيل من شباب العراق وعلمائه وكفاءاته ، الاترى معي أنَ الاحداث الجسام التي نمر بها أحداث سوداوية مأساوية يندى لها جبين البشرية لقد فاقت مآسي اليوم كل مآسي الماضي أيام هولاكو والتتار ، أنظر معي الى حجم الدمار في البنى التحتية وعمليات التنكيل والقتل لا يساويها ألا نهج الصفويين وما فعلوه .
كانَ الرجلين يعيشان في بغداد عاصمة السلام ينعمان بنهرها الخالد وجوها الرائع الجميل ويتقاسمان حياة مشتركة في هذا البلد المعطاء ينعمان بالأمن والأمان ولا يعرف أحدهما الآخر من أي طائفة كان ، المهم هو صديقه وجاره ، كانت الحياة البغدادية بتفاصيلها الزاهية هيَ السائدة وكانت علاقات الأخوة والمحبة والجيرة هيَ الطاغية على كل العلاقات ، عوائل متصاهرة فيما بينها منحدرة من أطيب الأصول العربية وعشائرها ذاتَ التأريخ البعيد في عمق الزمن كانا يسيران ببطء شديد وبخطى حثيثة في شارع الكورنيش الموازي لنهر دجلة وهما يتحدثان بصدق وألم مستعرضينَ الأحداث منذُ الأحتلال الى يومنا هذا ومستذكرين ماتقوم به الحكومات المتتالية أثناء الأحتلال من أجراءآت فئوية طائفية ومحاصصة بغيضة تزيد الوضع توتراً وكأنها تسعى لتفجير الحرب الطائفية بأي شكل من الأشكال .
- قالَ علي : ياصاحبي لا تحزن أنَ مشاريع الطغاة ومشاريع التوسع والطائفية لا تنجح في بلادنا .
- عُمَر : أن حزني ليسَ على نجاح هذه المشاريع وتوسعاتها وأنما على دماء العراقيين التي تسيل أنهاراً بلا رادع .
- عَلي : سيتوقف نزف الدم العراقي وستفشل كل مخططات الأستعمار وعملائه ومخططات دول الجوار وذلكَ معَ تزايد المقاومة ووضوح برنامجها الوطني التي ستحرر العراق .
- عُمَر : علينا جميعاً دعم المقاومة كُلاً من موقعه بالمال ، بالسلاح ، بالقلم ، بالكلمة المساندة الداعمة لنهجها .
ـ عَلي : وهو كذلك علينا دعم المقاومة ... علينا طرد المحتل .
27 / 2 / 2007
سـيدة العطـــور
من بين الركام وحطام الأبنية والسيارات وبينَ أعمدة الدخان المتصاعدة الى كبد السماء وبين ألسنة النيران التي تأكل كل الأجساد البشرية دونَ رادع . من هذه الصور المأساوية التي تشم من خلالها رائحة اللحم البشري المشوي بفعل أنفجار غادر ومن سيل الدماء العراقية التي لا يراد لها التوقف .
وقفَ في مكانه دونَ حراك لا يدري ماذا يفعل وهل يستطيع قادته أفكاره لأن يتسائل لِمَ لا نزرع وردة بيضاء بينَ هذا الحطام ، ولِمَ لا نضع الحب في وطن أصبحَ السائد فيه لغة الدم والدمار والكراهية . دمعة عيناه بغزارة وهو يرى هذا المشهد المأساوي و ضاقَ صدره من أزدحام الحزن والهموم فيه كما ضاقَ تنفسه من الدخان المتصاعد ورائحة الدم والموت الجماعي . استدار الى الخلف ومشى بخطى هادئة مترددة أيستمر بالتقدم الى أمام أم يتوقف ، وبدأ بالأستمرار خطوة خطوة ومعَ كل خطوة يبتعد عن موقع الانفجار يشعر بأمل قادم نحوالحياة .
لم يعد يرى من موقع الانفجار الا الدخان الاسود المتصاعد الى السماء . قادته قدماه من حيث لا يدري الى أحد المحال التجارية لبيع العطور والملابس ، وقفَ أمام زجاجته الامامية ينظر من خلال ما معروض الى وجه شابة جميلة حسناء ذات قوام رائع ، الابتسامة لا تفارق وجهها . دخلَ الى المحل لا ليشتري شيئاً وأنما ليرى هذه الشابة عن قرب وما أن دخلَ حتى تسارعت دقات قلبه وبدء يخفق فؤاده يا للسماء امرأة بهذا الجمال والرقة والانوثة ، بدأ يستعرض العطور المرصوفة على الرفوف الجميلة ويسترق النظر اليها كلما سنحت له فرصة .
شعرت به وأحست هيَ الاخرى بشيء غريب ينتابها أتجاه هذا الشاب الوسيم الجميل ، هل هو الحب الذي أصابها من أول نظرة ؟ أختارَ عطره المميز ودفَعَ ثمنه وما أن وضعته في كيس بلاستك يحمل اسم المحل ورقم الهاتف . أصابه شعور آخر ربما يفتح أمامه باب للحب الذي ينشده . قدمت له الكيس ليأخذه ومن حيث لا يدري راحت أنامله تداعب يد الشابة وهوَ يحاول أخذ الكيس ، لم يستطع الامساك به جيداً ونتيجة للملامسة هذه فقد أرتعشت أيديهما وسقط الكيس على ارضية المحل وكُسرت زجاجة العطر وهما بأرتباك شديد ، ومن صوت كسر زجاجة العطر أستفاقا من غيبوبتهما المؤقتة .
- قالَ : أنا آسف لم أكن أقصد ذلك .
- قالت : أسفة أسفة جداً كنتُ أتصور أنكَ أمسكت الكيس أنتشرت الرائحة الزكية في المحل وكأنها أضفت جواً شاعرياً على هذا الموقف ، لابدَ من كسر حاجز الصمت الرهيب ولا بد أن يصارحها بأعجابه وحبه لها .
- قالَ : أُحُبكِ ياامرأة .
نظرت اليه وفي عينيها علامات الرضا والقبول لما طرحَ عليها ، رفعت الكيس من الأرض ووضعته في سلة النفايات وحاولت أزالة كمية العطر من أرضية المحل .
- قال : أنَ يومنا هذا بدأ بالعطر الجميل وأتمنى أن يكون حبنا كذلك .
- قالت : لقد اصابني شيء غريب شعرت وكأني أحبكَ أو أنتظركَ من بعيد .
- قال : أنا أبحثُ عن امرأة لتكون كفئ لي في حياتي القادمة وها أنتِ هيَ .
- قالت : على بركة الله لننعم بحياة زوجية ملئها الحب صرخَ بأعلى صوته لقد وجدتها .. لقد وجدتها سيدة العطور وزوجة المستقبل .
10 / 3 / 2007
الحيـــــاة
في جو ربيعي ساحر حيثُ جمال الطبيعة الرائع و الورود و الزهور المتفتحة الموسمية والدائمية بألوانها الجميلة المتنوعة وحيثُ الأشجار اليانعة الرائعة في مدينة بغداد وجوها الربيعي الجميل ، قادته قدماه الى حيث لا يدري ولم يقرر المكان الذي سيذهب اليه وحدها الصدفة قادته الى ذلك وكأنَ قلبه كانَ دليله في سيرهِ هذا . بهرت عيناه مما رأى أن يقف الآن على حافة طريق الكورنيش الذي أحبه بل وارتبطَ به بذكريات جميلة أيام شبابه حيثُ كانَ من رواد هذا المكان . بُهرت عيناه من المنظر الهرم لحدائق الكورنيش وكأنها أصابتها الشيخوخة مثله . نهر دجلة الخالد لم يعد يحتوي على الزوارق الذاهبة الآتية تنساب مع مجرى النهر أحياناً وتتعاكس معه أحياناً أخرى بل ركنت في شريعه مهملة وكأنها أكوام حطام خشبي . والبساط الآخضر الذي كانَ يغطي أرضية الكورنيش من الثيل الرائع الجمال أصبحَ هو الآخر في وضع مزري مهمل مصفرةُ أعشابه وحدائق الورود ونبتات الزينة التي كانت تشع جمالاً بألوانها وعطورها قد غادرت المكان بلا رجعة . وأكشاك الباعة وملاعب الأطفال قد تحولت الى حطام باكي يشكي الأهمال والتعسف . وقفَ يعيد شريط ذكرياته الجميلة في هذا المكان هنا بدأت أول قصة حب مع أعز أنسانة لي هذا المكان كانَ شاهد الحب وشاهد الأيام الجميلة بيني وبينها هنا بدأت حياتي على حقيقتها . كانت هنا أريكة خشبية أجلسُ عليها معَ حبيبتي نتبادل أطراف الكلام والنظرات ومشاعر الحب وعنفوان الحياة على هذه الأريكة كتبنا أسمينا وعليها أيضاً قررنا الزواج وتمَ لنا ذلك ، هنا كانت تنتشر شجيرات الورد الجوري والكزائية والجريرة واليلدز وشتلات ورد الصباح كانت تغطي الجو برائحتها الزكية وتغير خضرة الحدائق الى الوان رائعة الجمال متداخلة الأشكال . أطرقَ ببصره ثمَ دمعت عيناه بألم ومرارة وأنسكبت على خديه بغزارة كانَ على مقربة منه رجل هرم أكلَ الدهر منه وشرب .
- قال الرجل الهرم : ماذا بكَ يا رجل .
- الرجل : لاشيء ياعماه فقط تذكرت أيام شبابي وحبي الاول والاخير .
- الرجل الهرم : وهل يبكيكَ هذا .
- الرجل : توفيت من أحببتها وهيَ زوجتي حيثُ هنا بدأنا وترعرعنا بينَ أحضان الحب ثمَ الزواج والآن قد ماتَ المكان الذي كانَ ينبض بالحياة .
- الرجل الهرم : لا بأس يا رجل أذكر الله كثيراً وأحمده على كل حال أن الأزمة التي نمر بها ستنتهي وستعود للمكان حياته وزواره وجماله بعد عودة الأمن والاستقرار يا ولدي .
-
أومىء الرجل برأسه مقتنعاً بحديث الرجل الهرم ومسحَ دموعه بيديه محاولاً أعادة التوازن الى نفسه وهوَ يردد ستعود الحياة ... ستعود الحياة .
21 / 3 / 2007
الأغتيــــال
تعود في مرحلة مراهقته وشبابه ورجولته أن يمر بشارع الرشيد سيراً على الأقدام ابتداءاً من ساحة الميدان الى الباب الشرقي أو بالعكس كلما سنحت له الفرصة بذلك يمتع ناظريه بمحاله التجارية ورموزه التاريخية والتراثية . كانَ يتوقف عند علامات مميزة لهذا الشارع الحيوي في بغداد وكانَ يتبضع أحياناً مايحتاجه واحياناً أخرى كانَ يتسلى بمبانيه وديكورات محلاته ولا تفارق عيناه صورة جميلة يراها دائماً .
أنقطعَ عن زيارة هذا الشارع منذ الاحتلال عام 2003 وبسبب الانفلات الأمني وغياب القانون وأنتهاء هيبة الدولة وبسبب أنطلاق الشهوات الرعناء للعصابات والقتلة وأنطلاق الغرائز الشريرة بلا حدود في كل المدن اضطرَ للاعتكاف في داره لايخرج الا للضرورات القصوى . تزاحمت الأفكار في رأسه هل بقى الشارع على حاله يحتظن زواره ويمتع نواظرهم حينَ تنساب أقداهم فيه ؟ تذكرَ سوق الهرج وباعته حيث أنواع الاحجار الكريمة والمسبحات بمختلف أنواعها والوانها الكهرب واليُسر والكهرمان والعقيق وغيرها و باعة الطوابع والعملة القديمة ومَرَ سريعاً بجامع الحيدرخانة وستوديو الأهلي وتمثال الرصافي مروراً بالشورجة وجامع مرجان وخان مرجان مجتازاً الطريق بأتجاه الباب الشرقي حيثُ حلويات على كيفك وأربطة البلداوي وتسجيلات الجقمقجي نهاية شارع الرشيد . شده الشوق بلهفة لانظير لها لكي يمر بهذا الشارع وشدَ الرحال لزيارته . ركبَ سيارة أجرة منطلقاً الى الباب الشرقي هذه المرة ليدخل الشارع العتيد أبتداءاً من تسجيلات الجقمقجي بصحبة أعز أصدقائه ، وما أن وصلا الى المكان المحدد وترجلا من السيارة حتى أندهشَ مما رأى ووقفَ معَ صاحبه متحيراً أهذا شارعنا المعهود بحركته وجماله رباه ماذا أرى لا حياة فيه لقد تغيرت معالم الشارع وتحولت الى محلات سمكرة السيارات ومحلات أخرى وكأنكَ في حي صناعي لا بشارع تجاري وكلما توغلا في الشارع أختلفت صورته الى حال أسوء حتى وصلا الى الشورجة والبنك المركزي فقد غلقَ الشارع بالباعة المتجولين وصولاً الى ساحة الرصافي وكأنكَ في علوة للفواكه والخضر وبصعوبة تمر فيه وأكداس النفايات وسكراب الحديد تملىء هذا الشريان الحيوي من شرايين بغداد . كلما توغلا في الشارع تزداد أنفعالاتهم حزناً وألم والدموع تأخذ مجراها في عينيه .
- عمر : ( والدموع ملىء أحداقه ) أترى ماذا حلَ بالشارع .
علي : نعم والله أنها لمأساة وكارثة يا صاحبي .
-
- عمر : أبغياب القانون وأهمال أمانة بغداد وفوضى العصابات والناس تصادر كرامة هذا الشارع .
- علي : الصبر يا صاحبي الصبر ستتغير الأمور يوماً وتدب الحياة في شارعنا .
- عمر : ( وهوَ يذرف الدموع بغزارة ) لقد أغتيلَ شارع الرشيد بفعل الحكام والناس لقد أغتيلَ الشارع .
9 / 4 / 2007
النـــــزف
في بغداد العشق والجمال في بغداد الحب والوئام كانت تسكن أحد الأحياء البغدادية التي ما أن تدخل اليها حتى تشم رائحة التراث والحضارة والقِدَم الموغل في الزمن . ترى أي زمن عاشت فيه بغداد ومحلاتها ؟ انه الزمن الصعب حقاً . زمن البساطة في كلَ شيء حتى في العلاقات الأجتماعية والأسرية ، زمن الاخلاص في كل شيء في الحب والتعامل والبيع والشراء ، زمن الفقر حتى الموت ولم ينجرف فيه البشر بل كانت القناعة هيَ السائدة والعيش بزهد وعفة هيَ اساس الحياة ، زمن الامراض الفتاكة الامراض التي تصيب كل شيء بجسد الانسان الا عقله وضميره والاخلاق لم يصبهم شيء من الانحراف والانجرار وراء الشهوات الحيوانية القاتلة أو أتباع خطوات سيقان المومسات أيام زمان . لم يفهم البغدادي آنذاك لغة النار والقتل ليعيش ولم ينحرف أو يبتدع وسائل القتل والتعذيب ولم يألف شرب الدماء . بل كانَ الفيصل بينه وبين تلك الاشياء الايمان بالله والحفاظ على شرف العلاقة مع الجميع .كانت تسكن في احد الاحياء امرأة في منتهى الجمال والاناقة والانوثة ، تنظر من شرفة دارها البغدادي الى ازقة الحي التي تسكنه حيث الشناشيل الجميلة في كلَ شيء في زخرفتها وأخشابها وزجاجها الملون وتشم رائحة بغداد الاصيلة ، كما تلمس أخلاقَ البغداديين من خلال اختلاطها معَ أهل الحي ، كانت ترى الطيبة فيهم قبلَ الخبث وترى المحبة قبلَ الكره وترى الشرف قبلَ الخسة وترى القيم الاخلاقية قبلَ الانحطاط ، كانت ترى فيهم كلَ معاني المحبة والود والاخلاص والشهامة . هؤلاء أهلي وشعبي الذينَ عرفتهم عن قرب . وحينَ تبدأ بتشغيل جهاز التلفاز في غرفتها المتواضعة البسيطة بساطة أهلَ بغداد كانت تشمئز مما ترى وتسمع من اخبار ، انفجارات في كل مكان تأكل الاجساد البشرية وقتل يمارسه اصحاب القتل بتلذذ لايوصف ، وجثث البغداديين الشرفاء النجباء ملقاة على قارعة الطرق مجهولة الهوية محترقة منتفخة تأكل الحيوانات السائبة منها ما تشاء .
ومن شدة فزعها من هذه المناظر وألمها الحاد ضغطت بنابيها الامامين على شفتها السفلى حتى سالَ الدم منها على حنكها دونَ أن تشعر بألم الجرح فيها لأنَ ألم الجراح التي شاهدتها يفوق كل ألآلام وانسكبت دموعها على الخدين بغزارة وسخونة وعاشت لحظات غيبوبة مع النفس .
نهضت من مكانها مفزوعة مسرعة على أثر صوت جرس المنزل الذي رنَ تواً ، فتحت الباب واذا بجارتهــا
آمال أمامها ، ماذا بكِ ياندى ؟ لاشيء ... لاشيء . وهذا الدم النازف من شفتيكِ . وبدون وعي وضعت يدها على مكان الجرح فلامست الدماء أناملها الرقيقة وأنفجرت بالبكاء .
- أمال : ماذا بكِ بحق السماء .
- ندى : لاشيء شخصي ياعزيزتي .
- آمال : لمَ هذا البكاء والدم النازف من الشفاه .
- ندى : حزناً على بغداد وناسها ، حزناً على أهلنا الذين يقتلونَ من دون رادع ، حزناً على ضحايا العنف والانفلات في زمن صعب تغيرت فيهِ كل القيم .
أجل أنتِ محقة في كل شيء نحنُ نعيش زمناً آخر من مخلفات السابق من الايام ومن تراكمات الاحتلال والاحزاب وميليشيات الطوائف وتدخل دول الجوار دونَ استثناء تنهشُ بنا حيواناتهم النازية ، وتقتل أحلامنا موسيقى أنفجاراتهم الدموية ، وتذبح أحلامنا ووطننا مشاريعهم التقسيمية . بعدَ ذلك جلستا وعادتا الى منطق العقل والى أخلاق البغداديين نعم أنهم المعدن الحقيقي لهذا الشعب .
- آمال : أزمة زائلة ياندى وسترين كيفَ يعود الوئام .
- ندى : أجل والله فأنا أعرف أخلاقيات شعبي وأهلي .
- آمال : أوقفي نزف الدم من شفتيكِ ياندى .
- ندى : أجل سأوقفه وعلى الجميع أن يوقف نزف دماء العراقيين ... عليهم أن يوقفوا نزف دم العراق .
20 / 4 / 2007
المخــــــادع
في بغداد دار السلام وفي جانب الكرخ تعودت كل يوم وهيَ تذهب الى دائرتها تقف في الشارع الرئيسي تنظر الى البنايات العالية الجميلة التي تسابق بطولها قامات النخيل وتدور برأسها بكل الاتجاهات تمعن النظر طويلاً لمَ لاتكون كل شوارع بغداد هكذا ؟ تسائلت معَ نفسها وبتكرار عملية التمتع بالنظر الى هذه العمارات ، كانَ شاب جميل ينظر اليها يومياً من شباك شقته ، اعجبت بجمالها وحسن قوامها وأناقتها . تعمدَ أثارة ضجة صغيرة لكي يلفت نظرها ونجحَ بذلك ، لقد رأته في الطابق الاول من العمارة القريبة عليها ، أبتسمَ لها ، أدارت وجهها عنه برهةً وعاودت النظر اليه مرة أخرى ، لم يزل في مكانه والأبتسامة مرتسمة على شفتيهِ ، أبتسمت هذه المرة له ،وقد شعرَ بأرتياح كبير وأومأ لها بيده محيياً أياها . مضت الى حيث مكان عملها في أحد دوائر الدولة . وتتكرر النظرات والابتسامات بينهما ويقرر النزول ذاتَ يوم اليها مرَ بقربها مبتسماً ألقى التحية عليها وردت عليهِ بالمثل توقفَ ثمَ رجعَ خطوة الى الوراء واذا به أمامها وجهاً لوجه امرأة جميلة ذاتَ جسم متناسق رائع ، عبرَ لها عن أعجابه بها وشعوره العميق بحب لايوصف أتجاهها حيثُ أزدياد ضربات القلب كلما رآها وبدأ يمهد لها بأنَ علاقته بها يراد منها الزواج ليسَ الا . استمعت اليه جيداً وقالت له لم يكن في حساباتي أني سأتعرض لهذا الموقف ، كنتُ أمتع نظري بالعمران الموجود في هذا الشارع ، أما الحب والزواج لم يدر هذا بخلدي أبداً ، أمهلني الوقت كي أفكر بذلك ويجب أن تعرف عني كل شيء وأعرف عنكَ كلَ شيء . وتبادلا أرقام الهواتف قالَ أنا محمد ، قالت أنا سحر وبدأت الاتصالات بينهما يشرح لها ظروفه الجيدة وأمكانياته المادية العالية وأنَ هذه شقته مؤثثة ولا ينقصها الا فتاة تكون زوجة له وأنه يتيم الابويين وأخوته كلٌ في داره معَ زوجاتهم . قد عرفته هيَ بنفسها بأنها من عائلة متوسطة الحال وتسكن منطقة شعبيه في دار قديم وأنَ والدها رجل عاجز وأمها متوفية وهيَ موظفة تعمل لكسب رزقها كونها مسؤولة عن والدها . ولقاء بعدَ آخر في أماكن عامة أنشدت اليهِ ووثقت به وأطمئنت الى جانبه وكانت ترى فيه منقذ لوضعها في حالة الزواج كونه ميسوراً .
ذاتَ يوم أصطحبها الى شقته بحجة التعرف على بيت الزوجية المزعوم وقفت مذهولة وهيَ تدخل اليها بصحبته حيثُ الاثاث الراقي والترتيب الجيد ، وبدأ يداعب مشاعرها وعواطفها بكلامه المعسول الذي يدغدغ هواجسها ويقترب من أمنياتها ، أندمجوا في كلام الحب ومداعباته ولم يبخل عليها بشيء قُبَل ومضاجعة في الفراش . ثمَ غادرت الى بيتها وكعادتها تتصل بهِ هاتفياً يوم بعدَ يوم بدأت تشعر بتغير في سلوك من أحبت ، يحدثها دونَ أكتراث وأحياناً لايرد على هاتفها وتمر الايام سريعة فتنقطع عنها أخباره ، ماذا تفعل وهل من حل لمشكلتها وذات يوم قررت الذهاب الى شقته لتعرف الاسباب ، طرقت الباب وأذا بسيدة تفتح الباب لها . ماذا تريدين يا عزيزتي ، أنا أسأل عن محمد الذي يسكن هذه الشقة ، أبتسمت السيدة وسمحت لها بالدخول . كانت تعتقد أنها أقاربه وما أن جلست وقدمت لها واجبات الضيافة المعهودة لدى البغداديين . أجابتها أن محمد قد غادرَ الشقة الى أهله بعدَ أن عدنا من السفر الى شقتنا .
- سحر : أليست هذه شقته .
- السيدة : لا أنها شقتنا وهوَ صديق زوجي وقد أسكناه فيها وقتياً على سبيل الحراسة كونه من عائلة فقيرة تسكن محافظة واسط . أنفجرت سحر بالبكاء والعويل وهيَ تندب حظها العاثر من من سينقذني من سيعيد اليَّ الامل في الحياة لا خيار أمامي الا الموت .
السيدة : مهلاً ياسحر لا تتعجلي الامور قد يجـــــــــــد زوجي حلاً لكِ 0 جاءَ زوج السيدة وشاهدَ المنظر المأساوي الحزيـن ، أبلغته بقضية هذه الفتاة ، حاولَ الاتصال به هاتفيــاً ، لم يجد لذلكَ سبيل يبدو أنَ محمد قد أغلقَ هاتفـــــــــه النقال أو تعمدَ حرق السيم كارت ليبقى في مأمن . ماذا يفعل الرجل فهو لايعرف عنوانه وكانَ الهاتــــف وسيلة الاتصال الوحيدة بينهما منذُ أيام الدراســــــــة الجامعية . غادرَ الزوج الشقة على مضض .
- سحر : ( والدموع تجري من عينيها ) ماذا أفعل لقد وثقت بهِ ومنحته كل ما يريد ضاجعته الفراش وبادلته الحب على أمل الزواج .
- السيدة : ماذا يا سحر وهل فضَ بكارتكِ .
بدأت سحر بالبكاء والعويل من جديد نعم لقد فعل ذلك ولم أعرف أنه سيء وسوفَ يغدر بيَ لقد منحته أعز ما أملك . حاولت السيدة أن تخفف من وطأة الحدث على سحر وتهدأها ، لاخيار أمامكِ اليوم الا اللجوء الى طبيبة نسائية لعلاج حالتكِ هذه وعليكِ أن تتحملي نتائج تصرفاتكِ الغير موزونة ، كانَ يجب عليكِ أن تحافظي على كرامتكِ وشرفكِ ولا تفرطي بهما على أمل أن يتحقق ،أن الحب أسمى وأرقى من هذه التصرفات . يا مطر العيون لم تنبت في القلب غير الحزن والاسى ، يا مطر العيون لن تغير من الحقيقة شيء أبداً .
سحر : ( والدموع تنهمر على خديها ) نعم لكِ الحق بذلك لقد عرفت الآن كلَ شيء وأشعر بالخطأ والذنب بعدَ فوات ألأوان ، حذار أيتها الفتيات أن تقعنَ بينَ مخالب رجل فيتحول الى ذئب مفترس يأكل شرفكن ، ها أنا قد وثقتُ بهِ ومنحته كلَ شيء
- وكانَ تصرفي خاطىء وقد ظهرَ أنه أنسان مخادع ... ياله من رجل نذل مخادع .
27 / 6 / 2007
عدل سابقا من قبل Admin في الثلاثاء يوليو 24, 2012 4:14 pm عدل 1 مرات