حلمٌ ضائع
استيقظ كعادتِهِ مبكراً ... رغم سهره الليلَ بطولِهِ هاجراً النوم ... فكان في حالةٍ قلقةٍ مؤلمةٍ
ما إن تغمض عيناهُ تعباً حتى ينتبه فزعاً وأفكارُهُ تصارعه ويصارعها دون جدوى ...
أعد قدحاً من القهوةِ وجلس يحتسي قهوتَهُ... ترافقه وحدتُه وآلامُه وحنينه الى أيامٍ خلت كان يعيشها بسعادة ... ويحلم باكتمال سعادته بلقائها ... تلك الغادةُ السمراء التي أحبها وأحبته ... ولكن الظروف القاسية في هذه الدنيا باعدت بينهما وبلا سبب... سرح بخياله تتقاذفه الهواجس وتعصف بفكره تساؤلات كثيرة .. ما حل بها ... اين هي الآن ... هل هي بخير ... هل هي سعيدة ... ولا يدري كم بقى على حالته هذه ... مد يده الى قدحِ القهوة فإذا به بارداً كالثلج ... تركه على الطاولة وخرج من البيت يمشي على غير هدى حتى وجد نفسه في موقف حافلة نقل الركاب ... تذكر أن عليه ان يحضر دواءه من الصيدلية فقرر ان ينتظر الحافلة للذهاب الى الصيدلية لإحضاره ... وجلس على مقعد بجوار سيدة كبيرة ... وأغمض عينيه المتعبتين، وأخذ يستعيد ذكرياته ... وهو سارح بأفكاره صعد الى الحافلة بعد انتظار ممل وسارت به ... وقبل أن يصل الى الصيدلية وجد نفسه أمام الكافتريا التي كان يرتادها مع غادته السمراء ... نسى الصيدلية ونسى الدواء ... وسارع بالنزول من الحافلة ودلف الى الكافتريا متلهفا لاستعادة ذكرى تلك الأيام الجميلة ... وتهالك على كرسي في الركن المفضل لهما ... فإذا بغادته السمراء جالسة هناك ... وبادرته بقولها ....
- أين أنت لقد قلقت عليك ... أتعلم كم مضى علي وأنا أنتظرك ...
فأجاب متذرعا بالمواصلات ومشاكلها، وهو مندهشا مستغربا ... ثم جلسا يحتسيا شرابهما المفضل، عصير الرمان ، ويتبادلا أحاديث الشوق والهوى وألم البعاد ... وكلما يسألها أين كانت كل هذه المدة ولم كان الفراق ، كانت تنتقل بحديثها الى موضوع آخر ... فهي بارعة بتغيير مجرى الحديث بلباقة وذكاء ...
وكعادته وهي تسترسل بحديثها الشيق ، كان ينظر الى تلك العينيين الساحرتين ويغرق في بحرهما ... وكانت كعادتها كلما يسرح هكذا تمد يدها وتربت على يده برفق وبرقتها المعهودة وتقول مبتسمة... لا تسرح ... كفى الأبحار في بحر العيون، أخاف عليك أن تغرق وتتركني وحيدة ... ينتبه ويشاركها الحديث ويسرح ثانية ، ومن ثم ينتبه على لمسة يدها الرقيقة وكلماتها العذبة ... ثم يسرح ثانية ... وهو بحالته هذه ، إذا بصوت يناديه ويد تهز كتفه ..
- إصح يا رجل، هل نمت ؟ يظهر أنت متعب جدا ... لقد وصلت الحافلة ... وانتبه على صوت السيدة الكبيرة التي بجانبه في موقف الحافلة تخبره بوصولها ...
تنهد وحبس الدموع في عينيه وصعد الحافلة ذاهبا الى الصيدلية ترافقه وحدته وآلامه وحنينه الى حلمه الضائع ...
صباح الجميلي
هيوستن 2 نيسان 2016
عدل سابقا من قبل صباح الجميلي في الثلاثاء مايو 10, 2016 10:27 pm عدل 1 مرات