شـاعــر وقصيـدة
الجولة السابعة:ــ مع الشاعر عمر أبو ريشه
مسك الختام في مقالاتي ( شاعر وقصيدة ) هو الشاعر العربي الذي ذاع صيته في أرجاء الوطـن العربي شاعر تمكن من لغته الشعرية فأبدع، شاعرنا اليوم هو عمر أبو ريشة، شاعر يحمل هموم وطن بل هموم امة فتحولت قصائده إلى رصاص بوجه الطغاة المحتلين للأرض العربية ومن منا لم يسمع أو يقرأ صرخته الرائعة بعـد النكبة التي نظمها عام 1948
أمتي هل لك بين الأمم
منبر للسيف أو للقلم
لطالما رددناها أيام الصبا وعلى مقاعد الدراسـة كأنه يعاتب الأمة من اجل نيل مكانتها الحقيقية بين أمم الأرض، شاعر كتب كثيرا للوطن والأمة وعرف كيف يختار كلماته لينظمها بيتا شـعريا وعرف كيف يرتب هذه الأبيات لتتحول عنده إلى قصيدة ، وعرف كيف يختار قصيدته من مفــردات لغته العربية لتتحول عنده القصيدة إلى قضية يدافع عنها ويدافع بها .
أنا اليوم أمام شاعر لا أستطيع أن اكتب عن كـل خلجات نفسه ونوازع طموحه وإبداعات إنتاجه، وهل مثلي من يعطيه حقه، شاعر حمل الجراح جراح الأمة وصاغها قصائد، شاعر لملم الهمــوم .. هموم الوطن وصاغها رصاصـات بوجه العدى، شاعر لملم أزمات الحب والهـوى وصاغها قصائد لعالم النساء والشوق والجوى.
أنا اليوم أقف حائرا أمام عملاق الشعر وفارس مـن فرسانه شاعرعربي كبير أثرى المكتبة العربية بروائع القصائد وبدواوينه الجميلة، أقف حائرا أمامها، كيف اكتب عنها وعن أي شئ أتحدث وقـد ذاع صيته أرجاء المعمورة ويعرفه ألقاصي والداني.
أقف أمامه حائرا كيف لا وهو شاعر حول مداد القلم إلى بارود يتقد بين الحين والحيــــن ليفجر براكين الغضب العربي نحو التحرير، هو الشاعر الذي حول القلم إلى سهام تغرس عميقا في صدور الأعداء الطغاة، شاعر حول حروف اللغة العربية إلى رصاصات ليفجر بها الوعـي العربي نحو الأمة وتحقيق آمالها نظم شاعرنا في كافة مجالات الشعر وأنا وقفـت حائرا أمام ديوانه الشعري المجلد الأول أي القصائد سأختار وبعد قرأة لقصائده اخترت أخر قصائــد ديوانه في المجلد الأول بعنوان ( لمن ) في هـذه القصيدة يحدث الشاعر عن نفسه لمن تعصر الروح وكأنه حين يكتب شعرا أو ينظم قصيدة يعصــر روحه من اجل تلك المقطوعة ولا يفوته تحديـد مسارات عصر الروح فهو يتسائل أللحب أم للهو أم للمجد أم للخلد ويستمر في قصيدته يعطي لكل تسائل أبعاده في صياغة لفظية رائعة ثم يكبــح جماح النفس السائرة في البيداء دون سامر ويعـود ليرقص الكون في صمت كما براقص السامر الأفعى حتى يصل إلى نهاية الحلم الذي أمام الناظريّن.
قصيدة رغم قصرها ألا أنها تحتوي على معاني كبيرة ودقة في النظم هذه القصيدة ( لمن ) نظمـــت عام 1937 رائعة من روائعه شاخصة في ديوانـــه كأنها تحاكي اليوم ( الحاضر ) فمن منا لا يعصر روحه ليبدع ومن منا لا يدع للوطن غير الحـب والالفه، قصيدة تصلح لكل زمان وألان مع (لمن )
لمن تعصر الروح يا شاعر
أما لظلال المنى أخر
أللحب ؟ أين التفات الفتون
إذا هتف الأمل العاثر
أللهو ؟ كم دمية صغتها
ومزقها ظفرك الكاسر
أللمجد ؟ ماذا يحس القتيل
إذا أزورّ أو بسم العابر
أللخلد ؟ كيف ترد الذئاب
وقد عضّها جوعها الكافر
رويدك لا تسفحن الخيال
ببيداء ليس بها سـامر
أما يرقص الكون في صمته
كما يرقص الحية الساحر
دع الحلم يخفق في ناظريك
فموعده غدك الساخر
قصيدة موجزة فيها كل المعاني وفيها صورة شعرية متكاملة أو قصة كاملة الأبعاد، أربعة هواجس .. تساؤلات يجيب عنها الشاعر ويأخـــذك عزيزي القارئ إلى نهاية ما يريد في قصيدته الحلم ما أروع ما نظمت لقد كنا بحاجة إليه ولازلنا نرتوي من معينه الذي لا ينضب.
الخاتمة:ــ
بهذه الجولة السابعة أكون قد وصلت معك عزيــزي القارئ إلى نهاية الجولات المخصصــة لمقــالات ( شاعر وقصيدة ) وأتمنى قد وفقت في هـذه الجولات من إيصال الفكرة المرجوة منها، ألا وهي تعريف القارئ بشعراء الأمس واليوم اولاً وكذلك التعريف بأسلوبهم وقصائدهم ثانيا.
وبأسلوب بسيط مبسط ودون تعقيد او تكلف لكي تأخذ الكلمة مكانـها في عقـل وقلب القار،ئ والمتلقي.
وللتذكير فأن الجولات هذه شــملت سبعة شعراء هم ( 1ــ محمد حنون 2ــ شـاكر ألعاشور 3ــ حياة النهر 4ــ مؤيد العبد الواحـد 5ــ فيصل الحاسم 6ــ عادل محسن 7ــ عمر أبو ريشه ) تمتعنا بموسيقى قصائده وسحر معانيها، وقد لا تكون عزيزي القارى هذه هي النهاية في الكتابة عن الشعر، ربما سيعقبها سلسلة أخرى نتطرق فيها عن جوانب أخرى في الشعر إذا وجدنا ضرورة لذلك.
والله الموفق
****************
6ـــ حدث وقصـيدة
المقدمة:ــ
قلت سابقا إن عالم الشعر قد تمكن مني وشدني أليه شدا وان مقالاتي عن الشعر عزيزي القارئ سوف تستمر كلما دعت لذلك ضرورة الكتابة، وبما إن للغة العربية سحر وبيان، تسحر من يولج فيها وتبهر العقل قبل القلب، واني أرى أن الشعر العربي تتجسد فيه تلك الصفتان ( السـحر والبيان ) فهو ديوان العرب وحافظ لغتهم ومسجل وقائعهـــم وحافظ ذاكرتهم لذا يحق للعربي أن يفخر ويطـرب لمفرداتها.
وأنا ككاتب لا يمكنني أن أتوغل في عالم اللغة العربية وسحرها وبيانها ومع ذلك تترابـط عندي الحروف لتصبح كلمة وتترابط الكلمـات لتصبح جملا تسطر في اسطر على الورق لتصبــح مقالة فهل أعطي اللغة حقها وهل أعطي الشعر حقه وهل من مثلي يستطيع ذلك؟.
أعود عزيزي القارئ إلى موضوع اليوم ( حـدث وقصيدة ) في هذه السلسلة من الحلقات أردت أن اقلب تاريخ الشعر والشعراء واقلب دواوينهم للقراء ونقرأ عزيزي القارئ ما يسجله الشعراء مـن قصائد للأحداث سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو عاطفية وغير ذلك، وبالتأكيد إن ديوان الشعر العربي زاخر بهـذه المواقف وبالتالي سننتقل من شاعر إلى أخر ومــن شاعرة إلى أخرى، ومن موضوع إلى أخر نستمتع بالشعر ومتانته وسحر مفرداته ونستذكر التأريخ عبر قصائد الشعراء، وكذلك لنتذكر مواقـف الشعراء إزاء الأحداث الجسام تلك المواقف التي كانت تواجه أحيانا بالاعتقال والنفي فكأن الشاعر يحمل روحه على راحة يده ويقدمها قربانا للحرية ( حرية الرأي والتفكير والكلمة ).
كان الشاعر يعي متطلبات المرحلة التي يعيشها ويكتب عنهـــا، وكانت إرهاصات الحياة اليومية له تأخذ منه الشـيء الكثير ورغم ذلك كان يبدع في شعره ويسجل الموقف المطلوب في اللحظة المناسبة دون خـــوف أو وجل، فعلى الصعيد السياسي كان لا يخشى سلطة النظام ولا يخشى قرارات محاكمه وكان مستعدا لما يصدر عنهم ويواجه إجراءاتهم بشــوق كبير كأنه يدفع ضريبة ما أبدع.
وعلى صعيد العاطفة والحياة الاجتماعية كان بارعا في تسجيل وقائعها رغم ما تهزه أحداثها حبا وشوقا أو هجرا وبعدا، مرضا أو غدرا كان يسجل كل ذلـك قصائد جميلة يوثق بها حياته اليومية.
وأنا حين بدأت الكتابة في هذا الموضوع ( حـدث وقصيدة ) لم اشعر إني كتبته بمداد القلم بل بمـــداد الشوق والقلب، الشوق لمعرفة هواجس الشــعراء آنذاك حين أبدعوا في الشعر ووثقوا مراحل حياتهم، والقلب حين كتبت بمداده كان يتوجـس الطريق ويتلمس خطواته خطوة بعد خطوة كأني أحصي دقات القلب للشاعر حين بدأ الكتابة بل وحين أنجز القصيدة فكانت دقات قلبي تتصاعد طرديا مع تصاعد القصيدة ذاتها، فعذرا للشعراء أن قصرت في مقالاتي واستميح اللغة العربية عذرا أن قصرت مفرداتي وجملي.
الحلقة الأولى:ــ مع الشاعرة حياة النهر
الشاعرة حياة النهر كانت مبدعة في الشعر تستوعب مفرداتها أحداث الشارع وإرهاصات الحياة وكانت مفرداتها تنساب إلى مسامع المتلقــي أو إلى عيون القارئ انسيابا لطيفا تنقله من مرحلـة إلى أخرى عبر أبيات قصائدها فكانت بحق تأريـخ امة وتأريخ شعب وذاكرة الأحداث كونها لم تتـرك شيء يمر في حياة الإنسان السياسية لم تكتب عنه
كتبت فأبدعت وتمكنت لغتها من رسم الواقع السياسي بقصائدها فكانت تسجيلية بطبعها للأحداث وكانت روائية بارعة في تصوير الأحداث فكأنهـا توثق المرحلة شعرا كي لا تنسى.
نظمت الشعر العمودي فأجادت ونظمت الشعر الحـر فأبدعت، من يقرأ قصائدها يشعر انه أمام شاعرة تمتلك السيطرة على المفردة فتحيلها نغمات موسيقية مكتوبة شعرا، تطرب الأذن حين تسمعهـا وتسحر العين حين تقرأها ويتوجس القلب ألما وخوفا للصور المأساوية في شعرها وكأن القـارئ لا يقرأ قصائدها بل يشاهد شريطا سينمائيا يـروي الأحداث، أو كأنه يعيش الحدث توا رغم بعد السنين بينه وبين الحدث، كتبت للوطن وكتبت للأمة العربية وكتبت للأحداث في العالم بأسره فكانت موسوعة شعرية يحق لنا أن نفخر بها، امرأة رغم رقتها وحنان قلبها تشعرك بأنها أقوى ممـا تعتقد واصلب من الفولاذ حين تواجه الأحداث بقلمها وقصائدها.
سأطلعك عزيزي القارئ على بعض عناويـن قصائدها لتعرف حقيقة المرأة الشاعرة ( تحيـة للثورة، حدثيني، تحية للشهيد، أغنية الشــــعب، في نقرة السلمان، أعراس فيتنام، لن يمـروا، الجزائر ) هذا غيض من فيض لما أبدعت فيـه شاعرتنا.
وبعد سقوط النظام الملكي وتحول العراق إلى جمهورية في 14تموز 1958 تزاحمت الأفكار فـي أعماق نفسها فنظمت قصيدة بهذه المناسبة في يوم 15/7/1958 أسمتها تحية للثورة من اثنيـن وأربعون بيتا سطرت فيها مشاعرها اتجاه الحـــدث ووثقت للثورة تأريخ لا ينسى في عالم الشعر، أنا أقف وقفة أجلال وإكبار أمام قلمها وشعرها ومواقفها وأنا عاجز عن أنصافها فعذرا.
أعود إلى القصيدة التأريخ فهي تصور لك عزيــزي القارئ كفاح شعب ونضال شعب وآلام شعب وتضحيات شعب صبر فظفر وحقق ثورة وانتصر، لا أريد أن أطيل عليك عزيزي القارئ سأدعك تتعرف عليها حين تقرأها ألان وعذرا فاني سأختار مقطعين منها فمع قصيدة تحية للثورة
قم حيها حيي الأشاوس ثاروا
قم حيها قوادها الأحرارُ
قم حيي ثورة شعبنا وفصيله
المقدام وانظر للخنى ينهارُ
ثرنا على جور الطغاة وملؤنا
ثقة الشباب وعزمه الجبارُ
واغتاظ يصخب هادرا متمردا
شعب تحفزه المنى والثارُ
والحقد أضرم ناره وأحاله
لهبا تخاف شذاته الأشــــرارُ
يا شعب ثارات الجسور دفينة
وامحي تشهد كم قسا الجزارُ
والكون يشهد سجنها ودماؤنا
في الوثبتين ويشهد العشارُ
بغداد تشهد سوحها كم لوثت
وجه الطريد هزيمة وشنارُ
* * *
بغداد هل تذكرين عشيت
شهر البغاة سلاحهم وأغاروا
بغداد هلا تذكرين عصابة
السراق وديدنها خنى وصغارُ
لهفي على سمر المحيا في الثرى
حملوا المشاعل للورى وأناروا
ناموا أباة النفس بيض صحائف
لم تلوهم ريح ولا تيارُ
هبي فديتك رغمها وتقحمي
لجج النضال يشدك الاحرارُ
هبي جماهير العراق أمينة
للثورة الغراء فالابـــــرارُ
يهبون ما ملكو غداة دفاعهم
عنها فهم لبناتها انصارُ
يا شعب أتمم بالمكارم ثورة
أتمم بعزمك ما بنى الثـوارُ
***********************
حـدث وقــصيـدة
الحلقة الثانية:ـــ مع الشاعر بدر شاكر السياب
شاعر عراقي أخر نظم الشعر فأبدع وكتب في مختلف أبوابه ، شاعر عرف كيف يصوغ الكلمــات ليحيلها أبيات شعرية رائعة ويولدها قصيدة فائقة الروعة من رحم أفكاره ومن تأثير الواقع اليومي الذي يعيشه.
السياب ماذا أقول عنه وماذا اكتب وهل أعطي هــذا الشامخ مكانته، رغم أني تناولت في موضوع سابق مواقف وحياة هذا الشاعر وأحدى روائعه الشعرية ألا أني أجد نفسي عاجزا عن وصـف مكانته ونبوغه الشعري، السياب أبتدع الشعر الحر وكان أول من نظم فيه وأول متمرد على القافية وسار على دربه الكثير من الشعراء مستلهمين قصائدهم من إبداعه الشعري وتحـــرره من القافية.
أنا أميل إلى السياب بل مندفع أليه بشكل لا يوصف ومتأثر به بشكل لا يصدق، فكنت سيابيا قبل كل شيء، اقرأ دواوينه، أتأثر بها، أحاكيها، أنا سيابي حد النخاع أشعر إن شعر السياب يجري في شراييني وأبياته تنطلق من شفتي ولساني.
كتبت مقطوعة عنوانها واسياباه نشرت في جريــدة صـدى الجماهيـر يقول احــــد مقاطعهـا
كل من يظلم في الدنيا له أخ ينادي أخاه
لكن مظلوم العشق من ذا الذي يرعـــاه
أيها السيابي قد مات قبلك السياب
... واستقر في منتهاه
أنت في حياتك ميت وفي موتك
... الموت لا تخشـــــاه
نعم يحق لي أن افخر بالسياب شاعر بلادي بـل وشاعر الأمة العربية مجدد في الشعر كما هو مجدد في الحياة، مجدد في مرضه كما هو مجدد في آلامه، ومع ذلك فهو لا ينسى قضيته أبدا كان يتابع الأحداث التي يمر بها العراق والوطن العربي وكـان ينظم الشعر فخرا بها، أو منبها لمآسيها.
كتب فأبدع فوثق الأحداث ، من يتصفح تأريخ الرجل الأدبي عبر دواوين شـــعره يجده مفعا بالهواجس والأحاسيس، مضرجا أحيانا بدم آلامـه، وباسما أحيانا بمواقف أبطال العراق والأمة العربية كان يجسد كل الملاحم شعرا، وكان يوثق الأحداث وكأنه يكتبها بمداد قلبه لا بمداد عقله وقلمه.
وهزته الأحداث هزا كـأنه كان يعيش وسط أحداثها أو هو بطل تلك الأحداث وصانع مواقفها وبطولاتها، من يقرأ له عن الأحداث التي خلدها شعرا ينسى انه يقرأ قصائده ويعتقد انه يعيش الحدث ألان بكــل مفرداته .
وأنا اقلب صفحات ديوانه الشـعري بجزئيه الأول والثاني وقفت حائرا عن أي حــدث اكتب، أأكتب عن ثورة 1941، أم اكتب عـــــــــن الثورات التي تلتها، أم اكتب عن أيام الســـجن، أم اكتب عن احتلال الأراضي العربية وغير ذلك، فبدر السياب كان ذاكرة الأحداث بل هو نفسه كـــان الحدث. ولكي لا أطيل عليك عزيزي القارئ ولكي اقطع حيرتي واختار الحدث على مضض قــررت الكتابة عن فلسطين في شـعر السياب فأني أراها قضية شعب وقضية أمة بأكملها.
أذن كان الحدث عند السياب هي فلسطين وجسـد هذا الحدث في قصيدة بعنوان ( يوم فلسطين ) مــن اثنين وثلاثين بيتا شعريا عموديا، في هـذه القصيدة يصور لك عزيزي القارئ شاعرنا السـياب هموم الشعب وبراكين الدم من اجل الأرض، وإعطاء فلسطين لمن لا يستحق وضياع القــــدس، ويؤكد أيضا أن النصر دائما للشعب المجاهد، فهـل يتعظ الشعب المحتل ويحمل السلاح لتحرير أرضه ووطنه، واليك أيها القارئ العزيز مقطع مـن قصيدة
( في يوم فلسطين )
يا راقصين على دم الصحراء
قد آن يوم الثورة الحمراء
تلك الشرارة بعد حين تنجلي
عن زاخر بالنار والأضواء
اليوم يحطم كل شعب ثائر
سود القيود بضحكة استهزاء
ويدٍ يفر البغي من هزاتها
حمراء ضرجها دم الشهداء
قضت فم المستعمرين بلطمة
لا غير قاتلة والأشلاء
واليوم يصرخ كل حر غاضب
في وجه كل مهووس الآراء
تلك المواطن أين عنها أهلها
فتروح تعرضها على الغرباء
والقدس ما للقدس يمشي فوقها
صهيون بين الدمع والأشلاء
يا هتلر السفاح أقسى مدية
يوم الوغى من هتلر الحلفاء
يا أخت يعرب لن تزالي حرة
بين الدم المسفوك والأعداء
يا ثارات اهلك في دمانا تلتظي
هيهات ليس لهنّ من إطفاء
متى يضم ثرى الجزيرة أهلها
أو يلبسون مطارق العلياء
إلى أخر القصيدة الحدث حين تطالعها تشـعر إن شعراء العراق مغمورين بالحس الوطني والقومــي يشحذون همم الغيارى بقصائدهم من اجل تحريــــر كامل التراب المحتل، وان ذرة تراب في القدس عندهم تساوي ذرة تراب في بغداد لا فرق فكلهما ارض العرب وتحريرها واجب على العرب، فلينتبه الجيل الجديد وليقتدي بثورات التحرر من المستعمرين الطغاة
********************
حـدث وقــصيـده
الحلقة الثالثة:ــ مع الشاعر سميح القاسم
أقف اليوم أمام عملاق من عمالقة الشعر كرس شعره ودواوينه لقضية أمة بأكملها، كرس شــعره ودواوينه لهموم شعب ونضال رجال لا يعرفون الخوف، أقف أمامه اليوم وكلماتي حيرى لا تعـرف ماذا تقول وماذا تكتب، كيف لا وأنا أقف أمام عملاق الشعر العربي وبطل من أبطال الكلمة والحرف والأوزان الشعرية.
كيف لا وأنا أقف أمام فارس من فرسان شـعر المقاومة الفلسطينية شاعرنا اليوم هو الشاعر الكبير سميح القاسم ولد وعاش فلسطينيا في الداخل وان كان في الخارج فهو فلسطيني مقاوم، ( أسس مع محمود درويش مدرسة شعر المقاومـة) عبر قصائدهم الرائعة البطولية وأخذت كلماته بالفعل أي التحمت قصائده ببندقية في مواجهة الاستيطان الصهيوني فكانت كلماته رصاصات بوجه قوة الظلم والاستيطان وكانت رصاصاته أغنية الثوار الأحرار الساعين لتحرير الوطن مـن قوى الشر والضلالة.
إذا كانت الخمسينات والستينات مشحونة بالأحداث الجسام في واقعنا العربي المرير حيث ضياع الأرض والاحتلال وتشريد شعب في مشارق الأرض ومغاربها، إذا كان الواقع كذلك فأن شعرائنا كانوا في خضم الصراع، صراع مع ألذات، صراع مع الواقع، صراعهم مع ألذات هز فيهــم المشاعر والهواجس فولدت قصائدهم تحاكي الواقع وتدعوا للمقاومة والتحرير، صراعهم مع الواقع كان صعبا مأساويا تسيل دمائه كلمات توقد فيهم الصحوة والصمود لغد أفضل يحلم به الشعراء الثوار المقاومون، كانت تسيل فيه كلماتهم أنهار دم تشعل جذوة التحدي لــدى الشعب.
قال عنه مطاوع صفدي.. ( كـان سميح لا يثني يقرأ التجربة ويعيد... ويحاول من قصيدة إلى قصيدة، أن يضمن الأبعاد كلها، وان يتجاوز العمل في شعرنا المعاصر، ليأتي بمعطيات جديدة لشعر جماهيري، يمكن قراءته بدون جماهير، ويمكـن للجماهير كلها كذلك أن تردده كنشـيد واحد متحد الإيقاع والظـل والصدى ).
حين تقرأ عزيزي القارئ ديوان الشاعر العمـلاق سميح القاسم تجده مشحونا بأحداث الأمة العربيـــة من النكبة إلى النكسة، بل تأريخ الأحداث العربيــة كلها تجده قصائد بين ضفتي ديوانه الشعري.
كان الحدث عند سميح القاسم مسألة مهمة سـواء كان وطنيا أو قوميا أو رثاء أو استذكارا لمواقــف الأبطال والبطلات من امة العرب، نظم الشعر فــي شخوص وفي مدن عربية ولم تحده الحـدود المصطنعة بين الأرض العربية، كان الحدث يهــز وجدانه ويحرك مشاعره لتصير القصيدة فتوثقـــه، وحدثنا اليوم عزيزي القارئ هو نكسة الخامس من حزيران عام 1967 هذا الحدث المشؤوم الذي جسد عنصرية الصهيونية وساديتها وحبها لســـفك الدماء والدمار والاحتلال وجسد من الجهة الأخرى ضعف الحكام العرب وجيوشهم رغم كل ما يمتلك العرب من مقومات الصمود والنصر ( العمق السوقي للأرض العربية، التكامل الاقتصادي، البترول، الشعب العربي بملاينه، والاهم مـن ذلك هو الإسلام دين الحق والجهاد )، لذلك ترى في ديوانه أكثر من قصيدة تتحدث عن النكسة في حزيران 1967 وكأنها أصبحت زاده اليومي الــذي يقتات عليه، أو كانت هاجسه المستمر لإرساء شعر المقاومة الفلسطينية.
إذن الحدث هو النكسـة والقصيدة تتحدث عن النكسة، فماذا سأختار مـن قصائده عن تلك النكسة، أية واحدة اختار ولو كان لي متسع من المساحة لذكرت كل قصائد تلك النكسة عند سميح القاسم لتعرف مأساة شـاعر مقاوم أضاع وطن وأضاع ارض وأضاع عـرض وأصيب بالنكسة.
وقصيدتنا اليوم عنوانها ( في الخامس حزيـران )
في الخامس ،
من شهر حزيران الماضي
أرجعنا للموت حقائبه الدبلوماسية
في الخامس،
من شهر حزيران الماضي
جردنا الريح الغربية
من كل الأوسمة المطلية
بدماء الأطفال وعار الأنقاض
في الخامس،
من شهر حزيران الماضي
ظلت أبار النفط العربية
ظلت تتدفق عبر الأرض العربية
لبلاد الريح الغربية
في الخامس،
من شهر حزيران الماضي
لا ابكي
لا اضحك
هذه أحدى قصائده تجسد النكسة والضعف العربــي وفي الوقت الذي يذبح فيه شعبنا العربي وتسيل دمائه انهارا يتدفق البترول العربي للدول التي تذبح الشعب العربي كأنهم يقولون للجزار الذي يذبح الشعب خذ بترولنا مصدر قوة لك واذبح به ما شئت من العرب.
وما أشبه اليوم بالبارحة عزيزي القارئ فهـذا شعبنا يقتل في كل مكان في فلسطين والعـراق ولبنان وكل الأقطار ولازال بترولنا يتدفق للقتلة والجزارين، لا للأبطال والمقاومين، فمتى تصحوا يا حكام العرب.
******************** [/size]
عدل سابقا من قبل مؤسس ومدير عام المنتدى في الأحد فبراير 03, 2019 5:34 pm عدل 2 مرات