نازحين بلا حدود
====================
أقسى أنواع المشاعر هى التى تمس الواقع وتكون عارية من كل زيف.. واضحة ,, قوية ..تهزنا كالنخل فى مهب الريح .. رجاء لاتلوموني لتلك السوداوية .. فبحكم عملى شاهدت الكثير من المأسى التى ارهقت روحي ولكن زادتني ايمان بالله..
أعمل طبيبة في (منظمة أطباء بلا حدود )..مهمتنا أن نذهب الى اماكن الكوارث نساعد الناس نعالج المرضى نداوى الجرحى والكثير من المهام.
اليوم كان ميعاد خروجنا لعرض البحر لمساعدة المهاجرين غير الشرعين .. تم تجهيز السفينة ..و لم يكن عددنا كبير فنحن نحاول ترك اكبر مساحه ممكنه على السفينه .. فالاعداد التى نتوقع انقاذها قد تصل للعشرات ..خرجنا كما اعتدنا فى الصباح الباكر ..كنا بالخريف والغيوم السوداء تغطى السماء وتعانق البحر على امتداد النظر ..رحنا نجوب جوانب البحر الابيض المتوسط ننتقل من الحدود المصريه الى الحدود الليبيه ونتسأل متى تنتهي تلك الرحلات الغير شرعيه متى نتخلص من سماسرة الموت ..فنحن نعرف أن المهاجرين يخرجون بقدر ضئيل من البنزين يسمح لهم فقط بالهروب من حدود بلادهم وبعد ان يختفي الشاطىْ يضيعون ..تتقاذفهم الرياح العاتيه والامواج الغاضبه.. حتى وسيلتهم للنجاة هى بوصلة غير دقيقه ..ويحلمون بالوصول الى الشواطىء الآوربية ولكن الكثير منهم لا يعرفون الطريق ..يغرقون او يضلون السبيل الى احد الجزر..ها نحن لنا يومان ولم نصادف أي قارب .. ولكن هذا لا يبعث على التفائل فربما العواصف منعتهم.. فجأة على امتداد البصر شاهدنا قارب يتحرك بعنف.. ورحنا نقترب منه في حرص وخوف عليه فقد نصطدم به فى هذا الجو العاصف.. وشاهدت عدد قليل من الآفراد وقد راحت الرياح تتقاذفنا.. فما بالك بهذا القارب الصغيروقد اصبح كريشة فى مهب الريح .. وفجأة ضربته موجه عاتيه واصبح عاليه سافله .. القينا العوامات.. واصبحت اللأجساد تطفو تاره وتختفى اخرى وقد تلقفهم البحر كوحش ضارى حتى وجدنا بعضهم وقد تعلق بالعوامات ..رحنا نسحبهم وكأنما قرر البحر أن ياخذهم منا راح يشدهم للعمق في صراع ازلى بين الطبيعة والبشر وأستطعنا سحب طفلين يبدو ان والدهم قد ربطهم بالعوامه رفعناهم بشق الانفس وقد تشققت ايدينا ونحن نسحب باستماته ..ورفعنا سيدة فى الثلاثينات يبدو انها الام وكانت فى غيبوبه وطفقنا نحاول أنعاشها.. وهناك على البعد جسد مستسلم لعبث الطبيعه ..لا نعرف الى متى يستمر فى الطفو قبل ان يبتلعه البحر..وتبرع احد الرجال للنزول ..أحكمنا وثاقه.. راح يسبح ليصل الى تلك الأجساد الطافيه وأول ماصادف سيدة كبيرة فربطها بالعوامة وهو لا يعرف اهى على قيد الحياة ام فارقتها.. وصادف رجل و قد اسلم جسده للبحر بعد ان انهكه الصراع مع الموج والريح يصارع للوصول الى جسد طافى لشاب صغير ولكن بلا جدوى ربطنا الرجل ولكنه كان يرفض بقوة ويشير الى الجسد الطافى وحاول ان يخلع العوامه ولكنه اصبح منهك لا يستطيع المقاومه .. حاول زميلنا ان يصل للشاب وتمكن من الامساك به ولكنه لم يتمكن من التشبث به فقد انتزعه الموج من بين يديه كوحش ضارى التقم ضحيته ..ووجدنا طفلين فى القارب وهو يطفو بهم ويرفعهم تاره ويلقيهم اخرى وقد أحكم وثاقهم فى جوانب القارب وقد شارفوا على الهلاك ..انقذناهم والحمد لله ومازلت اسمع حتى اليوم اصوات حشرجاتهم وانينهم يصك أذنى ..وبعد بحث مضني لم نجد المزيد وقد بذل الاطباء جهود مضنية لانقاذهم ..افاق الرجل واول ماسأل عن الشاب فهو ابنه الكبير فى السابعه عشر..اخبرناه بالحقيقة فانفجر باكيا .. وقد جلست السيدة فى الزاوية تبكى بصوت منخفض فقد انهكتها معاناة الغرق وعرفنا أن الاب والام وخمسه من الابناء وامه العجوز واخيه واثنين من أبناء اخيه ولم يتبقى من المجموعه الا الام والاب وثلاثه من الآبناء والجده..وكانما البحر قد اكتفى فقد هدأت الامواج واصبحت صفحة الماء كالزجاج الناعم .. وراحت تهدهد المركب برفق ..ووقفت اراقب ظلمات هذا القبر المتحرك الم يكتفى فهو يبتلع البشر منذ بدأ الخليقه ..أه ما اصعب الحياه فكل يوم استمع الى قصة جديدة تحمل بين طياتها معاناة حقيقيه لبشر كل جريمتهم انهم فى بوؤرة الصراع على السلطه بكل انواعها..
فهؤلاء عائله هربت من نار الحرب الى زمهرير البحر كالمستجير من الرمضاء بالنار ..الام مصريه والاب ليبي وقد انهكتهم الحرب القبليه وكذلك النزعه العنصرية فكل دولة تحمل الآخرى مسئولية ما يحدث فيها ..ويعزون حالة البلاد الى المؤمرات الخارجيه وتجاهلوا الاطماع الداخليه ....لذلك اخذ زوجته وعائلته وتسلل فى جنح الظلام ..اختارو الهروب الى الدول الاروبيه ولكن انتهى بهم المطاف هنا .. قد تحجرت الدمعه فى عيونهم من القهر بعد ان فقدوا الوطن والابناء وضاعت منهم الطريق وفقدوالحياة الكريمه حتى الحلم غرق فى البحر كما غرق زويهم .. واصبح على عاتقنا ان نجد لهم مخيم لنضع تلك العائله المنكوبه فيه.. وما اصعب تلك المخيمات ففيها الكثير من المأسي و الكثير من الكوارث ولكن لهذا حديث اخر..
طبيبه فى منظمة اطباء بلا حدود
ماجى صلاح
====================
أقسى أنواع المشاعر هى التى تمس الواقع وتكون عارية من كل زيف.. واضحة ,, قوية ..تهزنا كالنخل فى مهب الريح .. رجاء لاتلوموني لتلك السوداوية .. فبحكم عملى شاهدت الكثير من المأسى التى ارهقت روحي ولكن زادتني ايمان بالله..
أعمل طبيبة في (منظمة أطباء بلا حدود )..مهمتنا أن نذهب الى اماكن الكوارث نساعد الناس نعالج المرضى نداوى الجرحى والكثير من المهام.
اليوم كان ميعاد خروجنا لعرض البحر لمساعدة المهاجرين غير الشرعين .. تم تجهيز السفينة ..و لم يكن عددنا كبير فنحن نحاول ترك اكبر مساحه ممكنه على السفينه .. فالاعداد التى نتوقع انقاذها قد تصل للعشرات ..خرجنا كما اعتدنا فى الصباح الباكر ..كنا بالخريف والغيوم السوداء تغطى السماء وتعانق البحر على امتداد النظر ..رحنا نجوب جوانب البحر الابيض المتوسط ننتقل من الحدود المصريه الى الحدود الليبيه ونتسأل متى تنتهي تلك الرحلات الغير شرعيه متى نتخلص من سماسرة الموت ..فنحن نعرف أن المهاجرين يخرجون بقدر ضئيل من البنزين يسمح لهم فقط بالهروب من حدود بلادهم وبعد ان يختفي الشاطىْ يضيعون ..تتقاذفهم الرياح العاتيه والامواج الغاضبه.. حتى وسيلتهم للنجاة هى بوصلة غير دقيقه ..ويحلمون بالوصول الى الشواطىء الآوربية ولكن الكثير منهم لا يعرفون الطريق ..يغرقون او يضلون السبيل الى احد الجزر..ها نحن لنا يومان ولم نصادف أي قارب .. ولكن هذا لا يبعث على التفائل فربما العواصف منعتهم.. فجأة على امتداد البصر شاهدنا قارب يتحرك بعنف.. ورحنا نقترب منه في حرص وخوف عليه فقد نصطدم به فى هذا الجو العاصف.. وشاهدت عدد قليل من الآفراد وقد راحت الرياح تتقاذفنا.. فما بالك بهذا القارب الصغيروقد اصبح كريشة فى مهب الريح .. وفجأة ضربته موجه عاتيه واصبح عاليه سافله .. القينا العوامات.. واصبحت اللأجساد تطفو تاره وتختفى اخرى وقد تلقفهم البحر كوحش ضارى حتى وجدنا بعضهم وقد تعلق بالعوامات ..رحنا نسحبهم وكأنما قرر البحر أن ياخذهم منا راح يشدهم للعمق في صراع ازلى بين الطبيعة والبشر وأستطعنا سحب طفلين يبدو ان والدهم قد ربطهم بالعوامه رفعناهم بشق الانفس وقد تشققت ايدينا ونحن نسحب باستماته ..ورفعنا سيدة فى الثلاثينات يبدو انها الام وكانت فى غيبوبه وطفقنا نحاول أنعاشها.. وهناك على البعد جسد مستسلم لعبث الطبيعه ..لا نعرف الى متى يستمر فى الطفو قبل ان يبتلعه البحر..وتبرع احد الرجال للنزول ..أحكمنا وثاقه.. راح يسبح ليصل الى تلك الأجساد الطافيه وأول ماصادف سيدة كبيرة فربطها بالعوامة وهو لا يعرف اهى على قيد الحياة ام فارقتها.. وصادف رجل و قد اسلم جسده للبحر بعد ان انهكه الصراع مع الموج والريح يصارع للوصول الى جسد طافى لشاب صغير ولكن بلا جدوى ربطنا الرجل ولكنه كان يرفض بقوة ويشير الى الجسد الطافى وحاول ان يخلع العوامه ولكنه اصبح منهك لا يستطيع المقاومه .. حاول زميلنا ان يصل للشاب وتمكن من الامساك به ولكنه لم يتمكن من التشبث به فقد انتزعه الموج من بين يديه كوحش ضارى التقم ضحيته ..ووجدنا طفلين فى القارب وهو يطفو بهم ويرفعهم تاره ويلقيهم اخرى وقد أحكم وثاقهم فى جوانب القارب وقد شارفوا على الهلاك ..انقذناهم والحمد لله ومازلت اسمع حتى اليوم اصوات حشرجاتهم وانينهم يصك أذنى ..وبعد بحث مضني لم نجد المزيد وقد بذل الاطباء جهود مضنية لانقاذهم ..افاق الرجل واول ماسأل عن الشاب فهو ابنه الكبير فى السابعه عشر..اخبرناه بالحقيقة فانفجر باكيا .. وقد جلست السيدة فى الزاوية تبكى بصوت منخفض فقد انهكتها معاناة الغرق وعرفنا أن الاب والام وخمسه من الابناء وامه العجوز واخيه واثنين من أبناء اخيه ولم يتبقى من المجموعه الا الام والاب وثلاثه من الآبناء والجده..وكانما البحر قد اكتفى فقد هدأت الامواج واصبحت صفحة الماء كالزجاج الناعم .. وراحت تهدهد المركب برفق ..ووقفت اراقب ظلمات هذا القبر المتحرك الم يكتفى فهو يبتلع البشر منذ بدأ الخليقه ..أه ما اصعب الحياه فكل يوم استمع الى قصة جديدة تحمل بين طياتها معاناة حقيقيه لبشر كل جريمتهم انهم فى بوؤرة الصراع على السلطه بكل انواعها..
فهؤلاء عائله هربت من نار الحرب الى زمهرير البحر كالمستجير من الرمضاء بالنار ..الام مصريه والاب ليبي وقد انهكتهم الحرب القبليه وكذلك النزعه العنصرية فكل دولة تحمل الآخرى مسئولية ما يحدث فيها ..ويعزون حالة البلاد الى المؤمرات الخارجيه وتجاهلوا الاطماع الداخليه ....لذلك اخذ زوجته وعائلته وتسلل فى جنح الظلام ..اختارو الهروب الى الدول الاروبيه ولكن انتهى بهم المطاف هنا .. قد تحجرت الدمعه فى عيونهم من القهر بعد ان فقدوا الوطن والابناء وضاعت منهم الطريق وفقدوالحياة الكريمه حتى الحلم غرق فى البحر كما غرق زويهم .. واصبح على عاتقنا ان نجد لهم مخيم لنضع تلك العائله المنكوبه فيه.. وما اصعب تلك المخيمات ففيها الكثير من المأسي و الكثير من الكوارث ولكن لهذا حديث اخر..
طبيبه فى منظمة اطباء بلا حدود
ماجى صلاح