القلم للثقافة والفنون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
القلم للثقافة والفنون

( قَلمُنا ... ليس ككلِ الأقلامْ ، قَلمُنا ينطقُ ثقافةً وينزفُ صدقاً ويشجع المواهبَ ليخلقَ الإبداعْ )


+17
زوزو
احمد الجبوري
المرشد
ميديا
صباح الجميلي
وميض
اروى
ابو الامجاد
سما بغداد
فرقد اللهيبي
حنان اللهيبية
الحسام
الصارم
يوسف
ابو سعد
ابو ياسر
مؤسس المنتدى
21 مشترك

    كتاب ازهير الكلام / الجزء السادس

    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25948
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    كتاب ازهير الكلام / الجزء السادس  - صفحة 3 Empty كتاب ازهير الكلام / الجزء السادس

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى السبت يناير 08, 2011 2:33 pm

    تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

    الشــعـر نبض الحيـــاة
    النبضة الخامسة:ـــ
                              مع الحادي
    في حلقتنا الأخيرة ارتأيت أن اكتب موضوع قد يختلف عن سابقاته حيث لا أسم لشاعر محدد في هذه المقالة وإنما عنوان لنبضة من نبضات الحياة في الشعر العربي وهذه النبضة هي الحادي وما قيـل عنه عند أهل الدارمي لذلك سترى أبيات من الدارمي لشعراء غير محددين، فما هو الحادي والى أي شيء يرمز ؟ الحادي عند العرب في جزيرتهم هو من يتقدم الركب ويصدح بصوته المرتفع ناشدا ما حفظ من قصائد وأشعار كي يشد أزر العيس التي تسير خلفه ويشد عزيمـة الركبان بعده وبالتالي فهو ينسيهم مسافات الطريق الطويلة وصعوباتها بحدوه المستمر.
    وقد ارتبط بالفراق والبعد والسفر والتفريق بيـن الأحبة حيث تدمع العيون وترتجف القلوب لفـراق الحبيب لحبيبته، وكأن الحادي هو السبب في  ذلك في حين إن السبب هو الزمن ومتغيراته التي أدت بالقوم إلى الرحيل وترك الأحبة يتعذبون وما الحادي إلا رجــل يؤمر فيطيع وحين يستعد القوم إلى الرحيل يأخذ مكانه بينهم ينشد لهم ليخفف عنهم وطأة الطريق هو يعتقد انه يقدم خيرا بذلك، في حين يعتقد من أصابه الألم والفراق أن الحادي سب بلواه.
    وأمام هذه المفارقة بين راضٍ وبين غير راضي، بين الفرح والحزن، بين الابتسامة والدموع في صحراء العرب جسد كل ذلك في دارميات كثيرة والدارمي هو أحد ألوان الشعر واليوم سأذكر هـذه الأبيات لكلا الفريقين.
    الحادي: مابيه صوج صوج ألمشه وياه
               لا مر عله الديران ولا ودع هـواه
             **************
    بالضعن وين تريد ريض يحادي
    هلبت تكول أحباب ظلت تنـــادي
             **************
    يا لحادي وين تريد بضعون الأحباب
    ما تسمع مناداي كلبي تره أنعاب
             **************
    لهواي أخذني وباك ريض يحادي
    ابجي وسواد العين هو الينــــادي
            ***************
    وللأمانة والإنصاف ما كنت لأكتب عن الحادي لــولا فكرة طرقها صديقي الفنان الأستاذ عباس البهادلـي فصغتها بهذا الشكل.
    الخاتمة:ـــ
    اليوم وقد وصلت إلى نهاية المطاف في هــــــــــــذه السلسلة من المقالات " الشعر نبض الحياة " لابــد لي أن أجد تبريرا لاختياراتي فيها ( ما مرتـــــــاح ، النعش ، أتحدى ، يا موت ، الحادي ) هذه النبضــات قد تجسد مفهوما واحدا عند القارئ وهو الحــــــزن والألم والفراق والموت 0
    نعم هي كذلك وهذا ناتج عما يعتمر الصدور مــــــن هموم وألم في عراقنا اليوم حيث القتل الجماعـــــي بمختلف الوسائل والطرق وحيث مأتم الحـــــــــــزن المنتشرة في كل مكان وحيث عصرات المـــــــــوت القابع خلف الجدران 0 لابد أن تضغط على الإنسان وتزيده حزنا وألم لذلك اخترت هذه النبضات لأنني أسعى للتخفيف عن آلامنا وأحزاننا فأنت حين تقــرأ تلك النبضات قد تزيح جزء من هذا الهم المتراكــــم في الصدور تزيحه إلى الخارج لترتاح بعض الشــيء حتى يبزغ فجر جديد في عراقنا فجر الحريـــــــــــة والمساواة والأمان والتوحد فــــــــــــــــي ارض الحضارات 0
             ************************

    9ـــ        رحلة مع عمالقة الشــعـر
    المقدمـــة:ـــ
    في عالم الشعر المترامي الأطراف وبحوره الواسعة التي تستدرج الشعراء وقراء الشعر ومعجبي اللغة العربية كلهم يغرقون في بحر اللغـــة العربية وكلهم يسبحون في بحور الشعر العربـي فهل وصل الجميع إلى بر الأمان؟.
    لا اعتقد ذلك لان للمفردة العربية بل للغة العربية الحية قدرة عاليــة على استيعاب مفردات العصر الحديث وهي مؤهلة دائما للاشتقاق واحتواء متطلبات هذا العصــر فتراها تقف غير عاجزة أمام موجة التحضر العاتية بل ويحتوي جرفيها كافة الموجات كيف لا وهــــــي لغة القرآن، وأمام هذه اللغة وقف الكثير من العلماء والأدباء والشعراء ينهلون معارفهم من معارفها، وســلسلة اليوم هي رحلة مع عمالقة الشعر.. نعم عمالقة في نظم الشعر.. عمالقة في عالم الشعر أبدعوا أيما أبداع وأجادوا أيما أجاده وكان لهم تأثيـر واضح على الشعر العربي عموما.
    الرحلة الأولى:ـــ
                   مع الشاعر عبد المحسن ألكاظمي
    هو عبد المحسن بن محمد بن علي ألكاظمي ولـد عام 1870 م وتوفى عام 1935يكنى أبو المكــارم ويقال إن نسبه ينتهي إلى الأمام موسى الكاظم عليه السلام، تعلم الفارسية بجانب العربية وقـد مارس التجارة مع والده، كان شـاعرنا مولعا بحفظ الشعر والمعروف عنه انه حفظ اثنا عشــر ألف بيتا شعريا من الشعر القديم، تأثر بآراء الأفغاني أيام نفيه من العراق، كان كثير الترحال حيث رحل إلى إيران والهنـد ومصر عام 1911 حتى توفى هناك، وهناك تعرف إلى الشيخ محمد عبده وصحبه مدة طويلـة، أقعده المرض عن مغادرة مصر وقد ذهب بصره، لقب بشاعر البديهة والارتجال وبشاعر العـرب وبشاعر الكفاح الخالد، امتاز شعره بالبداوة لكثرة حفظه الشعر القديم كما امتاز بعذوبة الألفاظ والمعاني حتى صنف على رأس الشعراء شـوقي وحافظ والرصافي والزهاوي، كان شاعر العروبة تغنى بأمجاد العراق والشام ومصر والحجاز، حارب الاستعمار والاستبداد.
    ومن صفاته في الشعر متانة التعبير وقوة المعنـى وشحذ الهمم والابتعاد عن المدح ، كان في شـــعره ثورية هائجة وكان يرتجل أكثر من خمسين بيتـا دون أي ركاكة أو ضعف درس في الحلقات الدينيــة في الكاظمية والنجف وكان يعتمر العمامة.
    له ديوان مطبوع الجزء الأول 1940 والثاني 1948 والثالث والرابع عام 1987 وله عراقيــات ألكاظمي 1960 ومعلقات ألكاظمي 1924 ومن مؤلفاته البيان الصادق في كشف الحقائق وتنبيه الغافلين، هذا هو احد شعراء العراق والعرب والإسلام شـاعر تمكن من المفردة وصاغها شعرا، شاعر قـارع الظلم والجور والاستعمار والاستبداد بكل شموخ العراقي الأبي فهل يرعوي شعراء اليوم وينهجـوا نهجه وألان مع مقطع من أحدى قصائده

    لا يصدق السيف ما لم تصدق الهمم
                  بالساعد الفتل يمضي الصارم الحزم
    الدهر يخفض من علوائه رهب
                        إن جال ذو همة أو صال معتزم
    وأتعس الخلق في حاليه ذو أدب
                      يسعى إلى محوه الإملاق والسقم
    هل هناك اصدق مما قاله ألكاظمي في هذه القصيـدة حيث تعبر عن وقفة العز والمجد لمن يحمل السيـف وبصدق الهمم ليحقق لشعبه الطمأنينة والتحرر من كل القيود وهل هناك اصدق من دعوته للتحرر مــن الاستعمار والجور بحمل السلاح وصدق النوايـا والهمم فهل يعي رجال اليوم الدرس ليحملـوا سلاحهم بوجه الاحتلال.

             **********************




    رحلة مع عمالقة الشــعـر
    الرحلة الثانية:ــ
                   مع الشاعر معروف الرصافي
    هو معروف عبد الغني البغدادي الرصافي ولد عــام 1877 م وتوفى عام 1945 م شاعر العراق في عصره ومن أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق، أصله من عشيرة الجبارة في كركـوك ويقال أنها علوية النسب ولد في بغداد ونشأ بها في الرصافة، تلقى دروسه الابتدائية في المدرسة الرشيدية العسكرية ولم يحرز شهادتها، وتتلمذ لمحمود شكري الالوسي في علوم العربية وغيرها زهاء عشر سنوات ،اشتغل بالتعليم ونظم أروع قصائده في الاجتماع والثورة على الظلم قبل الدستور العثماني.
    رحل بعد الدستور إلى الآستانة فعين معلما في المدرسة الملكية، انتخب نائبا عن لواء ( المنتفق)
    في مجلس المبعوثان العثماني، انتقل بعد الحرب العالمية الأولى إلى دمشق سـنة 1918م ورحل الى القدس وعين مدرسـا للأدب العربي في دار المعلمين بالقدس، أصدر جريـدة الأمل يومية سنة 1923 فعاشت اقل من ثلاثـة اشهر، انتخب في مجلس النواب في بغداد.
    زار مصر سنة 1936، وحين قامت ثورة رشـــيد عالي الكيلاني ببغداد كان احد خطبائها،  توفى في بغداد عام 1945 ولم يكن يملك شي غيـر غرفة في احد البيوت فيها مكتبته وخادمه.
    كان مقارعا للاستعمار بقصائده وخطبه وحسـبه قصيدته ( علم ودستور ومجلس أمة... الـخ ) لا تزال خالدة في ذاكرة العراقيين وكأنه قد نظمها اليوم في ظل الاحتلال البغيض للعراق، انه رمز العراق وطود شامخ في الشعر والأدب، لازال تمثاله يجسد شموخ الرصافي وشموخ بغــداد التي خلدها بقصائده، شاعرنا عركته الدنيا كمـا عركته اللغة بمفرداتها فأنتصر على الدنيا بصبره وانتصر للغة بشعره الرائع الجميل، بطل الكلمة والموقف وفارس اللغة والشعر له كتب منها ( ديوان الرصافي، دفع الهجنة، محاضرات في الادب العربي ) وغيرها الكثير.
    وألان مع قصيدة ( بغداد حسبك رقدة وسبات )
    بغداد حسبك رقدة وسبات
                          أو ما تحضنك هذه النكبات
    ولعت بك الأحداث حتى أصبحت
                           أدواء خطبك مالهن أساة
    قلب الزمان أليك ظهر يحنه
                           أ فكان عندك للزمان ثرات
    ومن العجائب أن يمسك ضره
                             من حيث ينفع لو رعتك رعاة
    إلى أن يصل في نهايتها قائـلا...
    تمضي الشهور وهي أنيسة
                           وتمر باسمة بك الساعات
    ماذا دهاك من الهون فأصبحت
                          أثار عزك وهي منطمسات
    قد ضيعت بغداد صادق عزها
                  وغدت تجيش بصدرها الحسرات
    كم قد رماها السيل من أنهاره
                              ضرا وهن منافع الحياة  
    واليوم قلت بجانبها أرخو
                       دفق السيول فماجت ألازمات
    صدقت أيها الرصافي القول وكأنك تعيش أيامي هذه صدقت والله بقصيدتك فقد ضاعت أمجاد بغداد حيـن دنسها المحتل ولم تضيع بغداد ذاتها لان فيها أبطال يقارعون الاحتلال ويواجهون التحدي بصدق المبادئ والنوايا.

           **********************



    رحلة مع عمالقة الشــعـر
    الرحلة الثالثة:ـــ
                مع الشاعر جميل صدقي الزهاوي
    هو جميل صدقي بن محمد فيض بن الملا احمد بابان الزهاوي، ينتسب إلى قبيلة بابان الكردية في جنوب كردستان ولهذه القبيلة شأن كبير في التأريخ ولد عام 1863 م وتوفى عام 1936 م شاعر وفيلسوف عراقي كردي أصيل نظم الشـعر بالعربية والفارسية منذ نعـومة أظافره، ويعد واحدا من ابرز رواد اليقظة الفكرية في العراق اتسم أسلوبه بالتطوير والتجديد تعبيرا عن مجريات الحياة الواقعية وما تختلجه النفوس، ( تألق الشعر وهو يتغلغل فلسفيا في تصانيفـه معبرا عن فكر بعض الآيات القرآنية على يـد الشاعر جميل صدقي الزهاوي فراح يربط بيـن مفردتي الدنيا والدين ).
    وكغيره من الشعراء الفلاسفة وضف ثقافته الشعرية واللغوية من اجل خدمة المجتمع دون المساس بالدين وتشريعاته ودون المساس بالعقيدة الإسلامية، حين كان يدعوا إلى التحرر من قيـــود العبودية والاضطهاد وخاصة اضطهاد المرآة، كان يرى الحياة سائرة إلى التطور وهو بذلك عليه أن يساهم في عملية التطور هذه من خلال دعواته عبر أشعاره إلى التحرر والتمرد على القيود.
    لقد أحب شعراء الشرق جميل صدقي الزهاوي ولـم يفوتوا فرصة لإظهار إعجابهم به فكرا وشعرا وفلسفة وشخصية أيضا، وهو لذلك متفائل رغم ما أحاط به من متاعب، له مؤلفات كثيرة وديـوان شعري مطبوع، نظم الكثير في مجالات الشعر واليوم سنأخذ جزء من قصيدة له نظمت لأم كلثــوم المطربة المصرية المعروفة.
    الفن روض أنيق غير مسئوم وأنت بلبله، يا أم كلثومِ  لا أنت أخر من غنى بقافية لحنا يرجعه من بعد ترنيمِ
    لممت شمل ألاغاني بعد تفرقه لها،فلم يبقى شمل غير ملمومِ
    يا أم كلثوم، أنا شاكرين فقد أتيت طائرة فوق القشاعيمِ
    هل أنت سامعة شعرا أنت به يا أم كلثوم ـــ وتكريمي
    يا أم كلثوم، غني ، فالهوى نغم فلذة الشيب والشباب كلهموا
    غني وغني على الأوتار صادحة فإنما بالأغاني تنهض الأمم
    من اجل صوت رخيم منك يسمعه يا أم كلثوم جاء الجميع مزدحمُ

    نعم أيها الزهاوي لقد أعطيت المرآة المغـنية المطربة حقها في قصيدتك تلك كما أعطيت للوطـــن العربي والعراق ازاهير كلماتك شعرا وفكرا نيـرا لازال يذكر مآثرك أبناء العراق ويذكر مواقفك الجليلة في حياته العامة أيها الشاعر الفيلسـوف المفكر لك منا كل العرفان بما أتحفتنا من قصائـد وأفكار.  
    الخاتمة :ـــ
    في هذه الرحلة عزيزي القارئ نأتي على ختام سلسلة مقالات رحلة مع عمالقة الشعر حيث وضعنا رحالنا في ثلاث محطات مع ثلاثة عمالقة من عمالقة شعرائنا هم الشاعر عبد المحسن ألكاظمي والشاعر معروف الرصافي والشاعر جميل صدقي الزهاوي ، فهل هم فقط عمالقة شعرائنا؟. الجواب كلا هناك عمالقة آخرين لم تسمح لي الفرصة للكتابة عنهم في هذه السلسلة لكنني فضلت هؤلاء الشعراء في مقالاتي على أمل أن أجد متسع أخر للكتابة عن الآخرين، فعمالقة شعرائنا أقف عاجز أمامهم بل أقف قزما أمامهم لان كلماتي لا تستوعب قدراتهم وإبداعهم فلا أشكل سوى حرف من أحدى قصائدهم فما أعظم تلك القصائد.
    هؤلاء العمالقة هم ليسوا شعراء فحسب بل بناة حضارة وتاريخ ودولة، حين هزت قصائدهم وجدان الشعب العراقي في عصرهم كما لازالت تهز وجداننا اليوم وكأن قصائدهم نظمت لتحاكي واقعنـا الحالي حيث الاحتلال والظلم والجور والتعـسف وبراكين الدم تزكم الأنوف، شعرائنا هم عيون متقدمة لخدمة الشعب والوطــــن وتحذير جموع الناس من سلطة المحتل والمستبـــد كي يرفع الشعب راية التحرير.


          ************************


    الباب الثانــــي


    مقالات في الفـــــــن

    10ـــ    المسرح بين زمانين

    المسرح هذه الكلمة البسيطة في حروفها الكبيـــــرة في معناها، المسرح في زماننا كان له قدسية خاصة وطريقة أداء متفردة وأسلوب يريح المشاهد المتلقي، كان للمسرح في زماننا صومعة مقدسة تؤدى فيها طقوس الأداء والحركة والإلقاء والكلمة المعبرة دون أية ألفاظ جارحة أو جمل منفعلة.  وكنا حين نقف على خشبة المسرح نشعر للوهلــــة الأولى برهبة كبيرة ويعترينا خوف لا يوصف ونحن نواجه الجمهور، كيف لا والمسرح عندنا مدرســـة نتعلم فيها اللياقة واللباقة، والمسرح في زماننـا بكل مسمياته جادا أو كوميديا أو غير ذلك كان مرآة تعكس الذوق والفن والحرفة، وكان المسرح فـــي زماننا عطاء قبل كل شيء نعطيه من وقتنا وصحتنــا وجهدنا ارضاءاً لجمهورنا، نختار قصته وكلماتـــه التي تنسجم مع الذوق العام دون خدش أو لبس.
    وكنا نوصل الفكرة إلى المشاهد دون تكلف أو الدخول في متاهات وكان المشاهد حاضرا معنا فــي كل لحظة من لحظات العمل المسـرحي ( كتابة، حوار، إضاءة، ديكور، موسيقى، حركـات، إخراج ) وكان العرق الذي يخرج منا ونحن نؤدي التمرينات ( البروفات ) هو رصيدنا الذي نضيفه إلى حسابنا فـــــي مـصرف العطاء لا مصــــارف الدينار.  
    ومرت السنين العجاف على مسرحنا ودخله من لا يعلم فيه شيئاً وبدأ يحدد مسارات جديدة للمســرح ولغة تصعب علينا فهمها ، وتحول المسرح بكل أصنافه وأنواعه ( جادا.. كوميديا أو غير ذلـــك )
    تحول إلى مسرح تجاري يحسب فيه الربح والخسارة وكم يحقق من مدخولات إلى أصحابه، بل تفننوا في استقطاب الجمهور لا بالكلمة المعبـرة الصادقة وإنما بالضحك على الذقون، فمن يضحــك على من، هل يضحك المسرحيون على الجمهـور أم يضحك الجمهور على المسرحيين الجدد ( مسرحيوا الدينار ).
    وكانت موجة تكاد تكون شاملة ونادرا ما نجد مسرحية لا يوجد فيها الرقص والغناء وهز الوســـط وربما التـ... ؟.  ونادرا ما نجد مسرحية تخلــوا من الكلمات البذيئة والحركات التي حشرت حشـــرا لغرض الإضحاك، ويدعون أنها الكوميديا وما هـي بكوميديا، وحين أقول نادرا اعني بذلك المســــرح الوطني ومسرح الرشيد وما قدماه من مســـرحيات ملتزمة جادة هادفة لقرأنا على المسرح السلام.
    في زمن العزف والرقص في مسرحيات تلك السنين كان الدينار هو الحكم لا الجمهور بذوقه وتطلعاتـــه إلى فن راقٍ، مقاول يدخل مجال المسرح ليزيـد رصيده .. وتاجر يترك بضاعته ويتاجر بــــأذواق الناس وفنهم ليزيد أرباحه، وفنانون بسبب العــوز المادي وسنين الحصار العجاف ركضوا وراء دنانيرهم وتمكن من شراء إمكانياتهم تجار المسرح المذكورين أنفا.
    وكنا رواد المسرح نبحث عن مسرح الرواد، نبحث عن الأصالة نبحث عن الكلمة المعبرة الرصينة والمسرحية التي نجد فيها نفسنا وكانت الأنظار تتجه إلى المسرح الوطني ومسـرح الرشيد، وفي زحمة العمل والظروف الصعبة التي مر بهــــا عراقنا كاد الوصل بيننا ينقطع، فمعذرة إن تقمصت دور المسرحيين وكتبت نيابــــة عنهم، وللحديث تكملة إن قدر الله ذلك وشاء.

        ***********************



    11ـــ        تجارب مسرحية

    أعود مرة أخرى للكتابة عن المسرح هذا العالـم الفسيح الرحب الذي لا تحده حدود الإبداع مهما بلغت من درجة الإتقان فهل أستطيع الكتابة.. وماذا سأكتب، سأكتب اليوم تحت عنوان تجارب مسرحية معتمــداً على ألذات وسيرتها في هذا المجال ،أعود إلى أعوام السبعينات حيث كنا مجموعة من الطلبـة بتشكل فرقة فنية مسرحية تؤدي أعمالها المسرحيـة على مسارح مختلفة في بغداد الحبيبة وكنا نعتمد على قدراتنا الشخصية وإمكانياتنا البسيطة في أداء هذه العروض، حيث كانت الفرقة الفنية التي تــــم تأسيسها آنذاك من طلبة الإعدادية استحقت بجـدارة صفة الجماهيرية والتي قدمت عروضها المسرحيـة والفنية مبتدئة بمسرح المدرسة المأمونية الابتدائية ثم مسرح إعدادية الاعظمية للبنين ثم مسرح قاعـة النعمان في الاعظمية ثم مسرح كلية العلوم آنذاك حاليا كلية ابن الهيثم، بل انتقلت نصوص مسرحياتها إلى قاعة إعدادية الحريري لبنات ومثلت من قبل طالباتها، وعبــرت هذه النصوص نهر دجلة الخالد لتقدم على مســارح الكرخ في بعض الاعداديات . ترى ما حكاية هذه المسرحيات وهذه الفرق  ممــا لا يخفى عليكم إن الاحتفالات آنذاك كانت بالمناسبات الوطنية والقومية وكنا في العام الدراسي الواحد نقدم عرضين مسرحيين احدهما في النصـــف الأول من العام الدراسي والأخر في النصف الثاني من نفس العام وكنا ندعوا شخصيات مهنية وعوائـل عديدة لحضور هذه الاحتفالات بل وكنا نـوزع بطاقات الحفل بسعر زهيد أيضا على مجموعة مــن المدارس المحيطة بمكان العرض كان المســرح دائما ممتلئ بالجمهور.
    قبل العرض المسرحي بثلاثة أيام تابعت مجمـل أعمال الحفل ولم أجد فيه مسرحية وطنية تداعــــب مشاعر الجمهور حيث كانت مواد العرض آنذاك كوميدية مع مجموعة من الفواصل الغنائية والشعرية، فاضطررت لكتابة أول مسرحية في مساء ذلك اليوم ابتدأت الكتابة في التاسعة  ليلا ولم انتهي منها ألا في الساعة الحادية عشرة والنصـف مساءا فحمدت الله وشكرته لإتمامي العمل، كنت أنا كاتب المسـرحية ومخرجها  وبطـل شخوصها.. وكان اسمها الصرخة تتحدث عـــــن نضال شعبنا العربي في فلسطين المحتلة.

    ( هذه الصورة من مسرحية الصرخة اظهر فيها أنا بالملابس المرقطة )
    كتبت ثانية مسرحية أخرى أسميتها المحامي الفاشل وهي ليست من بنات أفكاري وإنما مستوحاة من أحدى المسرحيات حيث اقتبستهـا وبطريقتي الخاصة في الحوار وكانت مسرحيـة كوميدية، وكتبت ثالث مسرحية بعنوان الأفريقي الثائر حيــث قررت أن تكون مداعبة مشاعر الجمهور ليـس القضية العربية وإنما نضال القارة السوداء أفريقيا ضد العنصرية، حيث كتبتها بثلاثة فصول يتحدث الفصل الأول عن أحوال البيض وعنصريتهم في أفريقيا، والفصل الثاني يتحدث عن اسـتعدادات الثوار الأفارقة وما يلاقونه من تعذيب وقتـل وإذلال من قبل البيض، والفصل الثالث كان يجمع على خشبة المسرح المجموعتين حيث قسمت المسرح بخط وهمي إلى نصفين الأول للعنصريين والثانــــي للثوار الأفارقة.
    واستخدمت الإنارة لإظهار الصورة في الجهة التــي يكون فيها الحوار وكان المشهد واضحا يجسـد موقفين متناقضين، ففي جهة الحوار العنصـري تظهر الأساليب الدموية والوحشية إثناء التحقيـق مع الأسير الأفريقي في حين تظهر الصورة الأخرى حسن المعاملة ومراعاة الأخلاق إثناء التحقيق مع الأسير العنصري، وأخيرا تصل المسرحية إلى نهايتها حيث تتصاعـــد فيها وتيرة الأحداث ويقوم الثوار الأفارقة بمهاجمة أوكار العنصريين ومعسكرهم ويحققون الانتصار ويسقط بطل المسرحية شهيدا مضرجا بدمه فيحمله رفاق السلاح على أكتافهم ويدورون به على خشبة المسرح ينشدون قصيدة شـعرية يقول مطلعها ( هذه إفريقيتي لي ) وهم يرفعون علم أفريقيا المحررة.
    في كل هذه العروض المسرحية لم يكن منفـذي العمل المسرحي والمشرفين عليه من ذوي الخبــرة في مجال الديكور والإنارة ولا الكتابة والإخراج، وإنما كنا نعتمد على قدراتنا الشخصية في أنجاز هذه الأعمال التي حققت شعبية وجماهيرية واضحة آنذاك ولم يأخذ أعضاء الفرقة المسرحية هـذه فرصتهم في مجال الفن إلا شخص واحد توفرت لـه الظروف المناسبة لذلك، حيث انظم إلى فرقة مسرح الشرطة في الثمانينات ومن ثم دخل عالـم الدراما في تلفزيون العراق عبر مجموعة إعمال ومسلسلات ألا وهو الفنان عامر ألعمري زميـل الدراسة ورفيق رحلة المسرح.
    واليوم قد يسأل سائل أين هذه المسرحيات وأين أنت من المسرح؟. أقول لقد وضعت هذه المسـرحيات على الــرف وتراكم عليها التراب لتقادم السنين ولانشغالنــا بأمور أهم منها وبالتالي نفذت حكم الإعدام بهـا بعود ثقاب وانتهت بحرقها أيام العمر المسـرحي عندي وأنا اليوم أسف لحرقها.
    إما أنا والمسرح فبقيت عاشقا ولهانا أتابع المسرحيات من خشبات مسرح الرشيد والمســــرح الوطني كلما سمحت لي الظروف وكأنني اشـتاق إلى ولدي الغائب حين اشتاق إلى المسرح، قد أفرحنا الجمهور آنذاك كثيرا حينما كنا نـرى ونسمع تشجيعه لنا وفهمنا من ذلك إننا قد نجحنـا في مداعبة مشاعر الجماهير وحاكينا عواطفهـم الوطنية تارة وهواجسهم المنشرحة ابتسامات تـارة أخرى، فيا ليت الشباب يعود مرة أخرى لنداعب مشاعــر الجمهور ثانية عن أحداث الوطن الحبيب في ظـل المتغيرات اليومية بعد الاحتلال إلى يومنا هذا عبــر مسرحيات تشد أزرهم وتقوي عزيمتهم نحو غـد العراق المشرق الواحد.

         *********************



    12ـــ   الفن التشكيلي هموم وطموح

    حين راودتني فكرة الكتابة عن الفن التشكيلي العراقي لم أكن امتلك من أدوات الكتابة عنه شـيء حيث إنني لا افقه شيئا عن الفن التشكيلي وكل مـــا اعرفه هو كتلت الزيت الملونة الجميلة بمختلـف الألوان والموضوعة على القماش المنشى لتحولهــا فرشاة فنان مبدع بعد أن تحركها أنامله إلى لوحـــة فنية جيدة تسر الناظر إليها من حيث التشكيـل والموضوع والبناء،  ( الفن التشكيلي العراقي في صدارة التجارب الفنية في المنطقة ونافذة نطل منها على تجارب الإبداع العراقي ) قاسم ألسبتي.
    كيف سأكتب وماذا سأكتب؟ قادتني الصدفة وأنا متوجه إلى السفارة التركية قادتني إلى قاعة حــوار لصاحبها الفنان المبدع قاسم ألسبتي زميل الطفولـة ورفيق الصبا وبعد تبادل التحايا والحوار القصيــــر بيننا أصبحت لديّ مادة واضحة للكتابة عن هـذا الموضوع فما الذي زودني به هذا الفنان المبدع؟ هذا ما ستعرفه عزيزي القارئ عبر هذا الموضـوع ـــ ما هو واقع الحركة التشكيلية العراقية ألان وما هي المعوقات في ظل الأحداث الدامية التي يعيشها العراق؟.  
    الفن التشكيلي العراقي من التجارب المهمة على مستوى المنطقة وقد برزت أسماء طرزت ســـــماء الفن التشكيلي أمثال ضياء العزاوي، رافع الناصري، علي طالب، سعد ألكعبي، وآخرين ولكن من المؤسف إن معظمهم غادروا ارض الوطن بسبب الإحداث التي مر بها العراق منـذ سنين عدة بعد الاحتلال حلت الكارثة بالوطن والفـن التشكيلي شأنه شأن كل البنى التحتية الماديـة والروحية فأغلقت معظم قاعات العرض أبوابها ( قبل الاحتلال كانت هناك أكثر من عشرين قاعــــة عرض للفنون ) وراحت الأسلاك والمكعبات الإسمنتية تطوقها من كل حدب وصوب وصار الوصول إليها يتطلب صبرا ووقتا وشجاعة فالشوارع مزدحمة بالموت الفجائي والأعيرة النارية الرعناء، وصار روادها يألفون الجلـوس في البيت وتفضيل مواجهة التلفاز على رؤيـة اللوحات.
    ـــ بصفتكم نائبا لرئيس جمعية الفنانين التشــكيلين ألا يمكنكم الحديث عن أنشطتها الداخلية والخارجية؟
    الجمعية شأنها شأن القاعات فقد احتلتها في الأيام الأولى للاحتلال احد الأحزاب وقد أخرجناه منهــــــا بقبضات الأيدي.
    ثم حلت كارثة محطة تعبئة البنزين في المنصــور الملاصقة لنا، حيث قامت هذه المحطة باحتـلال مدخل الجمعية وساحتها لغرض الاتجار الحـرام بمشتقات النفط ، وبعد أللتي واللتيا اعتـذرت وزارة النفط عما حدث وعادت الجمعية تمارس حقها فـــي الحياة الثقافية.
    النشاط الأول للجمعية أقيم على أنقاضها، فبعد إن سـرقها اللصوص وحطمـوا الكثير من محتوياتها دعونا فنانينا المبدعين إلى التحدي ثم عرضنا إعمالنا فوق قطع الزجـاج المتناثرة على أنقاضها، وبعد ذلك دعونا مبدعينا مرة أخرى لتصميم طائرات ورقية إلى يتامـى دور الأيتام الذين فقدوا ذويهم في الحرب ودعونـا عوائلنا لنقضي معهم وقتا نبيلا ولنزرع البسمـة على شفاههم المحرومة، ثم انتقلت إبداعاتنا إلى دمشق وحلب وبيـروت وعمان، وفتحنا ملف العلاقات مع الجمعيـات والنقابات المتشابهة في كل أنحاء العالم ( ما عــدا إسرائيل ) ونحن خططنا لإقامة اليوبيل الذهبي ودعونا فنانين من الخارج والداخل ورافقته عروضا في الموسيقى والنقد وصدور مطبوعات تخص الفن التشكيلي.
    ـــ وعنك وعن معارضك التي سمعنا عنها؟.
    أقمت معرضا في باريس وقبل أشهر افتتح لي معرض في مدينة تريستا في ايطاليا، والمهــــم إن كاتبة مسرحية إيطالية تستعد لكتابة مسرحية عـــن أحداث العراق مستندة على مقدمة لي كتبتها في الإصدار الخاص عن معرضي، حيث راسلتني عبـر الايميل لتأخذ الموافقة على أدراج هذه الأحداث التي ذكرتها في المسرحية المزمع أقامتها في تريستا مع المعرض خلال الأشهر القادمة.
    وألان عزيزي القارئ بعد هذه الرحلة مع الفـن التشكيلي العراقي وما يحمله من هموم المرحلة وطموح المستقبل ألا يحق لنا كعراقيين أن نمد يـــد العون والمساعدة والدعم، ونتحمل شظايا المـوت ودخان الانفجارات وزحمة الطرق لكي نتواصل مع هذا الفن الرائع الجميل عبر زياراتنا لقاعات العرض، ألا يحق لنا كعراقيين أن ندعوا كافة المسؤلين في وزارة الثقافة العراقية أن تدعم هـــذا الفن الرائع لكي تنهض جمعية الفنانين التشكيليـــن بمسؤولياتها الجسام خدمة لهذا الفن وحفاظا علـــى موقع العراق المتميز في صدارة التجارب الفنية في المنطقة.                                          
                                         2006


    عدل سابقا من قبل مؤسس ومدير عام المنتدى في الإثنين فبراير 04, 2019 2:17 pm عدل 3 مرات
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25948
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    كتاب ازهير الكلام / الجزء السادس  - صفحة 3 Empty رد: كتاب ازهير الكلام / الجزء السادس

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الأربعاء فبراير 13, 2013 12:21 pm

    شكرا للمرور
    المرشد
    المرشد
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد المساهمات : 132
    نقاط : 5197
    السٌّمعَة : 13
    تاريخ التسجيل : 29/06/2010

    كتاب ازهير الكلام / الجزء السادس  - صفحة 3 Empty رد: كتاب ازهير الكلام / الجزء السادس

    مُساهمة من طرف المرشد الجمعة أبريل 25, 2014 10:59 am

    مقالات ولا اروع
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5250
    نقاط : 25948
    السٌّمعَة : 746
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    67
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    كتاب ازهير الكلام / الجزء السادس  - صفحة 3 Empty رد: كتاب ازهير الكلام / الجزء السادس

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الأحد مايو 18, 2014 9:43 am

    شكرا المرشد

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 6:09 pm