الحذاء الزهري
طرق العيد على الأبواب، البيوت تعج برائحة المحلب، وأقراص العيد تتحمر على صبرنا الذي نفذ.
أمي وجاراتنا يحتللن باحة الدار، وهنَّ كالمكوك حركة لاتهدأ، عجن وتقريص وشواء، وأحاديث وضحكات، ومشاريع لعطلة العيد تذهب بالوقت والتعب، ويمضي النهار دون أن تشعرن به.
أمي مشغولة جداً لدرجة أنها نست أن تذّكر عمتي بضرورة شراء حذاء لي، فعندما نزلنا السوق اشترينا كل لوازم العيد، من ثياب لي ولإخوتي، إلا حذائي الذي أصررت أن يكون زهرياً.
من الصباح وأنا ألف وأدور حولها أذكّرها به بين الفينة والأخرى، وهي التي وعدتني أن تكلم عمتي الصغرى لتأخذني معها لدكان أبي مصطفى لتشتري لي حذاء.
_ ماما عمتي لم تأتي بعد أريد أن أشتري الحذاء؟
_ أووووه يا ماما نسيت أن أكلم عمتكِ. أمس اتفقت معها، اذهبي وكلّميها ،كثرة الأشغال أفقدتني ذاكرتي!؟
أنطُّ فرحةً، وأقطع الصالون بخطوتين إلى الهاتف.
_ ألو ..عمتي متى نذهب لشراء الحذاء.
بضحكة رنانة أجابت
_ خذي نفس ياصغيرة، أنا قادمة جهزي نفسك.
لبست ثيابي بسرعة،وانتظرت عمتي بلهفة،
نسيت رائحة الحلوى، وتجاهلت الأولاد وألعابهم، فغداً العيد ويجب أن أكون بكامل أناقتي.
أخذتني عمتي عبر دروب الضيعة إلى بائع الأحذية الوحيد في ضيعتنا، والواقع في الطرف الغربي منها.
دكان صغير يحتوي على كل شيء أحذية ،ألبسة، سمانة، خضراوات وفواكة، داهمتني الكآبة وذهبت فرحتي أدراج الرياح عند رؤيته.
انشغلت عمتي بالسلام والكلام كعادة أهل الضيعة، وبت أنتظر أملاً ضعيفاً وحلماً بات يتلاشى. في المدينة محلات كثيرة وبضائع معروضة،وأحذية تملأ الرفوف، بألوان سوداء ،بيضاء ، رمادية ،حمراء وكل الألوان. كل محلات المدينة لم يعجبني حذاء ؟ كيف سأجد ضالتي في هذا المكان الذي لا أعرف ماذا أعلق عليه أو ماذا أسميه؟
_ نريد حذاء لهذه الجميلة بادرت عمتي البائع أخيراً.
أخذنا لزاوية من الدكان وبدأ ينبش بين الأحذية عن نمرة مناسبة، وأنا أتضرّع للرب أن أرى خذاءً بلون ٍزهريٍ، كانت عيوني تتنقل بين يدي البائع والعلب كلما أخرج زوج أحذية .
أخيراً برق اللون ككنز وافترّ ثغري عن ابتسامة، ظننتُ أنها لن ترسم على وجهي.
_ عمتي، عمتي هذا الحذاء لونه زهري.
قلّبه البائع بين يديه ونظر إلي متفحصاً وقال: أظنه مقاسها فلتجربه.
أخذته بين يدي وجلست على كرسيّ خشبي واطئ، ودسست رجلي فيه، بدأت فرحتي تخبو، الحذاء ضيق، تسألني عمتي: مناسب مقاسه على رجلك حبيبتي؟
_ ضيق قليلاً عمتي، هل يوجد نمرة أكبر؟
ويمضي الوقت بطيئاً والنتيجة لايوجد ؟
دخلتُ مع عمتي في جدالٍ بيزنطي تساندني دموعي، لاستجرار عطفها.
_ عمتي لا أريد غيره.
_ لكنه ضيق ويؤذي قدميك
_ عمتي أريده، لاعليك عندما ألبسه سيتسع قليلا ًً، هو ليس ضيقاً كثيراً.
أُسقط في يد العمة واستجابت لمطلبي أخيراً. رجعتُ ومعي حذائي الزهري، علائم السرور والغبطة تشع من وجهي، الطريق إلى البيت رغم طوله كان قصيراً لم أشعر به، وقد قضيته وأنا أشرح لعمتي عن مشاريعي للغد وماذا سألبس، وأنواع الحلوى الذي أحب.
في المساء، نمت والحذاء تحت وسادتي، وأحلام الغد تدغدغني، سأكون سندريلا بفستاني الأبيض وحذائي الزهري، ستسرح أمي شعري في جديلة طويلة جميلة، وسأنال أعلى" خرجية " في العيد.
جاء الصباح مزهواً، تراتيل العيد من المذياع، أبي وأمي يحتسيان القهوة على" البرندا" ونحن في سباق الجهوزية، لنبدو بأحلى حلة، لمعايدتهما.
نقف رتلاً من الكبير إلى الصغير أمامهما، نتقدم منهما واحداً واحداً، معايدة مع قبلة وعيدية ثم ننطلق إلي بيت جدي، ثم أعمامي وعماتي، ثم أخوالي وخالاتي، وفي الطريق معايدة الجيران أمر حتمي .
خلص النهار، نطٌّ وشيطنة، وألعاب، وجاء المساء لأرى قدميَّ متورمة وحمراء، ألم ممضٍ طوال الليل، رغم مغاطس الماء لقدميّ وأمي غير مصدقة كيف تحملت كل هذا الألم، لأجل حذاء زهري؟ تحلف وتغلظ الأيمان بحرماني من لبس الحذاء مرةً أخرى.
انتهت
بقلمي فريزة محمد سلمان/ سورية
طرق العيد على الأبواب، البيوت تعج برائحة المحلب، وأقراص العيد تتحمر على صبرنا الذي نفذ.
أمي وجاراتنا يحتللن باحة الدار، وهنَّ كالمكوك حركة لاتهدأ، عجن وتقريص وشواء، وأحاديث وضحكات، ومشاريع لعطلة العيد تذهب بالوقت والتعب، ويمضي النهار دون أن تشعرن به.
أمي مشغولة جداً لدرجة أنها نست أن تذّكر عمتي بضرورة شراء حذاء لي، فعندما نزلنا السوق اشترينا كل لوازم العيد، من ثياب لي ولإخوتي، إلا حذائي الذي أصررت أن يكون زهرياً.
من الصباح وأنا ألف وأدور حولها أذكّرها به بين الفينة والأخرى، وهي التي وعدتني أن تكلم عمتي الصغرى لتأخذني معها لدكان أبي مصطفى لتشتري لي حذاء.
_ ماما عمتي لم تأتي بعد أريد أن أشتري الحذاء؟
_ أووووه يا ماما نسيت أن أكلم عمتكِ. أمس اتفقت معها، اذهبي وكلّميها ،كثرة الأشغال أفقدتني ذاكرتي!؟
أنطُّ فرحةً، وأقطع الصالون بخطوتين إلى الهاتف.
_ ألو ..عمتي متى نذهب لشراء الحذاء.
بضحكة رنانة أجابت
_ خذي نفس ياصغيرة، أنا قادمة جهزي نفسك.
لبست ثيابي بسرعة،وانتظرت عمتي بلهفة،
نسيت رائحة الحلوى، وتجاهلت الأولاد وألعابهم، فغداً العيد ويجب أن أكون بكامل أناقتي.
أخذتني عمتي عبر دروب الضيعة إلى بائع الأحذية الوحيد في ضيعتنا، والواقع في الطرف الغربي منها.
دكان صغير يحتوي على كل شيء أحذية ،ألبسة، سمانة، خضراوات وفواكة، داهمتني الكآبة وذهبت فرحتي أدراج الرياح عند رؤيته.
انشغلت عمتي بالسلام والكلام كعادة أهل الضيعة، وبت أنتظر أملاً ضعيفاً وحلماً بات يتلاشى. في المدينة محلات كثيرة وبضائع معروضة،وأحذية تملأ الرفوف، بألوان سوداء ،بيضاء ، رمادية ،حمراء وكل الألوان. كل محلات المدينة لم يعجبني حذاء ؟ كيف سأجد ضالتي في هذا المكان الذي لا أعرف ماذا أعلق عليه أو ماذا أسميه؟
_ نريد حذاء لهذه الجميلة بادرت عمتي البائع أخيراً.
أخذنا لزاوية من الدكان وبدأ ينبش بين الأحذية عن نمرة مناسبة، وأنا أتضرّع للرب أن أرى خذاءً بلون ٍزهريٍ، كانت عيوني تتنقل بين يدي البائع والعلب كلما أخرج زوج أحذية .
أخيراً برق اللون ككنز وافترّ ثغري عن ابتسامة، ظننتُ أنها لن ترسم على وجهي.
_ عمتي، عمتي هذا الحذاء لونه زهري.
قلّبه البائع بين يديه ونظر إلي متفحصاً وقال: أظنه مقاسها فلتجربه.
أخذته بين يدي وجلست على كرسيّ خشبي واطئ، ودسست رجلي فيه، بدأت فرحتي تخبو، الحذاء ضيق، تسألني عمتي: مناسب مقاسه على رجلك حبيبتي؟
_ ضيق قليلاً عمتي، هل يوجد نمرة أكبر؟
ويمضي الوقت بطيئاً والنتيجة لايوجد ؟
دخلتُ مع عمتي في جدالٍ بيزنطي تساندني دموعي، لاستجرار عطفها.
_ عمتي لا أريد غيره.
_ لكنه ضيق ويؤذي قدميك
_ عمتي أريده، لاعليك عندما ألبسه سيتسع قليلا ًً، هو ليس ضيقاً كثيراً.
أُسقط في يد العمة واستجابت لمطلبي أخيراً. رجعتُ ومعي حذائي الزهري، علائم السرور والغبطة تشع من وجهي، الطريق إلى البيت رغم طوله كان قصيراً لم أشعر به، وقد قضيته وأنا أشرح لعمتي عن مشاريعي للغد وماذا سألبس، وأنواع الحلوى الذي أحب.
في المساء، نمت والحذاء تحت وسادتي، وأحلام الغد تدغدغني، سأكون سندريلا بفستاني الأبيض وحذائي الزهري، ستسرح أمي شعري في جديلة طويلة جميلة، وسأنال أعلى" خرجية " في العيد.
جاء الصباح مزهواً، تراتيل العيد من المذياع، أبي وأمي يحتسيان القهوة على" البرندا" ونحن في سباق الجهوزية، لنبدو بأحلى حلة، لمعايدتهما.
نقف رتلاً من الكبير إلى الصغير أمامهما، نتقدم منهما واحداً واحداً، معايدة مع قبلة وعيدية ثم ننطلق إلي بيت جدي، ثم أعمامي وعماتي، ثم أخوالي وخالاتي، وفي الطريق معايدة الجيران أمر حتمي .
خلص النهار، نطٌّ وشيطنة، وألعاب، وجاء المساء لأرى قدميَّ متورمة وحمراء، ألم ممضٍ طوال الليل، رغم مغاطس الماء لقدميّ وأمي غير مصدقة كيف تحملت كل هذا الألم، لأجل حذاء زهري؟ تحلف وتغلظ الأيمان بحرماني من لبس الحذاء مرةً أخرى.
انتهت
بقلمي فريزة محمد سلمان/ سورية