أمير الجوزة شعوبي إبراهيم
شخصية أدبية وعلم من أعلام الفن والموسيقى التراثية وواحد من الذين عشقوا المقام العراقي الأصيل ومن الذين خدموا هذا الفن التراثي الجميل، والذي تتلمذ على يديه عدد من العازفين والفنانين ، ذلك هو المرحوم الشاعر الفنان والإنسان أحمد شعيب إبراهيم والمعروف بإسم شعوبي.إسمه ونسبه:
أسمه الكامل هو أحمد شعيب إبراهيم خليل اسماعيل نوش العبيدي الأعظمي والمعروف بإسم شعوبي ، ولد عام 1925 في محلة الشيوخ في الأعظمية ، حيث الموالد والمناقب النبوية والجو الشعبي الفني والساحة الرحبة من ساحات المقام العراقي . نشأ عصاميا مكافحا في عائلة متوسطة مثله مثل سائر العائلات العراقية المعروفة ، وترعرع في تلك الأجواء النقية البسيطة . ويرجع نسبه إلى عشيرة العبيد وهي من العشائر العربية العراقية المعروفة والتي تنتمي إلى عشائر زبيد من القبائل القحطانية.
هواياته:
من هواياته السباحة والنجارة وصناعة الزوارق والموسيقى والمقام العراقي ، وهو في الإبتدائية صنع أول آلة موسيقية له وهي الناي ، وتعلم العزف عليه ، وكان يعزف وهو يتجول في أزقة محلته حتى أصبح الناس تعرفه من عزفه ، وتعلم صناعة آلة الربابة والعزف عليها من مراقبته رجال الغجر الذين كانوا يطوفون أزقة بغداد أيام الأعياد يغنون أمام البيوت مادحين أهلها.
نشاطاته ومسيرته الوظيفية:
في بداية الأربعينات عين في دار الإذاعة ، ثم عمل في الفرقة الموسيقية فيها. وفي عام 1949 التحق بمعهد الفنون الجميلة / القسم المسائي / وتخرج فيه عام 1952 حيث درس آلة القانون ، ثم تحول الى الكمان الذي درسه على يد الأستاذ جميل بشير، وبعد تخرجه من معهد الفنون الجميلة / القسم المسائي التحق في المعهد المذكور / القسم الصباحي / إعداد المعلمين ودرس العود على يد الأساتذة يعقوب يوسف وجميل سليم وغانم حداد.
لقد تعلم شعوبي العزف على آلة الجوزة وكان يصنعها بيده ، فكان أول صانع لهذه الآلة ولشدة عشقه للجوزة جاهد لتعلم العزف عليها بنفسه حيث لم يكن هناك مدرسون لها.
كما اسس وفي بداية الخمسينات أول فرقة للجالغي البغدادي ، ومع بداية فرقة الجالغي البغدادي كانت بداية الفنان شعوبي إبراهيم مع الجوزة والمقام العراقي عزفا وأداءا ، فكان بحق أمير الجوزة وأسطى المقام العراقي كما كان يلقبه ويسميه الفنان الراحل منير بشير.
وفي عام 1960 وللمرة الثالثة دخل شعوبي معهد الفنون الجميلة ولكن هذه المرة مدرسا لتدريس ألة الجوزة. وعندما افتتح معهد الدراسات النغمية العراقي عام 1970 في الوزيرية ، والذي اصبح اسمه فيما بعد (معهد الدراسات الموسيقية)، التحق به شعوبي ابراهيم مؤسسا واستاذا للجوزة والمقام فيه. وكان الأستاذ الوحيد لهاتين المادتين في حينه فتخرج على يده عدد من العازفين الجيدين.
شخصيته:
يتميز شعوبي ابراهيم بشخصية بسيطة طيبة متواضعة مرحة هادئة ، يحب معاونة الصغير والكبير، ويحب المرح والنكته ويرويها حتى وان كانت على نفسه، وربما البعض منا لا يعرف بانه يعتبر واحدا من ظرفاء بغداد وان طرفه ومداعباته الكثيرة والمتميزة مشهورة حتى انها تسمى بالشعوبيات نسبة اليه، كما ان سهراته مع رفاقه وأهل محلته لا تزال راسخة في الأذهان يتذكرها الأهل والأصحاب فتعلوا الأبتسامة وجوههم فيرونه بينهم بوجهه الضحوك الهادئ ثم يذكرون رحيله عنهم فيترحمون عليه والأسى يعلو الوجوه.
فنه:
يتميز فن شعوبي ابراهيم في طريقة عزفه على الجوزة فهي طريقة كلاسيكية قديمة مأخوذة عن عراقيته الصميمة في إداء المقامات العراقية عزفا وأداء بطريقة لا مثيل لها حاليا. فهو قريب جدا للحقيقة التراثية ومواكب لروح العصر المتغير والمتجدد دائما، فأضاف الحداثة إلى قواعد وأصول المقام العراقي من غير أن ينقص من قيمة المقام وجماله الأصيل ولا ان يفقده طعمه الخاص المتميز به.
لقد تمكن شعوبي إبراهيم بذكائه وفطنته من دمج مدرسة محمد القبانجي المتطورة والمواكبة لهذا العصر مع مدرسة رشيد القندرجي الملتزم بكل قواعد وأصول المقام العراقي ، ونرى ذلك بكل وضوح في أدائه العذب للمقام وهو يلاعب أوتار جوزته ويحتضنها بكل حنان ورقة.
في الأربعينات التقى شعوبي ابراهيم يوسف عمر وشكل معه ثنائيا بديعا منسجما وكان عصرا متميزا بجمال الأداء وعذوبة اللحن، فـأصبحا وحدة فنية متناغمة في فرقة الجالغي البغدادي ، واستمرت هذه العلاقة وهذه الفرقة في تقديم الحفلات والمشاركة في المهرجانات الفنية حتى اعتزال يوسف عمر الفن عام 1984
مشاركاته في المهرجانات الدولية وشهاداته:
لقد زار الفنان شعوبي إبراهيم العديد من بلدان العالم مشاركا في المهرجانات الفنية المقامة فيها مثل طاجكستان، أذربيجان، سوريا، دول الخليج، إيران، تركيا، بلغاريا، النمسا (مهرجان سالسبورغ) فنلندا، مصر، تونس والجزائر وغيرها، وفي عام 1964 شارك شعوبي في مؤتمر الموسيقى العربي الثاني في بغداد.
وفي عام 1976 وفي احتفال فني في قاعة قدمت له دائرة الفنون الموسيقية وساما وشهادة تقديرية لكونه من رواد الموسيقى والغناء في العراق في فترة الأربعينات والخمسينات، كما قدمت له نقابة الفنانين عام 1992 وسام الفن وشهادة تقديرية بمناسبة مرور عام على وفاته لدوره المتميز في إحياء المقام العراقي، وفي فنلندا منحت أكاديمية سيلبوس الفنلندية شعوبي إبراهيم شهادة بروفيسور (غير رسمية) إعترافا منها بفنه وتقديرا لموهبته وعطائه الفني.
إن أقرب الشهادات الى نفس شعوبي وأحبها إليه هي حب الناس له وشهادة عشاق الفن والموسيقى والمقام العراقي ، والتي جسدها فنان العراق الأول غريد الرافدين الراحل محمد القبانجي حيث قال:
(( إن الفنان شعوبي إبراهيم يمتلك الخبرة والعلم والفهم في مجال المقام العراقي مما يجعلني أشهد له بذلك وأعطيه هذه الشهادة)).
مؤلفاته:
لقد كتب شعوبي الكثير وتحدث في الفن كثيرا ولكن مع الأسف لم يحتفظ بما كتب ولم يدون ما تحدث به ، وقد أصبح من الأمور الإعتيادية أن ترى قصاصة ورق أو غلافا لعلبة سكاير مكتوبا عليها شيء من الشعر أو بعض المعلومات الفنية عن المقام أو شيء من التراث، فضاع الكثير ولم يبقى إلا القليل ، ولكن هذا القليل من مؤلفاته على الرغم من قلتها فهو عميق جدا بمعلوماته.
إن كتابه (المقامات) عام 1963 أصبح موسوعة فنية تضم ألوان المقام العراقي ، وكتابه (دليل الأنغام لطلاب المقام) عام 1982، كتاب ثمين وفريد دون فيه جميع المقامات العراقية وعددها أربعون مقاما وقد أرفق معه ستة أشرطة كاسيت مسجل، سجل عليها ويصوته جميع المقامات شارحا أصولها وقواعدها حرصا منه عليها من الضياع والإندثار أو التداخل والتشويه. كما أن له عددا من القصائد وعددا من الأغاني والبستات والزهيريات تأليفا ولحنا وأداء، وما مقام المشتاق الذي ابتكره ووضع أصوله إلا واحدا من إبداعاته.
قصته مع الشعر:
لقد كتب شعوبي إبراهيم الكثير من القصائد الشعبية والموالات البغدادية والزهيريات، كما نظم الشعر العمودي باللغة الفصحى بحكم إجادته لقواعد اللغة العربية ، ومذ كان طالبا في المرحلة المتوسطة حيث كان يكتب ناقدا وناصحا بإسلوبه الجاد والظريف، وكان أول من كتب المنلوجات المدرسية ناقدا الطالب الكسول ومداعباته للدروس واساتذتها وقوله عن الطالب الكسلان :
الكسلان هذا حاله .... ما تتبدل أحواله
راسب بكل أقواله .... بالصف دماغه امطشر
ومداعباته لدرس الجبر حيث قال:راسب بكل أقواله .... بالصف دماغه امطشر
عمي يا استاذ الجبر .... درسك يتعب الفكر
سين صاد تحت الجذر .... درسك اشويه اختصر
وفاته:سين صاد تحت الجذر .... درسك اشويه اختصر
لقد عانى شعوبي ابراهيم من داء السكر الشيء الكثير حتى تسبب هذا المرض اللعين بفقده بصره وعاش سنين عديدة حبيس هذه الحالة، وقد اشتد عليه المرض عندما اصيب بالكسر في عظم الفخذ فتدهورت صحته أكثر ولم يكن له من أنيس في وحدته سوى جوزته التي رافقته سنين حياته فكان يناغيها وتناغيه ، ويتوكأ عليها في محنته، يحتضنها برفق وتحتضنه بحنان وهو على فراش المرض ، حتى كان فجر يوم الإثنين التاسع من أيلول عام 1991 حيث توقف ذلك القلب الكبير عن نبضه ، وتوفى الأستاذ الكبير والمعلم والفنان والأنسان شعوبي إبراهيم عن عمر يبلغ الخامسة والستين عاما.
لقد تلقت الأوساط الفنية نبأ وفاته بحزن وأسف شديدين ، وبوفاته فقد الفن واحدا من أعمدته وعلما من أعلامه وبذلك تطوى صفحة من اروع صفحات إنسان ضحى بالكثير وعاش للآخرين تاركا وراءه أعمالا رائعة ستعيش مع كل إنسان أحب المقام وعشقه.
رحم الله شعوبي إبراهيم وأسكنه فسيح جناته ، فذكراه ما غابت عن محبيه أبدا، وإني لأذكر إذ أذكر يوم زرته عائدا قبل أسابيع من وفاته ، وفي يدي قصيدة كتبتها بمناسبة ذكرى ميلاد إبنتي لناقشني فيها كعادته موجها في الشعر وناصحا ، فوجدته مضطجعا على أريكة في رحبة الدار محتضنا جوزته على صدره يداعب أوتارها فرأيته كأنه يكلمها وتكلمه ، وما حسبت أنه كان يودعها وتودعه.
إن الجديث عن شعوبي إبراهيم لا يمكن أن تغطيه صفحات كتاب أو وقت محدد ولكني في الختام أقول له:
ولو أن دمعي يعيد مغيبا ... لأمطرت عيني شعوب سحبا
ولو لا يحرم ديني نصبا .... إذن لأقمت لذكراك نصبا
صباح الجميلي
ولو لا يحرم ديني نصبا .... إذن لأقمت لذكراك نصبا
صباح الجميلي