تمر بي دائما ذكريات الدراسة في المتوسطة والثانية حيث كان المعلم معلما والمدرس مدرسا وما اقتصرت مهمتهم على التعليم والتدريس فقط بل كانوا فعلا مربين لأجيال رصينة عملت بع انهاء دراساتهم العليا وبنت بلدا مزدهرا وحتى تولى أمر هذا البلد الجريح أناس انعدمت عندهم الدراية والإدارة فحصل ما حصل من جراح لا تزال تنزف ...
وكانت المناهج تربوية تنشأ جيلا يتحلى بالفضائل والحكم وبعيدة عن التطرف والتسييس الذي نلمسه في هذه الأيام السوداء ... معذرة إذ اطلت عليكم واسمحوا لي ان أعود الى ما احب ان اساهم فيه ...
إن تاريخنا العربي والإسلامي زاخر ببديع القصص والحكم وبالرجال الذين بنوا وشيدوا حضارة اصبحت مدرسة ونبراسا للعالم أجمع ... واذكر لكم من هذه الشخصيات واحدا من رجالات العرب والذي اشتهر بحِلمه ودماثة خلقه بالإضافة الى كرمه ورعايته لمعيته وشجاعته وفصاحته ... ذلك هو معن بن زائدة الشيباني وكنيته أبو الوليد ... وادرج لكم جانبا من حياة هذا الرجل الحكيم والتي قرأتها في كتب النصوص والأدب اثناء الدراسة الثانوية ولا تزال عالقة بالذهن لا تبارحه .... وهذه هي قصة معن بن زائدة وحِلمه... آمل أن تعجبكم ....
أتذكر إذ لحافك جلد شاة ...... وإذ نعلاك من جلد البعير
قال معن : أذكر ذلك ولا انساه با أخا العرب.
فقال الأعرابي:
فسبحان الذي أعطاك ملكا ....... وعلمك الجلوس على السرير
فقال معن : سبحانه وتعالى
فقال الأعرابي :
فلست مسلما ما عشت حيا ....... على معن بتسليم الأمير
فقال معن:
إن سلمت رددنا عليك السلام ، وإن تركت فلا ضير عليك (لا ضرر عليك)
فقال الأعرابي:
سأرحل عن بلاد انت فيها ..... ولو جار الزمان على الفقير
فقال معن:
إن أقمت بنا فعلى الرحب والسعة ، وإن رحلت عنا فمصحوبا بالسلامة.
فقال الأعرابي وقد أعياه (أتعبه) حِلم معن:
فجد لي يا ابن ناقصة بمال .... فإني قد عزمت على المسير
فقال معن: أعطوه ألف دينار .
فأخذها الأعرابي وقال:
قليل ما أتيت به وإني ...... لأطمع منك بالمال الكثير
فثن فقد أتاك الملك عفوا ...... بلا عقل ولا رأي منير
فقال معن : أعطوه ألفا ثانيا.
فتقدم الأعرابي إليه وقبل يديه وقال:
سألت الجود أن يبقيك ذخرا ..... فما لك في البرية من نظير
فمنك الجود والأفضال حقا ..... وفيض يديك كالبحر الغزير
فقال معن : أعطيناه على هجوه ألفين ، فاعطوه على مدحنا أربعة آلاف.
فقال الأعرابي: جعلت فداك ، ما فعلت ذلك إلا لمائة بعير جعلت على إغضابك .
فقال معن : لا خوف عليك ، ثم أمر له بمائتي بعير ، نصفها للرهان والنصف الآخر له . فانصرف الأعرابي داعيا شاكرا ...
صباح الجميلي[/center]