أحبائي كادر وأعضاء المنتدى الكرام ..... تحية حب واعتزاز ...
إن اللغة العربية بحر لا قرار له ومهما درسناها وتعمقنا بها نجد انفسنا لا نزال غير ملمين بها .... رحم الله الإمام الشافعي حين قال :
وإذا ما ازددت علماً ... زادني علماً بجهلي
وكيف لا وهي لغة القرآن ، لغة البلاغة والأصالة والإعجاز ...
لقد تحدثنا في الأجزاء الماضية عن بعض الجوانب والتي آمل أن استفاد منها أحبائي في المنتدى ، واليوم سنتطرق لموضوع آخر طالما مرّ عليه القراء مر الكرام ولكن بدون التحليل ومعرفة الأسباب وهو موضوع الخط القياسي والخط غير القياسي ... وبدراسة النصوص الثلاثة التالية سيتم معرفة ذلك بشكل مبسط وواضح ...
النص الأول: من القرآن الكريم ... في سورة لقمان ، وأرجو مراجعة النص كما جاء في القرآن الكريم للتعرف على الرسم القرآني ...
قال الله سبحانه وتعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
*اَلَمْ تَرَ اَنَّ اللهَ يُولِجُ (الَّيْلَ) فىِ النَّهارِ وَيُولِجُ النهارَ فىِ (اليل) وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ كُلٌ (يَجْرىِ) الى اَجَلٍ مُسَمَّى وَاَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبيرٌ * ذلِكَ بِاَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُ وَاَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الباطلُ وَاَنَّ اللهَ هُوَ (العَلِىُّ) الكَبيرُ * اَلَمْ تَرَ اَنَّ الفُلْكَ (تَجْرى) فىِ البحرِ (بِنِعْمَتِ) اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ ايَاتِهِ اِنَّ فى ذلِكَ لَايَاتٍ لِكُلِ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَاِذَا غَشِيَهُمْ موجٌ كالظّلُلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدينَ فَلَمّاَ (نَجّيهُمْ) اِلَى البَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِايَاتِنَا اِلّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ * (يَاءَيُهَا) الناسُ اتَقُوا رَبَّكُمْ واخْشَوا يَوماً لا (يَجْزى) وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُوٌد هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيئاً اِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ (الحيوةُ) الدُّنيَا وَلا يَغُرنَّكُمْ باللهِ الغَرُورُ *
صدق الله العظيم
النص الثاني : حديث للرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) ، يقول :
(( ما جَلَسَ قُوْمٌ في بيتٍ من بيُوتِ الله يَتْلُون كتابَ اللهِ ويَتَدارسُونَهُ بينَهُم ، إلا غَشيَتْهُمُ الرَّحمةُ ، وَنَزَلتْ عليْهمُ السَكيْنَةُ ، وحَفَّتْهُمُ الملائِكَةُ بِأجْنِحَتِها ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فيمَنْ عِنْدَهُ ))
النص الثالث : حِرْصُ المؤْمِنِ ...
يَحْرِصُ المؤمِنُ على عِبادَةِ رَبِّهِ وطاعَتِهِ ، فلا يُقَصِرُ فِيْهِما ، ويَحْرِصُ على طَلَبِ العِلْمِ ليُفيدَ ويَسْتفيدَ ، ويَحْرِصُ على صحَّتِهِ فلا يُعَرِّضُها لِما يضُرُّها ، ويَحْرِصُ على عَمَلِهِ فيجتهِدُ في تَحْسينِهِ وإتقانِهِ ، أمَّا المالُ فإنَّ الحرصَ عليه أنْ يَجْمَعَهُ من سُبُلِ الحَلال ، وأنْ يُنْفِقَهُ في أوجُه الخيرِ ، أمّا أنْ يَمْنَعَهُ عنْ صاحِبِ الحقِّ فيه ، فإنَّ هذا ليسَ من الدِّينِ .
أحبائي لنستعرض النصوص أعلاه ولنلاحظ الكلمات المحصورة بين قوسين في النص الأول – من القرآن الكريم من سورة لقمان – كما لنقرأ الكلمات في النص الثاني – حديث للرسول الكريم – وفي النص الثالث – حرص المؤمن - ...
ففي النصين الثاني والثالث نلاحظ أن هيئات كلماتها قد كتبت بحسب حروف هجائها التي ينطق بها ، بتقدير الإبتداء بالكلمة والوقف عليها ، ونجد أن بعض الكلمات قد حذف منها أو زيد فيها وفق قواعد الإملاء المعروفة ؛ مثل لفظ الجلالة (الله) والكلمات : (ذلك) و (هذا) و (دعوا) و (اتقوا) و (اخشوا) ؛ فقد حذفت (الألف) من لفظ الجلالة (الله) ومن الكلمتين : ذلك وهذا . ولو كتبناها حسب النطق بها ، لكتبناها هكذا : اللاه، ذالك ، هاذا .
أما الكلمات : (دعوا) و (اتقوا) و (اخشوا) ، فقد زيدت (الف) في كل منها ، ولو كتبناها حسب النطق بها لكتبناها هكذا : دعو واتقو واخشو .
وأما الكلمات المحصورة بين قوسين في النص الأول - من القرآن الكريم – وهي ( اليل ، ويجرى ، والعلى ، وتجرى ، وبنعمت ، ونجيهم ، ويجزى ، والحيوة ) ، فإن كلا منها قد رسمت بصورة تخالف النطق بها ، وتخالف قواعد الأملاء التي وضعها المعنيون برسم الخط العربي .
فكلمة (اليل) اكتفى في رسمها بلام واحدة ، وكلمة (يجرى) جاءت الياء الأخيرة فيها غير منقوطة . وكذلك كلمة (العلى) وكلمة (تجرى) وكلمة (يجزى) .
وجاءت التاء في كلمة (بنعمت) مبسوطة أي طويلة . أما كلمة (نجيهم) ، فقد وضعت (الياء) فيه مكان (الألف) . وأما (الحيوة) ، فقد ضعت فيها (الواو) مكان (الألف) .
ولو أردنا أن نكتب هذه الكلمات بحسب حروف هجائها التي ينطق بها ، أو وفق قواعد الأملاء المعروفة لكتبناها كما يلي :
( الليل ، يجري ، العلي ، تجري ، بنعمة ، نجاهم ، يجزي ، الحياة) ، ولكن المعنيين بكتابة القرآن الكريم ، أبقوا هذه الكلمات وغيرها من الكلمات التي يخالف رسمها النطق بها ، ويخالف قواعد الأملاء المعروفة ، أبقوها على الصور التي وجدت مكتوبة بها في المصحف الشريف ، ولذلك سمي (رسم المصحف) .
وكخلاصة فإن الخط نوعان :
1- خط يكون رسم الكلمة فيه حسبما تُنْطَق بها ، بتقدير الإبتداء بها ، والوقوف عليها ، أو وفق قواعد الأملاء التي وضعها المعنيون برسم الخط العربي ، ويسمى (الخط القياسي) ، وهذا هو الخط الذي نستعمله في كتاباتنا ، ونراه في الكتب والمجلات والجرائد ، وهو الخط الذي رسمت به كلمات النصين الثاني والثالث ، وكلمات النص الأول ما عدا الكلمات المحصورة بين قوسين والمذكورة آنفا .
2- خط لا تكتب الكلمة فيه بحسب النطق بها ، ولا يُلتزم في كتابتها بقواعد الأملاء المعروفة ويسمى (الخط غير القياسي) ، وهو الخط الذي كتب به عدد من الكلمات في المصحف الشريف وفق ما رواه علماء الرسم عن المصاحف الستة المعروفة وعن المصاحف المنتسخة منها ، فقد كتبت كما وجدت ، وإن خالف رسمها النطق بها ، والقياس بقواعد الأملاء ، كالكلمات التي رأيناها في النص الأول والمحصورة بين قوسين ، ومثلها : (الصلوة ، والزكوة ، ومشكوة ، ويسئلون ، والربوا، والسموات ، والقيمة) ، وقياسها أن تكتب كما يلي :
(الصلاة ، والزكاة ، ومشكاة ، ويسألون ، والربا ، والسماوات ، والقيامة).
وللمعلوات فإن المصاحف الستة المعروفة التي جاء ذكرها اعلاه ، هي المصاحف التي بعثها الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، الى البصرة والكوفة والشام ومكة المكرمة والمصحف الذي جعله لأهل المدينة ، والمصحف الذي ابقاه لنفسه .
آمل أن أكون قدوضحت جانبا آخر من جوانب لغتنا الجميلة ، والى لقاء قادم في موضوع جديد وجانب آخر في الجزء السادس ان شاء الله
صباح الجميلي