شعراء من العراق ..... معروف الرصافي
العراق بلد الحظارات ومهد الرسالات ومن رحم هذه التربة الطاهرة ولد رجال عضام برعوا في مختلف العلوم والآداب ولو أردنا أن نعدهم لعجزت الأقلام ونفد القرطاس .... وسنمر اليوم على واحد من شعراء العراق المعروفين وهو الشاعر العراقي الرصافي ...
نبذة عن حياة الرصافي ....
ولد معروف عبد الغني الرصافي في محلة القراغول في بغداد عام 1875م من أب كردي وأم قراغولية وترعرع في بيت جده لأمه وقد أدخلته أمه الكتاتيب وهو في الثالثة من عمره ليتعلم القراءة والكتابة والخط ، وهكذا تنقل من كتاب الى كتاب حتى دخل الى أرقى الكتاتيب في ذلك الزمان والذي يشترط قبول التلميذ فيه انه حافظ للقرآن ، ويتمتع هذا الكتاب بامتياز خاص وهو قبول تلامذته المتفوقين بالمدرسة الرشدية العسكرية .
دخل شاعرنا هذه المدرسة واستمر فيها لسنتين اجتازهما بنجاح ثم ترك المدرسة ليلتحق بالمدارس الدينية وانتسب الى مدرسة الشيخ محمود شكري الآلوسي ولمدة اثنتي عشرة سنة حيث خذ منه علوم اللغة العربية وآدابها ورس كذلك الفقه والمنطق
تم تعيينه معلما في مدرسة الراشدية الأولية في إحدى القرىثم نقل الى إحدى المدارس الإبتدائية في بغداد ثم عين مدرسا للغة العربية في المدرسة الإعدادية ...
في عام 1921 وعين في وزارة المعارف بوظيفة ، نائب رئيس لجنة الترجمة والتأليف وقضى في هذا المنصب حوالي سنة ونصف ...
وفي أواخر 1924 عين مفتشا للغة العربية وآدابها بدار المعلمين العالية ، وجمع محاضراته ودروسه التي القاها هناك في كتاب – دروس في آداب اللغة العربية – و كتاب – الأدب الرفيع في ميزان الشعر - ....وفي عام 1928 استقال ولم يرجع الى الوظيفة ولكنه ناب عن الأمة في المجلس النيابي خمس مرات .. وفي عام 1933 ترك بغداد وهاجر الى الفلوجة ، ثم عاد الى بغداد عام 1941 بعد الحرب بين العراق والإنكليز ، وسكن الأعظمية ، حيث توفاه الله صباح يوم الجمعة السادس عشر من أذار عام 1945 .
شعره ...
للرصافي ديوان من الشعر في خمسة أجزاء يشمل الكثير من الوصف والبلاغة والتأمل ، وسنكتفي اليوم بقصيدته الغروب والتي قالها عام 1904 يصف فيها غروب الشمس في الأعظمية وهي من البحر الكامل ... ولنا عودة لديوان شاعر العراق الرصافي في الأعداد القادمة ان شاء الله ...
الغروب ...
نزلت تجر الى الغروب ذيولا **** صفراء تشبه عاشقا متبولا
تهتز بين يد المغيب كأنها **** صب تململ في الفراش عليلا
ضحكت مشارقها بوجهك بكرة *** وبكت مغاربها الدماء أصيلا
مذ حان في نصف النهار دلوكها *** هبطت تزيد على النزول نزولا
قد غادرت كبد السماء منيرة **** تدنو قليلا للإفول قليلا
حتى دنت نحو المغيب ووجهها *** كالورس حال به الضياء حيولا
وغدت بأقصى الأفق مثل عرارة *** عطشت فأبدت صفرة وذبولا
غربت فأبقت كالشواظ عقيبها **** شفقا بحاشية السماء طويلا
شفق يروع القلب شاحب لونه **** كالسيف ضٌمّخ بالدما مسلولا
يحكي دم المظلوم مازج أدمعا *** هملت بها عين اليتيم همولا
رقت أعاليه وأسفله الذي **** في الأفق أشبع عصفرا محلولا
شفق كأن الشمس قد رفعت به *** ردنا بذوب ضيائها مبلولا
كالخود ظلت يوم ودع الفها **** ترنو وترفع خلفه المنديلا
حتى توارت بالحجاب وغادرت *** وجه البسيطة كاسفا مخذولا
فكأنها رجل تخرم عزه **** قرع الخطوب له فعاد ذليلا
وانحط من غرف النباهة صاغرا *** وأقام في غار الهوان خمولا
لم أنس قرب –الأعظمية– موقفي **** والشمس دانية تريد أفولا
وعن اليمين أرى مروج مزارع **** وعن الشمال حدائقا ونخيلا
وتروع قلبي للدوالي نعرة **** في البين يحسبها الحزين عويلا
ووراء ذاك الزرع راعي ثلة **** رجعت تؤم الى المراح قفولا
وهناك ذو برذونتين قد انثنى *** بهما العشي من الكراب نحيلا
وبمنتهى نظري دخان صاعد **** يعلو كثيرا تارة وقليلا
مد الفروع الى السماء ولم يزل *** بالأرض متصل يمد أصولا
وتراكبت في الجو سود طباقه *** تحكي حلولا قد حملن تلولا
فوقفت أرسل في المحيط الى المدى *** نظرا كما نظر السقيم كليلا
والشمس قد غربت ولما ودعت *** أبكت حزوناً بعدها وسهولا
غابت فأوحشت الفضاء بكدرة *** سقم الضياء بها فزاد نحولا
حتى قضت روح الضياء ولم يكن *** غير الظلام هناك عزرائيلا
وأتى الظلام دجنـة فدجنـة **** يرخي سدولا جمة فسدولا
ليل بغيهبه الشخوص تلفعت *** فظللت أحسب كل شخص غولا
ثم انثنيت أخوض غمر ظلامه *** وتخذت نجم القطب فيه دليلا
ان كان أوحشني الدجى فنجومه *** بعثت لتؤنسني الضياء رسولا
سبحان من جعل العوالم أنجماً *** يسبحن عرضا في الأثير وطولا
كم قد تصادمت العقول بشأنها *** وسعت لتكشف سرها المجهولا
لا تحتقر صغر النجوم فانما *** أرقى الكواكب ما استبان ضئيلا
دارت قديما في الفضاء رحى القوى*** فغدا الأثير دقيقها المخولا
فاقرأ كتاب الكون تلق بمتنه **** آيات ربك فصلت تفصيلا
ودع الظنون فلا وربك أنها **** لم تغن من علم اليقين فتيلا
صباح الجميلي / بتصرف