القلم للثقافة والفنون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
القلم للثقافة والفنون

( قَلمُنا ... ليس ككلِ الأقلامْ ، قَلمُنا ينطقُ ثقافةً وينزفُ صدقاً ويشجع المواهبَ ليخلقَ الإبداعْ )


+17
رونز
المبتسمة
ابو الثوار
قمر بغداد
نور القلوب
ابو سعد
كراميل
المالكي
حنان اللهيبية
فرقد اللهيبي
الصارم
الحسام
ندى
روبيا انا
ابتسامة حب
هدى
مؤسس المنتدى
21 مشترك

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5262
    نقاط : 26182
    السٌّمعَة : 755
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    68
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الأربعاء ديسمبر 08, 2010 6:19 pm


    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها  بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ،  كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .  
     
    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل  ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة  مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي   في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات   والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه  واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0
     

    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو  ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك  مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت  تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ،  في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها  تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ،  أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم  فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ،  استمر وميض حتى النهايه ونزل  من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0  تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات  البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0  
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي  
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها


     
            رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال  
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
            *       *          *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك  
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0
     


    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل  0
                      ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل  الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك  ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة  وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا  برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع  
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية )  RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب  

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد  
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء  

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0  
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ،  تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري  على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة  ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0      
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0  
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد  ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف  فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0  
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ  الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0  


             الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق  
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق      
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


                 1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب   للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه        
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء    
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
                            28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0  
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره  اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0
       

     
    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية                           بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

      ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0  وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0


    عدل سابقا من قبل Admin في السبت يوليو 19, 2014 8:11 pm عدل 3 مرات


    _________________
    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني <a href=تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني 13062110" />

    سيبقى العراق في حدقات العيون
    هدى
    هدى
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد المساهمات : 145
    نقاط : 5410
    السٌّمعَة : 6
    تاريخ التسجيل : 29/06/2010
    الموقع : اوفياء المنتدى

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد على رواية عاشف لخط النار الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف هدى الأحد أغسطس 28, 2011 10:48 am




    حوارات جميلة وامتداد وطني وقومي كنا ولا زلنا بحاجة اليه لكي نرسم ملامح صورتنا العربيه الاصيلة
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5262
    نقاط : 26182
    السٌّمعَة : 755
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    68
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى السبت نوفمبر 19, 2011 5:48 pm

    هدى كتب:


    حوارات جميلة وامتداد وطني وقومي كنا ولا زلنا بحاجة اليه لكي نرسم ملامح صورتنا العربيه الاصيلة

    شكرا لمرورك الجميل
    ابتسامة حب
    ابتسامة حب
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد المساهمات : 109
    نقاط : 5386
    السٌّمعَة : 18
    تاريخ التسجيل : 29/06/2010

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف ابتسامة حب الأحد نوفمبر 27, 2011 5:17 pm

    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0


    حين ينبض القلب وينزف القلم يكون الابداع وهذا ما لمسته
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5262
    نقاط : 26182
    السٌّمعَة : 755
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    68
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى السبت ديسمبر 03, 2011 2:09 pm

    ابتسامة حب كتب:
    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0


    حين ينبض القلب وينزف القلم يكون الابداع وهذا ما لمسته


    وحين تمرين بمتصفحي يكون قلمي خجلا امام مرورك
    avatar
    روبيا انا
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد المساهمات : 105
    نقاط : 5359
    السٌّمعَة : 6
    تاريخ التسجيل : 16/07/2010

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف روبيا انا السبت ديسمبر 24, 2011 4:05 pm

    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0


    رائعة جدا واعجبتني
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5262
    نقاط : 26182
    السٌّمعَة : 755
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    68
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الإثنين ديسمبر 26, 2011 1:26 am

    روبيا انا كتب:
    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0


    رائعة جدا واعجبتني

    • احسنتي المرور
    avatar
    ندى
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد المساهمات : 112
    نقاط : 5171
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 24/01/2011

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف ندى الجمعة يناير 06, 2012 4:30 pm

    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0

    سرد جميل رائع ذو مغزى
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5262
    نقاط : 26182
    السٌّمعَة : 755
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    68
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الخميس يناير 12, 2012 1:45 am

    ندى كتب:
    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0

    سرد جميل رائع ذو مغزى


    شكرا للمرور الرائع
    الحسام
    الحسام
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد المساهمات : 105
    نقاط : 5489
    السٌّمعَة : 6
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    42
    الموقع : عضو

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف الحسام الأحد فبراير 05, 2012 5:00 pm

    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0

    شيء جميل وممتع فيها
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5262
    نقاط : 26182
    السٌّمعَة : 755
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    68
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الأربعاء فبراير 08, 2012 11:38 am

    الحسام كتب:
    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0

    شيء جميل وممتع فيها

    هدفنا سعادتكم تحياتي


    _________________
    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني <a href=تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني 13062110" />

    سيبقى العراق في حدقات العيون
    الحسام
    الحسام
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد المساهمات : 105
    نقاط : 5489
    السٌّمعَة : 6
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    42
    الموقع : عضو

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف الحسام الجمعة فبراير 24, 2012 2:08 pm

    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0

    احداث مثيرة وغراميات رائعة
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5262
    نقاط : 26182
    السٌّمعَة : 755
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    68
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الأحد فبراير 26, 2012 1:56 pm

    الحسام كتب:
    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0

    احداث مثيرة وغراميات رائعة

    احسنت المرور


    _________________
    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني <a href=تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني 13062110" />

    سيبقى العراق في حدقات العيون
    avatar
    الصارم
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد المساهمات : 109
    نقاط : 4793
    السٌّمعَة : 3
    تاريخ التسجيل : 28/01/2012

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف الصارم الأحد فبراير 26, 2012 4:39 pm

    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0

    حبكة جميلة واسلوب راقي
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5262
    نقاط : 26182
    السٌّمعَة : 755
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    68
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الإثنين فبراير 27, 2012 1:12 pm

    الصارم كتب:
    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0

    حبكة جميلة واسلوب راقي

    الراقي هو مرورك سيدي


    _________________
    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني <a href=تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني 13062110" />

    سيبقى العراق في حدقات العيون
    avatar
    فرقد اللهيبي
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    عدد المساهمات : 73
    نقاط : 5294
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 07/08/2010

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف فرقد اللهيبي الثلاثاء فبراير 28, 2012 12:07 pm

    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0

    احداث جميلة ومشوقة
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5262
    نقاط : 26182
    السٌّمعَة : 755
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    68
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الأربعاء فبراير 29, 2012 12:10 pm

    فرقد اللهيبي كتب:
    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0

    احداث جميلة ومشوقة

    شكرا للمرور الرائع الجميل


    _________________
    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني <a href=تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني 13062110" />

    سيبقى العراق في حدقات العيون
    avatar
    حنان اللهيبية
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    عدد المساهمات : 85
    نقاط : 4924
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 05/09/2011

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف حنان اللهيبية الإثنين مارس 12, 2012 1:04 pm

    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0


    رائعة جداا وجميلة
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5262
    نقاط : 26182
    السٌّمعَة : 755
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    68
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الإثنين مارس 26, 2012 2:51 pm

    حنان اللهيبية كتب:
    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0


    رائعة جداا وجميلة

    شكرا للمرور الجميل


    _________________
    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني <a href=تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني 13062110" />

    سيبقى العراق في حدقات العيون
    المالكي
    المالكي
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد المساهمات : 122
    نقاط : 5396
    السٌّمعَة : 15
    تاريخ التسجيل : 29/06/2010

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف المالكي السبت مايو 26, 2012 10:27 am

    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0



    كم نحن اليوم بحاجة لهذا العشق لنحرر ارضنا العربية
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5262
    نقاط : 26182
    السٌّمعَة : 755
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    68
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الأحد مايو 27, 2012 10:38 am

    المالكي كتب:
    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0



    كم نحن اليوم بحاجة لهذا العشق لنحرر ارضنا العربية

    احسنت الرد


    _________________
    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني <a href=تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني 13062110" />

    سيبقى العراق في حدقات العيون
    كراميل
    كراميل
    عضو ذهبي
    عضو ذهبي


    عدد المساهمات : 157
    نقاط : 5426
    السٌّمعَة : 10
    تاريخ التسجيل : 29/06/2010
    الموقع : اوفياء المنتدى

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف كراميل الثلاثاء يونيو 05, 2012 10:49 am

    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0

    رائعةجداااا
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5262
    نقاط : 26182
    السٌّمعَة : 755
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    68
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الأربعاء يونيو 06, 2012 10:38 am

    [quote="كراميل"]
    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0

    رائعةجداااا[/quohbv,u lv,v;
    الاروع مرورك


    _________________
    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني <a href=تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني 13062110" />

    سيبقى العراق في حدقات العيون
    ابو سعد
    ابو سعد
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد المساهمات : 133
    نقاط : 5401
    السٌّمعَة : 10
    تاريخ التسجيل : 29/06/2010
    44
    الموقع : اوفياء المنتدى

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف ابو سعد الأربعاء يونيو 06, 2012 11:11 am

    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0

    احداث مشوقة
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى
    Admin


    عدد المساهمات : 5262
    نقاط : 26182
    السٌّمعَة : 755
    تاريخ التسجيل : 02/03/2010
    68
    الموقع : مؤسس ومدير المنتدى / القلم الذهبي / القلم الماسي / درع الابداع / وسام الابداع

    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني Empty رد: تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف مؤسس المنتدى الخميس يونيو 07, 2012 10:27 am

    ابو سعد كتب:
    Admin كتب:

    ( 13 )
    شهدت الأعوام بين عام 1973 وعـام 1977 نشاطا كتابيا إبداعيا حيث واصل كتابــــة المسرحيات فمن مسرحية الصرخة إلى مسرحية المحامي الفاشل التي اقتبسها مـــن أحدى المسرحيات وصاغها بأسلوبه الكوميدي إلى مسرحية الأفريقي الثائر التي كتبها مــن بنات أفكاره بفصولها الثلاثة ، كـأنه يحمـل هموم شعوب العالم المتطلعة إلى التحرر مـن قيد الاستعمار ، فلم يكتفي بمسرحية الصرخة التي كانت تخص فلسطين وجهادها بل انطلـق إلى العالم الرحب الفسيح إلى القارة الأفريقية ليكتب أخر مسرحية له عن نضال هـذه القارة من اجل التحرر، فهو لم يكن ثائرا قوميا يسعى لتحرير الأرض العربية بل كان ثائر امميــا يناصر شعوب العالم المحتله ويقدم لهم الدعـم عبر مسرحياته فهل عشقه لخط النار نابع مـن ثقافة الموت ام من ثقافة التحرر ؟ 0هـــذا ما سنعرفه لاحقا .

    ليس هذا فقط فقد امتدت خواطره السياسية إلى خارج حدود وطنه الصغير العراق لتشــمل وطنه الكبير الوطن العربي ليكتب عن فلسطين ولبنان ومصر بل ليخاطب شخصيات دوليـة أمثال كيسنجر وغيره ممن اسائوا إلى القضيـة العربية في فلسطين 0
    نعم ثلاثة مسرحيات كتبها ومثلت على أكثر من مسرح طلابي في بغداد الرصافة والكرخ وتوقف عن كتابة المسرحيات والتمثيل فيهـا لأنه وجدها لا ترضي طموحه واستمر بكتابـة خواطره السياسية وأجاد بها ووثق من خلالهـا تأريخ شعب مقاوم وأمة مقاتلة من اجــــل عزتها 0وبدأت تنهال عليه الطلبات من معارفه في الكرخ والرصافه يطلبون بعض كتاباتــه ليشاركوا فيها في المهرجانات لبى طلباتهــم وأسعدته الأخبار حين لاقت استحسان الجميـع وحصدت الجوائز 0


    وأنجز كتابه الأول المعنون خواطــر أوراق الشمس والذي يظم مجموعتين الأولى أوراق متناثرة بين عامي 1973 و1976 والمجموعة الثانيه خواطــر الشمس 00 الافكار بيــن عامي 1977و1989 0
    في هذه المرحلة من السبعينيات اســتضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي وذات يـوم وهو ماشيا باتجاه ساحة عنترة بن شداد فــي الاعظميه حيث نصب هناك مسرح جماهيري طلابي للاحتفال باحدى المناسبات الوطنيــه هناك في هذه الساحه مجموعة من الطلبـــة والطالبات ومكبرات الصوت تعزف الاغانـي الوطنيه دخل اليهم وعرف مسؤول هــــذا الاحتفال فرحبوا بـه كثيـــرا واســعدوا لتواجــده
    معهم لأنهم على اطلاع بنشاطاته الادبية ، في هذا الاثناء دخل الى هذه الساحة بعد ان ركنوا سياراتهم جانب الرصيف دخل مجموعة مـن الرجال يعتمرون الزي العربي ( العبائـــة والعقال ) ومن لهجتهم عرفوا انهم من الخليج العربي وبعد الترحيب بهم وتقديم الضيافة لهم عرفوا انهم الوفد الرياضي السعودي فريق كرة القدم المشارك بالبطولة 0
    نهض وميض وطلب من أحدى الفتيــات أن تغلق ألاغاني الوطنية لكي يسمع الحاضريـن شيء من كتاباته وطلب منها تهيئة أحدى الطالبات لتلقي قصيدة بعده ، أطفئ مســجل ألاغاني الوطنية ووقف وميض أمام المايك ليلقي ما كتب من سياسياته وبالصيغة الشـعرية التي شدة انتباه الوفد وجميع الحاضريــــن وصفقوا له كثيرا ، نزل من المسرح لتعتليـه احدى الطالبات وتلقي قصيدتها هي الاخـرى وما ان اكملت حتى ارتقى المسرح وميض مرة اخرى ليفاجئ الجميع وبضمنهم الوفد الرياضي السعودي بما القاه على مسامعهم فقاطعوه عدة مرات تصفيقا وطلبوا الاعادة ، استمر وميض حتى النهايه ونزل من المسرح مسرورا وحين وصل الى حيث يجلس الضيوف نهضـــوا واستأذنوه بالمغادره وهم يثنون عليه ويمتدحون ماسمعوه من قصائد ونشاطات بحرارة عالية ، وشكروهم على حسن الضيافة وغــــادروا الساحة0 تجمعت الطالبات والطلبه حـــول وميض شاكرين مساهمته هذه التي اســعدت العرب الحاضرين واثلجت قلوب الجميــع ، طلبت منه احدى الحاضرات البقاء والابتسامة تعلو وجهها واشعرته بتوددها له بعد ان تفرقوا من حوله ، شكر لها مشاعرها واستأذنها بأدب جم ليغادر الساحة هو الاخر مودعا الجميــع حيث رفع يده اليمنى الى الاعلى وهو يلوح بها يمينا ويسارا في امان الله ويودعوه هم بالتحايا مسرورين 0
    ( 14 )

    ويأتي عام 1977 مثقلا بالهم العربي مشبعا بالحزن والألم حيث أجواء السياسة القذرة وتجاذباتها العربية والدولية تنحى منحى أخر خارج الإطار القومي من اجل تحرير فلسطين بل تأخذ طريقا بالضد من مشاعر العرب وأحاسيسهم ويكون الدور واضحا لعمل أجهزة المخابرات الأجنبية والصهيونية وتبدأ المساومات الدولية والضغوط على الحكام العرب الذين وضعوا أنفسهم بخدمة المخطط الصهيوني الأمريكي فتنسج المؤامرة في دهاليز مظلمة ، دهاليز الموت والنيل من كرامة العربي
    ووميض ابن الحادية والعشرين عاما لا يعي ظروف المرحلة بشكل متكامل وغاب عن تصوراته الفعل الخياني في سنين لم تشن بها الحروب ، كان مؤمنا بقوميته العربية وأحقيتها بالتحرير كما كان مؤمنا ببعض الحكام العرب وسعيهم الجاد للمنازلة الكبرى 0
    فما الذي حدث واحزن العرب وسبب لهم الألم في يوم هم أحوج إلى الفرحة الكبرى وهي تحرير فلسطين ، ما لم يكن بحسبان وميض ولا أقرانه من الشباب بل لم يكن بحسبان الأمة العربية بشعبها الصابر وحكوماتها ما سيحدث وكأن زلزال التآمر غريب عليها ، نعم لم يتوقعوه بمثل هذا الوقع أبدا 0
    الذي حدث أن الرئيس المصري الخائن أنور السادات قد زار الكيان الصهيوني واستقبل هناك استقبال الفاتحين خسئ هو ومن استقبله وقد وقع معاهدة الاستسلام مع هذا الكيان المسخ وغرس خنجره المسموم في جسد الأمة ومقاومتها ونزوعها نحو التحرر 0
    هذه الزيارة المشئومة واجهة رد فعل حكومي عربي متذبذب من حيث المستوى حسب نظام الحكم وأرائه وتوجهاته في حين واجهة رفضا شعبيا عارما من أبناء الأمة ومثقفيها وخرجت التظاهرات تندد بالزائر الخائن وتطالب بموته جزاءا على ما فعل 0
    كان وميض يتحرق ويتألم لما آلت عليه الأمور سياسيا وشعبيا وكأن الزيارة المشئومة قد إصابة الجميع بمقتل ، وبعد ردة الفعل العفوية للشعب العربي بدأت الأقلام الحرة تكتب تدين هذا الموقف وتناصر الرد العربي وتطالب بإنزال القصاص بالزائر الخائن في حين كانت منظمات مجاهدة تخطط لتنفيذ قرار الشعب بإعدام المجرم ، كان وميض واحدا من هذه الأقلام التي وثقت الحدث فكتب خاطرة بعنوان رحلة العار في 21/12/1977 وهذا نصها



    رحلة العــــــــــــار
    سار الركب فأتبعناه سائرينا
    ومضت قوافل الجند للتحرير
    فمضينا معها محررينا
    وصنعنا ملحمة لكل المناضلين
    فما تشرين إلا شهر زحفت به الأجيال
    لتعيد في ذكراه ملحمة الأبطال
    وما تشرين ألا تاج من اللؤلؤ الثمين
    أمير كل الشهور
    تاج فوق رؤوس الشهداء
    وقنديل به الدرب يُضاء
    وقناديل الدرب من الشهداء لا تحصى
    مرت عدة أعوام
    والخونة لا تبصر ولا ترى
    غير مصافحة الأعداء مدخلا
    أي مدخل هذا وفي أعماقه عارا
    فعار لمن صافح العدى
    وتناسى أمة بأكملها أي قائد هذا
    ومن به من أبناء العروبة يقتدي
    بل مَنْ مِن أبناء العروبة به قائدا يرتضى
    نبذوه والقوا به على مزبلة التاريخ
    حكم الشعب عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    هو الشعب صاحب الحق
    صاحب الكلمة
    مضى في رحلة العار يحسبها انتصارا
    أي انتصارا جناه التي بها000
    عروش الطغيان تتهاوى
    والشعب ضد الزيارة ثار
    أبناء العروبة ترفض الزائر الخائن
    وتصدر بحقه الأحكام
    القوا به على مزبلة التاريخ
    وحكموا عليه بالموت
    وحكم الشعب لا هوادة به أبدا
    * * *
    نعم صدر حكم الشعب العربي بحقه وكتب المثقفون ما كتبوا وخطط الأبطال لتنفيذ قـرار الشعب حتى تمكنوا من قتله إثناء الاستعراض العسكري المصري فانزلوا بحقه قرار الأمة العربية ونال ما استحق على أيدي الأبطال خالــد الاسلامبولي ورفاقه الاحرار 0

    ( 15 )

    تثاءب الليل في بغداد وادلهم مسائها عتمة واختفى ضوء القمر بين السحب السوداء الداكنة وبدأ صوت الرعد يشق عنان السماء والبرق الخاطف بضوئه الساطع ينير هذه العتمة سريعا ثم يختفي والريح العاتية تراقص الأشجار ثم يعم الهدوء الحذر فلا تسمع صوت ، ينظر وميض من شباك غرفته في الطابق العلوي ينظر إلى السماء بلهفة لأنه ينتظر الخير أن يهطل ثم ينطلق صوت الرعد وبرقه محدثا انفجار قويا يذكر وميض بأصوات الانفجارات في جبهات القتال التي لم يراها الا عبر الافلام ، ثم يهطل المطر بغزارة شديدة فتهب رائحة الارض الطيبة بعطرها المميز 0
    لازال وميض ينظر من شباك غرفته حيث برك الماء التي أحدثها المطر على الأرض وبدأت المياه تسير منها بجانب الرصيف وهو فرحا مزهوا بهذا الخير الوفير ، عاد وميض إلى أوراقه وقلمه ليواصل كتابة غرامياته ، هو يكتب بلا ترتيب في سجله حسب من يحب أي لا يحدد مجموعة واحدة لكل امرأة أحبها بل الترتيب الوحيد في سجله هو التأريخ الذي كتب به خواطره ، وبين ضفتي سجله تشاهد مطر الحروف المنهمر كمطر السماء في ليلته غزيرا وكأن له قلب يحب به جميع النساء دون جدوى لأنه لازال يبحث عن الحب الحقيقي 0
    يستمر وميض في كتاباته السياسية وكتاباته الغزلية، توقف عن الكتابات السياسية عام 1989 واستمر بكتاباته الغزلية دون توقف 0
    بدأ وميض بإعادة تدوين ما كتب بترتيب جديد حيث جمع كل خاطرة كتبها لأحدى النساء بمجموعة واحدة حتى بلغت مجاميعه اثني عشر مجموعة جمعها في كتاب واحد اسماه خواطر من سجل عاشق تضمن ما يلي ( 1ـ حب عذري بين عامي 1977 و1990 ، 2ـ غراميات بين عامي 1977 و1996 ، 3ـ حب السنين العجاف بين عامي 1977 و1985 ، 4ـ هل أنتِ البحر 00 أذن أنا آت بين عامي 1979 و1987 ، 5ـ أسطورة حب عام 1988 ، 6ـ الزورق بين عامي 1988 و1989 7ـ نسائيات عام 1989 8ـ تـــــسأليني بين عامـــي 1990 و1991 ، 9ـ محطات نسائيه بين عامي 1993 و2009 ، 10ـ أوراق من خريف العمر بين عامي 2005 و2006 ، 11ـ كان حبا بين عامي 2006 و2007 ، 12ـ رياحين النساء بين عامي 2006 و2009 ) 0
    عجبا لقلب وميض آلم يرتوي من الحب رغم كل هذه العلاقات ، عجبا لقلبه آلم يجد ضالته فيمن أحب من تلك النساء فمتى سيتوقف قلبه عن الحب ؟ وهل مثله يستطيع ؟ 0
    لازال حبان عارمان يتصارعان مع قلبه النابض حب النساء وحب الوطن العربي الكبير وكأن ديدنه ان يحب لكي يستمر بالكتابة 0
    ( 16 )

    وتمضي به الأيام والسنين ويلتحق بالخدمة العسكرية ويتلقى التدريب على السلاح ويتعلم الضبط العسكري ويتعلم فنون القتال في مركز تدريب المشاة في الحلة وما أن أتم فترة التدريب بدأ توزيع الجنود على وحدات الجيش العراقي وكان نصيبه أن ينقل إلى سرية الحراسات الخاصة بجهاز المخابرات في العاصمة بغداد ، التحق بوحدته الجديد وتلقى تدريبا عنيفا هذه المرة شبيها بتدريب مقاتلي القوات الخاصة البطله ، وبعد فترة نسب للعمل في احدى دوائر جهاز المخابرات في منطقة سلمان باك ، هناك استلم مسؤلية القلم وبدأ ينظم سجلات الجنود وافراد الوحدة ويؤطر واجباتهم حسب نقاط الحراسة وينظم اجازاتهم الدورية 0
    تتطور الأوضاع السياسية بشكل متسارع بين العراق وإيران وتحدث التجاوزات الإيرانية على العراق ، العراق يحذر من هذه التصرفات بل ويرفع مذكرات إلى الأمم المتحدة يبلغ بها بالاعتداءات الإيرانية حتى بلغت أكثر من مأتي مذكرة اعتداء بري وأكثر من مأتي مذكرة اعتداء جوي على أمل أن ترعوي إيران وتكف عن اعتداءيها وعلى آمل أن يأخذ المجتمع الدولي دوره في ردع إيران وإيقاف اعتداءاتها على العراق 0 كل ذلك لم يجدي نفعا وتستمر إيران برفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم وتستمر بنهجها وتقصف المدن العراقية والقرى بالمدفعية والطائرات وازدادت حدة الاعتداءات في 4/9/1980 ، وتستمر بالقصف حتى تمكنت القوات العراقية من اسقاط طائرة مقاتله في 18/9/1980 وأسر طيارها وأمام هذه الهجمة لم يبقى في القوس منزع فلابد للعراق من ان يدافع عن حياض الوطن وحدوده ويدافع عن شعبه ، فقام بعمل عسكري واسع النطاق دمر بموجه خمسة عشر مطار عسكريا وقاعدة جويه ليبعد الاذى عن شعبه وذلك في 22/9/1980 وتستمر المعركه بين الدولتين جهة تحاول تصدير ثورتها وجهة تدافع عن ارضها وشعبها وامتها العربية 0
    في هذا الأثناء وفي الأشهر الأولى من الحرب كان وميض يهيئ نفسه لمقاتلة العدو الإيراني ليؤكد عشقه لخط النار دفاعا عن الشعب والأمة وهذه أسمى صفات المقاتل ، وتشاء الصدف أن يأتي من بغداد إلى سلمان باك أمر وحدتهم في زيارة تفقديه فيوقفه وميض 0
    ــ سيدي بأسمي ونيابة عن اخواني المقاتلين نعلن استعدادنا للذهاب الى جبهات القتال
    ــ بارك الله فيكم مكانكن هنا للدفاع عن هذا الموقع المهم
    ـــ سيدي ارجوا ان تبلغ القياده بموقفنا هذا
    ـ ان شاء الله ، سيتم ترتيب خاص لهذا الموضوع
    فرح المقاتلين حين عرفوا بهذا الحوار فهم أيضا على استعداد لمواجهة العدو الإيراني وتلقينه درسا لا ينسى 0
    ( 17 )

    وبعد سنتين من الحرب أي في عام 1981 وأثناء خدمته العسكرية يطلب منه الأهل أن يتزوج وقد اعدوا كل شيء وقد اختاروا له زوجة المستقبل وهي أحدى أقربائه بعد موافقته على ذلك ، ويتزوج منها ويذهب إلى مدينة الحبانية ليقضي فترة اجازة الزواج ، في الحبانيه واجوائها الساحرة ومياهها الخلابة ومنتزهاتها الرائعة الجمال باشجارها الخضراء النظرة وحدائق الورود الملونة الجميلة وبعطرها اللطيف ، في هذه المدينة غربي بغداد يحلو له ان يتزوج ، حيث السماء الزرقاء الصافيه ومياه البحيرة الزرقاء النقية والارض الرملية على جرف البحيرة وزوارق الترفيه الجميلة وسياح المدينة السياحية رجالا ونساءا منهم من يسبح في البحيرة ومنهم من افترش الرمال جالسا او ممددا يمتعوا انفسهم ويزيلوا بعض الهموم عنهم ويحاولون ان ينسوا هم الحرب ومآسيها من شهداء وجرحى ، من هذا الجو المفعم بالراحة النفسية والمتعة والهدوء يتفاجئ الجميع بصوت هادر يشق عمق السماء أثار فيهم الارتباك وأنساهم المتعة وحين نظروا إلى السماء لاحظوا أحدى الطائرات العراقية المقاتلة مسرعة وهي محملة بصواريخ العز والكرامة متوجهة إلى حيث جبهات القتال لتؤدي واجبا وطنيا قتاليا ضد أعداء العراق والأمة العربية 0
    حينها قرر وميض العودة إلى بغداد حيث منزل العائلة فلا فرحة بعد فرحة النصر على العدو ولا احتفال حتى تضع الحرب أوزارها 0
    عاد أدراجه ، استقبلوه بالزغاريد ونثر الحلوى
    ــ اتركوا هذه المراسم جانبا ( وهو عابسا )
    ــ ما بك يا ولدي
    ــ لا فرحة لنا حتى تنتهي الحرب يا أمي
    ــ لا يا ولدي نحن نرد على حربهم بفرحنا فلا شيء يوقف الحياة فينا
    أيقن وميض أن أمه قد أصابت الحقيقة فشارك
    الجميع أفراحهم وزرع البسمة على شفاه الجميع0
    لم يتوقف وميض عن الكتابة فبالإضافة إلى كتاباته السياسية والغزلية لمن يحب بدأ الكتابة لزوجته وشهدت أعوام مابين 1982 و1985 أنجاز مجموعته الجديدة تساؤلات عند بوابة الحب 0 كتبها لزوجة رافقته أيام تعاسته وفرحه أيام حزنه وسروره أيام فقره وغناه ، امرأة تحملت علاقاته العاطفية الكثيرة والمنوعة حفاظا على بيت الزوجية كما تحملت انشغاله عنها بسبب تفرغه لساعات طويلة في كتابة أعماله الأدبية ، كما تحملت مسؤولية البيت التي هي فيه رغم عدد الأسرة الكبير إلا أنها كانت تقدم الخدمات للجميع فمن أعمال البيت ( الطبخ والخبز والتنظيف وغسل الملابس ) إلى رعاية أمه المريضة المتعبة والسهر عليها إلى الاهتمام بإخوانه الصغار وأخواته الصغيرات والإشراف على تدريسهم وتعليمهم وإنجازهم لوجباتهم البيتية ، فصدقت المقولة وراء كل رجل عظيم امرأة 0



    كيف يكافئ هذه الزوجة ويشعرها بأحقية وجودها في قلبه ، كان يشعر أن الكلام المباشر ينسى بمرور الزمن فأراد أن يكافئها بشيء لا ينسى فكتب لها مجموعة الخواطر السابقة الذكــر ( تساؤلات عند بوابة الحب ) لتبقى على مدى الزمان دليلا للحب والعرفان بالجميل 0
    ( 18 )
    كانت المعارك الطاحنة مستمرة مع عدو لم يرعوي أبدا ولا يفهم غير لغة الدم وتدخل الحرب عامها الرابع ولازال وميض يزداد شوقا لمواجهة العدو على جبهات القتال رغم مأساوية الحرب وما تخلفه من دمار ، لازال يطمح أن يرسل إلى هناك حيث تظهر معادن الرجال ويعرفوا من خلال الأفعال وتشاء الأقدار في عام 1984 أن ينقل وميض إلى إحدى وحدات الجيش العراقي في محافظة نينوى وينسب الى مخازن عتاد بادوش التي تقع شمال مدينة الموصل ، التحق هناك وتعرف على طبيعة العمل وتأقلم معها ، مجموعة من الجنود المعاقين والغير مسلحين واجبهم الاساس تفريغ وتحميل العتاد بمختلف انواعه وتشحن من هناك الى جبهات القتال في هذه المنطقة ذات السلاسل الجبلية الغير مرتفعة والوديان العميقة انشأت مخازن العتاد المحصنة والمموهة من اعلاها بزراعة الحنطة والشعير في هذه الموقع العسكري كان واجب وميض وزملائه من الجنود المسلحين حراسة هذا الموقع وحمايته من كل خرق او اعتداء والدفاع عنه 0
    لم يقتنع وميض وهو العاشق لخط النار بوجوده هنا في هذا الموقع ، وبعد مرور سنه شمل هو وباقي الجنود هناك بإرسالهم شهرا واحدا معايشة لجبهات القتال ، ذهب هناك وعاش أيام شهره هذا مع المقاتلين واطلع على تفاصيل الحرب عن قرب وشارك في واجباتها 0
    أتم الشهر وعاد إلى وحدته أكثر إصرارا على القتال ، قتال عدو يسعى لابتلاع وطن بحجة تصدير الثورة وما هي ألا أشهر قليلة حتى صدر أمر نقله إلى لواء المشاة 102 في اربيل منطقة ريزانوك فكانت هذه هي الخطوة الاولى نحو هدفه ، في هذه المنطقة الجبلية الوعرة انتشر قاطع اللواء ونسب الى احد افواجه ثم الى احدى سراياه وبدأ يعمل هناك بنشاط ملموس كان يزور اخوانه الجنود في رباياهم ويسأل عن مستخدمي الاسلحة الساندة ( ( bkc وهذا بشكل شخصي لانه كان على اطلاع واسع المعلومات بهذا السلاح كونه قد دخل دورة خاصه به وابدى ملاحظاته وعلم المقاتلين كيفية استخدامه وانواع الاهداف التي يضربها 0
    وتستمر أيامه ثقالا لأنه بعيدا عن المواجهة ولم يسمع صوت القتال والانفجارات ابدا 0
    في هذه المنطقة الوعرة كانت وسيلة نقل الماء والطعام وباقي التجهيزات إليها هي البغال وكان مجرى الماء أسفل الجبال في الوادي مجرى رائع الجمال يهبط أليه المقاتلون للاغتسال رغم برودة هذا الماء المنحدر من أعالي جبال العراق الشماء 0
    نقلت وحدته إلى الراقم 1180 وتمركزت هناك لتؤدي واجبا عسكريا مشترك مع وحدات اخرى وبعد ذلك بفترة قصيره نقلت وحدته الى جبل كوردي وبدأت السيارات العسكريه تشق طريقها باتجاه قمة الجبل وقد تجاوزت الاستدارات على سفح الجبل اكثر من ثمانين استدارة يمينا ويسارا وعند القمه هبطوا سيرا ليلا الى السفح وشقوا مواضعهم في الجبل الصخري بصعوبه واستعدوا لمعركه مع قوات العدو الايراني ، كان توقع القياده الميدانيه ان يشن العدو هجومه من السفح صعودا للقمه متسللا بطن الوادي ويشاغل قطعات اللواء المدرع 38 بالقصف المدفعي اي ان جنود اللواء 102 هم الانذار المبكر للقوات اعلى الجبل الا ان الذي حصل هوان العدو الايراني شاغل بالمدفعيه قطعات اللواء المذكور وتسلق جنودهم الحافة الحاده وفاجئوا القوات العراقية واحتلوا مواضعهم وسيطروا على دبابات اللواء واعتلوا صهواتها وهجموا بالدبابات العراقية على القوات العراقيه 0
    كان اللواء 102 المتمركز على سفح الجبل تصيبه بعض القذائف واستعد للمعركة وبدأ بأخذ الجنود المصابين الهابطين من القمة ونقلهم إلى المناطق الآمنة ، وفي اليوم الثاني جاء لواء مغاوير الفيلق بصحبة الفريق الركن هشام صباح الفخري وشن هجوما معاكسا طرد قوات الاحتلال وكبدها خسائر كبيرة وسيطر على القمة وصدرت الأوامر أن يمسك مواضع اللواء 38 من قبل الفوج الذي فيه وميض من اللواء 102 وتم سحب المغاوير الى مواضعهم وهناك شاهد وميض الشهداء العراقيين بكثرة والقتلى الايرانيين ايضا وحسمت المعركه لصالح العراق ، ثم صدرت الاوامر بعودتهم الى قاطعهم في منطقة ريزانوك ويقضي واجباته هناك حتى عام 1987كان وميض يمزح مع اقرانه عند المساء بأننا سنشارك في معركة كردمند وستتوقف الاجازات قال ذلك مازحا وتشاء الصدف في نفس الليله صدرور اوامر عسكريه بايقاف الاجازات الدوريه للمقاتلين اعقبتها اوامر اخرى تطلب تهيئة المقاتلين وحملهم اسلحتهم وعتاد الخط الاول والخط الثاني مع رمانتين يدويتين احداهما دفاعيه والاخرى هجوميه وانتظار الاوامر 0
    ــ ها سويتهه بينه وكفت الاجازات
    ــ أبدا أنا قلت ذلك مازحا
    ــ لا أنت كنت مع أمر السرية قبل قليل وربما أبغلك بذلك
    ــ والله ما يعرف أمر السرية شي
    حدث ذلك كما قلنا صدفه وانزعج الجنود المهيئين للأجازة من هذه الأوامر وبقى الجميع ينتظر ما سيحدث
    ( 19 )
    وبحدود الساعة العاشرة ليلا صدرت الأوامر للتحرك فورا باتجاه جبل كردمند ، ركب الجميع السيارات العسكرية وانطلقوا لتنفيذ الواجب ، وعند ألقدمه الإدارية لقاطع العمليات حيث جبل كوردي وجبل كرده دو وجبل كرد مند توقفت العجلات وترجل المقاتلون منها ، كان القصف المدفعي المعادي متواصلا وكانت الطائرات الحربية تحوم في سماء المعركة لتضرب أهداف العدو ، أوجز الموقف لأمر الفوج وابلغ بأن عمليات تحرير الجبال الثلاثة قد بدأت وان القوات العراقية قد سيطرة على الموقف وتمكنت من تحرير قمة كرد مند في حين تكبد اللواء الثالث والتسعين خسائر كبيرة وان واجب الفوج هو مسك قاطع اللواء وشن هجوم على رقبة الجبل ، ابلغ المقاتلين بذلك وفرح وميض كثيرا ، أخيرا سأواجه الأعداء وجها لوجه ، وبدأ الفوج يسير على الأقدام وكلما تقدم تزداد شراسة
    القصف المعادي والأبطال يواصلون التقدم باتجاه الهدف ، كان وميض يسير جنبا إلى جنب مع أمر سريته وهم يتقدمون القوة المهاجمة ويستمر السير ليلا بحدود الأربعة ساعات ، وصلوا إلى خط الشروع أمام رقبة جبل كردمند وعند الفجر صدرت الأوامر بالهجوم وتمكن الأبطال من السيطرة على الرقبة 0
    في حين بقيت ربية 17 تموز في أعلى الجبل بيد العدو الإيراني تقابلها القوات العراقية المسيطرة على القمة في الربية الأولى يتراشقون النيران 0
    أثناء سيرهم الطويل أصيب وميض بتشنج عضلي جعله يتأخر عن السير هو ومجموعه من المقاتلين ومنهم النائب ضابط محسن ، وحين وصلوا إلى مفترق الطريق كان زملائهم مع الدليل قد سلكوا الطريق الصحيح ، أما وميض ومن معه فليس لديهم دليل والظلام يخيم على الجبال فقد سلكوا طريقا خطئا وإذا بهم بعد أن انجلى الظلام قريبين من العدو الإيراني هو على المرتفع وهم في الوادي وقد تمكن العدو من رصدهم وبدأ تنهال عليهم قذائف المدفعية الثقيلة عندها بادر وميض قائلا
    ــ امسكوا الأرض واحتموا وراء الصخور
    ــ أن شاء الله
    احتمى الجميع وبعد انتهاء رشقات المدفعية رفع وميض رأسه ليستطلع مسالك الطريق
    ــ لينهض واحد منكم وبالهرولة يعتلي تلك التلة ويهبط في الجانب الآخر الأمن
    في هذه اللحظة مارس وميض دوره القيادي للمجموعة وشعر بأنه مسؤولا عن سلامتهم 0
    وتتابع القاتلين الواحد تلو الآخر يعتلون التل ويهبطون في الجانب الأخر ولم يبقى ألا وميض كان أخرهم ارتقى التل ووصل أليهم سالما ، في الجانب الثاني من التل انتبه جاسم انه نسى الهاون ( 60 ملم ) فقرر العودة لجلبه فحذره وميض خوفا عليه من الإصابة ، قفز جاسم مسرعا وجلب الهاون وحين وصل قمة التل وإذا برصاص الرشاشة المتوسطة ينهال عليه كالمطر ونجى بأعجوبة 0
    ومع بدايات الفجر وشروق الشمس توجه الجميع باتجاه القطعات العراقية حيث رقبة كردمند وزملائهم المقاتلين ، استمروا بالتمركز في الموقع المحدد لهم وعند المساء شعر الجميع
    بالنعاس فباشر جزء بالحراسة والجزء الآخر استعد للنوم وأين في منطقة صخرية وعرة ليس فيها ملجأ فافترشوا الأرض وتوسدوا جثث الشهداء العراقيين لمعركة قديمة حيث لم يبقى منهم سوى العظام والبدلة العسكرية المملوءة بالدهن البشري 0
    عند الصباح تم نقل جثث الشهداء ، وتمركزت السرية في الجهة المقابلة للرقبة حيث الحاجز الصخري الذي يفصل بين العدو وقطعات الجيش العراقي 0
    ( 20 )

    استقر الوضع وهدأت الجبهة نوعا ما وقد لاحظ المقاتلين وجود كهف صغير ( اشكفته ) في بطن الوادي وفيه جنود العدو الإيراني مختبأين ، أمر آمر السرية بإطلاق رمانة من القاذفــة ( RBG7) باتجاههم ثم أوعز بإطلاق الرصاص عليهم من بندقية ) RBK) وما هي ألا بضع رصاصات ويرفع الجنود المهزومون الراية البيضاء معلنين الاستسلام ، نهض وميض ورئيس العرفاء محمد للنزول إلى الوادي وجلب

    الأسرى رغم خطورة هذا الفعل حيث كان العدو الإيراني لازال مسيطرا على ربية 17تموز وفيها سلاح الديمتروف الأحادي والموجهة إلى بطن الوادي ، واصلا سيرهم باتجاه الجنود الايرانين الثلاثة لأسرهم وحين وصلوا إلى فتحة الموت في الوادي تجاوزوها بالركض منفردين ، تم اسر الجنود واخذ سلاحهم وجلبهم إلى آمر السرية ، وعلى سفح الجبل شوهد احد الايرانين نائما بعد إن اضناه السهر ليلا والتعب فتم اقتياده أسيرا هو الآخر 0
    في المساء شن العدو الإيراني هجوما كاسحا واسعا تمكنت قواتنا من صده من القمة حيث الدروع والدبابات والمشاة ومن الرقبة حيث المشاة أبطال اللواء 102 تمكنوا صد الهجوم بإسناد جوي ومدفعي وانتشر الجنود الإيرانيون كالخراف في سفوح الجبال 0
    كان وميض يصوب نيرانه باتجاه العدو الإيراني بدقة محسوبة وعلى جنوده المذعورين 0
    ما أن هدأت شدة الحرب واستقر الموقف النهائي لصالح قواتنا الباســـلة بـــدأت قطعاتنــا ترصــد
    الوديان لتطهيرها من المختبأين في جحور الوديان الصخرية ، رصد وميض ورئيس العرفاء محمد مجموعة من الإيرانيين بين الصخور في الوادي فوجهوا نيران أسلحتهم باتجاههم ، خلع احد الإيرانيين فانيلته البيضاء وبدأ يلوح بها يروم تسليم نفسه والمجموعة التي معه ، بادر وميض بربط قطعة قماش الضماد الميداني على غصن شجرة صغير يابس وتلقى الأمر من النقيب عدنان آمر سريته
    ــ وميض اذهب أنت ومحمد لجلب الأسرى
    ــ نعم سيدي نحن جاهزان
    انطلقا باتجاه أسفل الوادي يسيرون في الطريق النيسمي المتعرج يمينا ويسارا وأسلحتهم موجه باتجاه الإيرانيين ووميض يحمل معه رايته البيضاء بيد وسلاحه باليد الأخرى حتى وصلا إلى فتحة الموت ، توقفا قليلا ثم اجتازوها ركضا لكي لا يصيبهم رامي الديمتروف الاحاديه الإيراني الذي يسيطر عليها من ربية 17 تموز في قمة كردمند ، وحين وصلوا إلى الإيرانيين طلب وميض منهم أنزال أسلحتهم إلى الأسفل وفوهاتها باتجـــاه الأرض ، بــدأ رئيس العرفاء

    محمد بجمع أسلحتهم وحمل نصفها معلقة على كتفيه والنصف الآخر حمله وميض بنفس الطريقة ، طلبا من الإيرانيين التحرك ألا أنهم طلبوا شرب الماء أولا كونهم قريبين من عين الماء ، سحب وميض زمزميته وألقى بها أليهم شربوا ما فيها ثم ملؤها بماء العين ووزعوه على الباقين ، ملئوا زمزمية الماء ثانية واعطوها الى وميض ، كان محمد يسير امامهم ووميض يسير خلفهم وان عدد الاسرى كان اثنى عشر مقاتلا ومن مختلف الاعمار منهم من بلغ الستين من العمر ومنهم لم يبلغ العشرين عاما وقد وضعوا الشرائط الخضراء المربوطة على الجبين وعليها كتابة باللغة العربية ( شهيد ياحسين شهيد ياكربلاء ) 0
    وفي طريق العودة وصلوا فتحة الموت وبالإشارة باليد تم إفهام الإيرانيين بخطورة عبور هذه الفتحة وطلبوا منهم الركض الواحد بعد الآخر وسبقهم محمد ، وبدأ رامي الديمتروف الايراني باطلاق النار عليهم دون ان يصيب احد 0
    كان ضباط السرايا والمقاتلين واقفين يشاهدون هذا الفعل منذ حمل وميض الراية حتى عاد بالأسرى وهم يثنون عليهم ، استمرا بالسير صعودا بصحبة الأسرى حتى وصلوا قاطع السرية وتسليمهم للنقيب عدنان ، تم اطعام الاسرى ببعض علب البسكويت والماء المتوفر وتم طمأنتهم على سلامتهم حيث كان فيهم شخص يجيد العربية وهنا حدثت المفارقة اللطيفة حين سألهم النقيب عدنان
    ــ إلى أين انتم ذاهبين بهذا الهجوم
    ــ ابلغونا من هنا الطريق إلى كربلاء
    ضحك الجميع نحن في الشمال حيث الجبال وكربلاء ليست قريبه من هنا 0
    تم ربط أيدي الأسرى إلى الخلف بالضماد الميداني ( اللفاف ) لغرض تسفيرهم الى القدمة الإدارية عندها بكى بعض الاسرى ، طمأنهم وميض هذا اجراء لغرض ايصالكم بأمان
    ــ لماذا البكاء
    ـ لقد ابلغونا بأن لا نستسلم لكم أسرى لأنكم ستقتلوننا
    هذا غير صحيح نحن مسلمون ونراعي حقوق الأسرى سنرسلكم إلى اربيل ومن هناك الى بغداد حيث اقفاص الاسر ، اطمأنوا على سلامتكم لانكم في بلد لايقتل اسراه كما قتلتم اسرانا 0
    وتطلب القيادة أسماء المتميزين لغرض تكريمهم وكانت على ثلاث فئات الأولى أنواط الشجاعة والثانية منح سيارة هديه والثالثة ترقية رتبة واحدة أعلى ، اجتمع النقيب عدنان بجنوده موضحا الامر واتفق الجميع على ان يمنح الشهداء انواط الشجاعه وباقي المتميزين يشملون في الفئتين الاخريين 0
    كان وميض من ضمن المقاتلين الذين تم تكريمهم ، وبعد فترة قليلة يصدر أمر نقل وميض إلى سرية إنشاءات قيادة قوات الحرس الجمهوري على ان يجرى انفكاكه خلال 48 ساعه ، رفض وميض الانفكاك السريع وعذره في ذلك ان ينتظر الضباط والجنود في سريته حين التحاقهم من الاجازه لكي يودعهم وفعلا حصل ذلك حيث في اليوم الثاني التحقوا وسنحت له فرصة توديع رفاق السلاح 0
    (21 )

    التحق بوحدته الجديدة في بغداد منطقة ألعامريه واصل العمل بها كونها تشكيل جديد ونسب إلى قلم السرية نظم سجلاتها وثبت الكنى العسكرية ودقق أوامر القسم الثاني فيها وعمل على الآله الكاتبه بشكل جيد وحرص على العمل فيها بشكل دقيق نال اعجاب الظباط فيها ولم يبقى فيها سوى فترة قليلة جدا حيث صدرت الاوامر العسكرية بنقلهم إلى جبهات القتال وتم جمع المقاتلين لهذا الغرض كان النقيب خليل امر السرية ينظر إلى وجوه الجميع وينادي من يجيد العمل على الآله الكاتبه فلم يجيبه احد ، كان وميض متعمدا ذلك لغرض الذهاب الى الجبهة من جديد ليساهم بشرف دفاعا عن العراق والامة العربية في بوابتها الشرقي ، كان امر السريه يتفحص الوجوه لكي يراه
    ـ ها وميض انت تشتغل عل الطابعة ليش ما طلعت
    ــ عفوا سيدي ما أجيد الشغل عليهه
    استغرب نقيب خليل هذا الجواب لأنه يعرف عمل وميض وأيقن انه راغب بالذهاب إلى الجبهة فتركه وشأنه وصدر أمر نقله إلى اللواء المشاة 501 البطل وكان في مرحلة أعادة التنظيم ، التحق وميض بهذا اللواء بعد تكبده الخسائر في معركة نهر جاسم وكان مقره في قاطع ميسان ، نسب الى احد الافواج ومنه الى احدى السرايا على جبهة القتال ، كان امر السرية النقيب عبد الكريم شخصية طيبة التعامل مع الجنود وحريص على اداء الواجبات بشكل يظمن سلامة الجميع ، تابع وميض واجباته العسكرية بدقة متناهية ، خرج بصحبة امر السرية وعشرة جنود بدورية قتاليه ضد العدو الايراني وعند المساء ساروا بالرتل المنفرد في طريق نيسمي بين حقول الالغام بحذر شديد حتى وصلوا الى مكان الكمين وتمركزوا هناك يراقبون القوات الايرانية بواسطة الناظور الليلي وعند الفجر انسحبوا دون ان تحدث اية مفاجئــة
    ومن طرائف هذا الفوج اتفاقية العريف شنيشل فما هي هذه الاتفاقيه ؟ ببساطة يرويها عريف هيس مسؤول المخابره في السريه كنا على نهر جاسم وفي الضفه المقابله لنا الايرنيون ورغم اننا قريبين من الماء الا اننا محرومون من الغسل والسباحة في النهر بسبب القنص الايراني وهم محرومون ايضا بسبب القنص العراقي نهض عريف شنيشل وصاح باعلى صوته مخاطبا الايرانيين طالبا منهم التحدث دون ان يطلقوا الرصاص ، وافقوا على ذلك وخرج احدهم عبر النهر وبدأ التفاوض
    ــ أنت من تحجي لتسب الأمام خميني
    ــ وأنت أيضا لا تسب القائد صدام حسين
    ــ اتفقنا، ماذا تريد
    سمع ضابط استخبارات الفوج الأصوات العالية وطلب من هيس أن يفتح له خط الهاتف ويرفع السماعة للأعلى لكي يسمع ما يدور بين الطرفين0
    ــ نريد أن نسبح في النهر ونستخدمه لأغراضنا اليومية دون أن تطلقوا علينا النار
    ــ ونحن كذلك نرغب بذلك فلا تطلقوا علينا النار
    هذه هي اتفاقية شنيشل ونزل الطرفين كلا من الجرف القريب يسبحون ويمرحون بأمان وقد اذاعة ايران هذه الاتفاقيه عبر اذاعتهم 0
    أليست هذه طرفه من طرف الحرب ، وتمضي الشهور القليلة ويبدأ وميض بممازحة رفاق السلاح باني سأنقل إلى بغداد فريبا فيضحكون وهم يقولون له أن من يدخل هذا اللواء لا ينقل منه ألا أسيرا أو شهيدا 0
    لم يكمل وميض اشهره الستة الأولى حتى صدر أمر نقله إلى سرية مراسم قيادة قوات الحرس الجمهوري في بغداد وينسب الى هيئة التصنيع العسكري ، ودع رفاق السلاح قادما الى بغداد حيث وحدته الجيدة 0
    ( 22 )

    التحق وميض بوحدته الجديدة ونسب للعمل في أحدى منشات التصنيع العسكري غربي مدينة بغداد ، عمل هناك بشكل متميز وكان حريصا على أنجاز الواجبات المكلف بها بشكل جيد وبهمة عالية وكان يقف على المكائن الكهربائية الموجودة في ورشته ساعات طويلة دون ملل هدفه انجاز النماذج المطلوبة بوقت قياسي 0
    في هذه الفترة من عام 1988 تعرف على أحدى الفتيات وكانت تعمل في المفاعل النووي قرب مدينة سلمان باك استمرت علاقته بها ما يقرب الثلاثة عشر شهرا عاش أحلى أيام عمره ، رغم أنها اعترفت له في الشهر الأول من علاقتهم بأنها كانت على علاقة بشاب آخر من محافظة صلاح الدين وفي احد الأيام غدر بها وأزال بكارتها وهرب دون أن يحاول أصلاح خطئه ورغم أنها اتصلت به مرارا دون جدوى ، شعر وميض انه أمام حالة إنسانية تستحق مد يد العون لها ليمحو عنها حالة الحزن 0
    ــ الم تبلغي احد من عائلتك
    ــ كلا لأنهم سيعملون على قتلي غسلا للعار
    ــ الم تحاولي سلوك طريق الطب لتلافي هذا الخطأ
    ــ لا اعرف أحدا يعالج هذه الأمور
    ابتسم وميض وقال لها يا هند لا تجزعي لي صديق طبيب يجري عمليات الخياطة للبكارة قبل ثلاثة أيام من الزواج فاطمئني ، وتستمر علاقتهم الحميمة ويتعرف عليها أكثر فأكثر ويعاشرها جنسيا كلما سمحت الظروف لذلك ، وتقربه هي من عائلتها كوتهما يعملان في مجال واحد وهو التصنيع العسكري ، يصبح دخوله إلى دارهم اعتياديا جدا ، يأتي أحيانا بسيارته وأخذها معه ليلا بنزهة في شوارع المدينة ومسارحها الراقية يشاهدون العروض المسرحية فيها ، لقد اغرم بها كثيرا وعشقها عشقا لا يوصف فكتب لها خواطره التي انهالت عليها وصفا وتسجيلا لكل لقاء معها ، ذات يوم خرج معها إلى كورنيش الاعظمية ومن هناك اجّر زورق انطلقا به في دجلة الخير بأتجاه الكاظمية والتاجي يتمتعون بمائه العذب وجريانه اللطيف ويشاهدون الجزر الصغيرة في النهر وهي مزروعة بالاشجار والقصب الطبيعي وحيث الطيور الجميلة فيها وحين عادوا ادراجهم الى حيث مرسى الزوارق ترجلا هناك وعادوا الى بيوتهم فرحين مسرورين 0
    وثق وميض هذه الرحلة بخاطره وبعد أن أنجزها ليلا اتصل بها هاتفيا واسمعها إياها وكانت بعنوان الزورق اسمعها إليها بصوته الحنون الهادئ الممتلئ دفئا 0
    الذي طالما سحرها حين كان يتكلم معها ولطالما كانت تشتاق لسماع صوته كي تذوب به عشقا وحبا وتصل مع صوته إلى حالة الخدر0


    الزورق
    أتذكرين رحلة الزورق
    في دجلة والماء حولنا ترقرق
    والأفق أمامنا ازرق
    لا أريد أن تكون أحلامنا من ورق
    أريدها حالة أسمى وآبها وأعمق
    الحب يجمعنا بين ثناياه والشوق
    أتذكرين رحلة الـ000
    آه يا أحلى زورق


    1/6/1988


    كما وثق وميض كل علاقاته السابقة وثق علاقته مع هند منذ اليوم الأول الذي تعرف عليها وكانت تندهش من أسلوبه في الكتابة وطريقة إلقائه بصوته الذي يسحر من يسمعه حتى وصل بها الحال ان لا تستطيع النزول من سيارته لأنها كانت مندمجة بمشاعرها مع سماعها ما يقول

    ـ يلله انزلي من السيارة
    ـ أنطيني شوية مجال لأني دايخه مما سمعت

    وينتظر وميض حتى يعود إليها وعيها وتترجل من سيارته فيمسك بها من يدها مسك الحبيب للحبيب وهما يسيران باتجاه جسر الصرافية الحديدي فما ألخاطره التي أربكت لها الحال ؟
    نعم هذا نصها وهي أول خاطره كتبت لها في اليوم الأول لتعارفها



    صدفـه
    هند 000
    يا صاحبة الخد الذي يشع ضياء
    والعينين الناعستين فيهما عمق السماء
    أنا أحببتك بجدية وبلا رياء
    أنا عشقتكِ عشقا يستحق الثناء
    لا تحاولي الابتعاد عني 000
    فيحل بيننا الجفاء
    أرحمي قلبي بنظرة من عينيكِ
    أو بكلمة من شفتيكِ ذات الكبرياء
    تعالي إليّ لنعش حياتنا بهناء
    وليكن الصدق بيننا كبيرا وبسخاء
    مدي يديكِ ليكن بينا ما أراد الله وشاء
    عشقا 00 هوى أو ما شئتِ من الأسماء
    وليدم بينا الود والصفاء
    ولتستمر صداقتنا بكل أباء
    نحو معالي المجد أو في عمق السماء
    ولتكوني لي الرمز أو الغاية الشماء
    يا أبها بسمة ويا أعز النساء
    28/4/1988


    وبعد أن تمتعا غادرا موقع الجسر عائدين إلى داريهما وهما مسروران0
    ( 23 )

    كان وميض يواصل عمله ألجهادي في التصنيع العسكري الذي اخذ حيزا كبيرا من وقته حيث يخرج إلى الدوام في ساعات الصباح الأولى ويعود إلى منزله في ساعات متأخرة حيث يصله والساعة تقارب التاسعة ليلا ، أهنا ينتهي بي المطاف في هذا الموقع البعيد عن القتال أ هنا اركن كقطعة آلة بين أربعة جدران يلاحظ ذلك احد زملائه 0
    ــ ما بك يا وميض أراك حيرانا
    ـ أيكون موقعنا هنا بعيد عن ساحات القتال ساحات الشرف
    ــ نحن هنا نقدم لهم الدعم وإسناد عجلة الحرب يا صاحبي
    يهز وميض رأسه غير مقتنع لان ما يقومون به يستطيع أي رجل كبير بالسن ممن غير مشمولين بخدمة الاحتياط إنجازه ويكون مكانهم هم الشباب والقادرين على حمل السلاح بين رفاق السلاح في الجبهات 0
    أن الدوام في تلك المنشآت كان معرقل للقاء وميض مع حبيبته وكان يستغل أيام العطل والجمع للقاؤها وكانت تنتظر هي بشوق ولهفة
    هذا اللقاء المملوء بالمشاعر والعواطف الجياشة وبالمتعة الجنسية التي يتبادلانها عاريين يحرقهما لهيب الحب وتتقد فيهما أشواق المودة ولا يكفيهما ما صنعا بل تأخذ لحظات الوداع الأخيرة لهذا اللقاء حيز كبيرا من القبل الملتهبة وتبادل الرضاب ولف اليدين من الخلف وتلتف الساق بالساق كلا ممسك بالأخر وكأن هذا لقائهما الأخير 0
    يعود وميض إلى عمله وهو مفعم بالهمة أحيانا وأحيانا أخرى يصيبه الكسل والممل لأنه ترك حبيبته وهو لازال يفكر بها ، وحين يعود إلى رشده يعود للعمل بجد وبتفاني ليس له نظير وقد كوفئ عدة مرات مكافآت مالية لإخلاصه بالعمل مما حفزه للعمل بهمة اكبر ليحافظ على ثقة مسؤولية به ، كانت تدفعه غيرته العربية الأصيلة للتفاني من اجل وطنه وكانت تربيته الوطنية والقومية في البيت هاجسه الأول وديدنه في الأحاديث والأفعال ، شغلت مواقفه هذه زملاء العمل ومعارفه أينما كان يعمل شغلتهم شخصيته وأفكاره وأيمانه المطلق بها وإصراره اللا متناهي من اجل تطبيقها حتى شعروا أن وميض هذا يجب أن يكون في مواقع أعلى لأنه يمتلك مواصفات قيادية مؤثرة بجميع من يعمل معهم إنسانيا 0

    ــ يجب أن يأخذ وميض موقعه الحقيقي في كل المجالات
    ــ لماذا يا حسن ، الم تعلم انه لم يكمل دراسته
    ــ بلا يا عمر اعلم ذلك ولكن انظر إليه كيف يدير أعمال الورشة وعمالها ويحقق الإنجازات ويتم العمل بروح إنسانيه جعلت الجميع يحبوه ويعملون معه دون ملل
    نعم انه قائد العمل دون تسمية رسمية ومسؤول الورشة بلا شك لكن ليس بشكل رسمي فغيره هو المسؤول 0



    وتستمر المعركة وطوال تلك الفترة كان العراق سباقا لإيقاف عملياته العسكرية بالمناسبات والأعياد الدينية ويعلن ذلك صراحة عبر بياناته ولم تستجب إيران أبدا ، واستجاب العراق إلى طلبات المؤتمر الإسلامي والشخصيات الدولية بإيقاف نزف الدم وأعلن ذلك مرارا ولم تخضع إيران لأي طلب 0 كانت الحرب سجالا بين الطرفين حيث توغل العراق إلى العمق الإيراني كثيرا واحتل مدنها وقصاباتها ثم عادت إيران لتدفع العراق إلى حدوده الدولية بعد سنين من ذلك ولم تكتفي بل احتلت مدينة الفاو وجزء آخر من الأراضي العراقية لبضع سنين ثم عاد العراق وحرر أرضه ومدنه وكبد الإيرانيين خسائر كبيرة ودخل عمق إيران من جديد ، وأثناء الحرب صدرت عدت قرارات دوليه تدعوا الطرفين إلى إيقاف الحرب امتثل العراق لهذه القرارات ولم تخضع لها إيران حتى ذاقت إيران خسائر جديدة حين احتل العراق جزء من أراضي إيران دفاعا عن حدوده وشعبه 0

    ( 24 )

    وتمضي الأيام وينتهي النصف الأول من عام 1988 ليأتي نصفه الثاني والجيش العراقي الباسل ممسك بالأرض صامد في جبهات القتال يلقن الإيرانيين الدروس التي لا تنسى فمحرقة الحرب تخلف القتلى والجرحى وتدمير المــــدن والأسرى في أقفاص الأسر لفترات طويلة ، وأمام صمود العراق وأبطاله تعلن إيران إيقاف الحرب في8/8/1988 ملتزمة بقرار مجلس الأمن عبر بيان أذيع من طهران ورد فيه نوافق على إيقاف القتال كمن يتجرع كأس السم الرعاف ، نعم لقد أذاقكم العراق السم وجعل الموت بين ظهرانيكم في كل لحظة وكسر شوكتكم وجبروتكم وسحق ماكينتكم العسكرية وأذل كبريائكم 0
    وتبقى قضية الأسرى حيث تأخر تسليمهم لسنوات طويلة وهم بحاجه إلى تأهيل نفسي ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي في المجتمع 0 وفي بداية العام1989 صدرت أوامر تسريح وميض وقسم من زملائه لينهوا بذلك رحلة الجيش والضبط العسكري 0
    عاد وميض إلى الحياة المدنية المريحة وما هي ألا أيام قليلة يتفرغ بعدها لحبيبته وتستمر علاقته بها وتستمر اللقاءات الساخنة وممارسة الجنس ولطالما ارتمت بأحضانه مطمئنة تبادله الحب بالحب والعاطفة بالعاطفة والمتعة بالمتعة حتى ذابا شوقا وارتعاشا من اللذة
    0

    احداث مشوقة

    شكرا للمرور


    _________________
    تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني <a href=تكملة رواية عاشق لخط النار / الجزء الثاني 13062110" />

    سيبقى العراق في حدقات العيون

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 12:47 pm