الرئيسية
البوابة
أحدث الصور
التسجيل
دخول
من طرف تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
4ـــ رحلـــة مع الشــــعـراء
شاعـر وقـصيـده
المقدمة:ــ
قد يتساءل القارئ العزيز لِمَ هذا الاهتمام بالشعر عبر سلسلة من المقالات المختلفة والأجزاء المتعددة، أقول إن للغة العربية سحر وبيان لا يفوقهما به شيء واني أرى إن الشعر العربي يجسـد هذا السحر والبيان للغة العربية فكتبت سلسـلة المقالات عن الشعر والشعراء وموضوع اليوم شاعر وقصيدة يختلف عن المواضيع السابقة حيـث في هذه السلسلة سأناقش بعض قصائد الشـعراء وإرهاصات نظمها ومعانيها ومدلولاتها وبلاغة مفرداتها والصور الشعرية الموجودة داخلها.
وسأكتب عن شعراء متعددين نظموا في الشـعر العمودي ( الموزون المقفى ) والشـعر الحـر ( الموزون غير المقفى ) والشعر الشعبي ( الـذي نظم بلهجة عامية ) وسيكون محور الحديث هـو القصيدة نفسها لا الشاعر كما كتبت في المواضيــع السابقة وغايتي من ذلك هو إشراك القارئ فـي نزهة لغوية أدبية نتبادل الحديث معه في مفــــردات تلك القصائد .
من شاعر إلى أخر ومن نمط شعري إلى أخـر وسأقتبس من الشاعر ما نظم من شعر في أحدى المجالات الشعرية التالية ( الغزل، الحب، المدح، الوصف، القصائد الوطنية والسياسية ) وغيــر ذلك، لتتوضح لنا صور الإبداع الشعري واللغـــوي لدى شاعرنا المختار في مقالاتي هذا من جانـب وليطلع القارئ العزيز على شعرائنا ويتعرف عليهم وعلى نتاجهم الشعري أيضا من جانب أخر، وستكون لنا جولات متعددة مع شعراء متعدديـن لكي نعطي الموضوع أبعاده فمع من ستكون الجولة الأولى؟.
الرحلة الأولى:ــ مع الشاعر محمد حنون
شاعرنا اليوم شاعر شعبي وشاعر فصحى كتـب فأبدع في كل مجالات الشعر شاعر ( يمتلك رقـة الحرف وسهولة التعبير ) قيس لفتة مراد.
من يمتلك تلك المواصفات ستتيه الكلمات في بحـــر وصفه وإعطائه حقه وكل الذي أقول انه مبدع فـــي الشعر وبكافة ألوانه، ارتأيت أن أتناول أحدى قصائده في مجموعته الشعرية ( الرقص في غابـة السكون ) وهي من بدايات الشاعر ومع قصيدة جرح الأمس ( ذي قار1970 ) في هذه القصيـدة تنساب الحروف والكلمات برقة وعذوبة رغـــــم إن القصيدة تتحدث عن الجرح والأسى والسهر الـــذي يسببه الشوق والحب حتى يكاد شاعرنا يصل إلى الكفر لولا أخلاقه التي منعته من ذلك وفي هـذه القصيدة عتاب واضح للشاعر يعتب على جراح الأمس التي ايقضت فيه الشـوق في أعماق أعماقه.
وإذا كانت المقولة المعروفة تحت الرماد نار فقد تمثلها الشاعر أجمل تمثيل حين أججت رماد الأشواق وأحرقت اللهيب فيه، كلمات القصيـدة عذبة جميلة تشعر بها تنساب من قلب الشاعر لا من لسانه فتحس بصدق القصيدة واليك عزيـزي القارئ قصيدة جرح الأمس ( 1970 )
يا جرح الأمس المكلوم
ايقضت الشوق بأعماقي
فقطفت البسمة من ثغري
وغرست السهر بأحداقي
أضرمت لهيب الآهات
أججت رماد الأشواق
وأطلت الليل بأجفاني
من غير نديم أو ساقي
فنزفت الأحرف من قلبي
زفرات تحرق أوراقي
يا جرح الأمس كفى وجدا
وترفق بالرمق الباقي
أرهقت فؤادي في الأسر
فمتى ميعاد الإعتاق
أ فهذا السقم وذا الحزن
قد فرض للعشاق
والى مَ يا طوق الوجد
تتحكم حول الأعناق
يا ليل الشوق متى تمضي
هل من أمل للإشراق؟
أوشكت أمزق إيماني
من فرط أساي وإرهاقي
حاولت بحبي الكفران..
لكن منعتني أخلاقي
فلماذا يا جرح الأمس..
ايقضت الشوق بأعماقي ؟
هذه القصيدة من أبداع شاعر كان في بدايات حياتـه الشعرية، كتب الأغنية وكتب الشعر الشعبي وكتـب الفصحى بشفافية ورقة وعذوبة تنساب الكلمات من قلبه كجريان الدم في الجسد فتشعر بصدق ما كتــب ويشدك الشوق إلى قصائده.
************************
الرحلة الثانية:ــ مع الشاعر شاكر عاشور
شاعر عربي كرست قصائده للحب والوطن وبيروت، شاعر عرفناه نقيا بنقاء وصفاء زرقة السماء، حين يكتب يكتب بصدق المعـانـاة وتسترسل الكلمات من بين أنامله كأنها قطـرات البحر قطرة قطرة حتى تصير الكلمات بيتا شـعريا ويصير البيت قصيدة وتصير القصيدة عنوانا لا يبرح مفرداته حتى النهاية انه الشوق والحنيـن للشعر وما فيه من عذوبة وألام وإرهاصات وما بـه من معانات للشاعر حين يكتب.
كيف يكتب الشاعر وكيف تتحول كلماته إلى أبيات ينسج خيوطها في زمن الصمت وكيف يتحول هذا النسيج حتى يصير قصيدة تظم كل أفكار هذا الشاعر فتصبح له وطن وما أحلى القصيدة حين تكون وطن وما أحلى القصيدة حين تكون واقعية تكتب برمــوز معروفة لدى الشارع ولدى القارئ وما أحلى القصيدة حين تنظم من صميم الواقع المعاش اليومي لشخوصها فتتجسد أمامك امرأة معشوقة أو مدينة مذبوحة أو.. أو إلى أخر الكلمات، وما أحلى الشاعر حين يكون واقعيا يحمل همـوم وطنه وأمته فيكتب بلا تردد وبلا خوف يعبر عما في داخله فتولد الكلمات في مخاض صعـب وتتوحد الكلمات في أبيات شعرية في مخاض أصعب وتتوحد الأبيات في قصيدة رائعة في مخاض ليس له مثيل فتصبح حقيقة يقرأها الناس ويستمتعون بموسيقاها وكلماتها ومعانيها.
ومن مجموعته الشعرية المعنونة ( دم البحر أزرق) أختار قصيدته بنفس العنوان ( دم البحر أزرق ) في 23/3/1976، في هذه القصيـدة يتوحد العشق عنده بين الحبيبة والوطن بين الشفتين والمدينة بين لحظات الغرق وذراع المقاتل وتتوحد عنده مياه البحر بدم البحر وهو يسعى لاحتضان حبيبته فكيف السبيل لذلك، كيف يحتضن العاشق المحب مدينته التي أحب تحت ظلال البنادق وكيف تتحول بيروت عنده إلى سيدة العاشقات وهو يعلق قلبه على فوهات البنادق ومع ذلك يطلب منها أن تتسع وهي على حافات المياه للبحر لكي يبقـى دم البحر أزرق.
وألان مع قصيدته دم البحر أزرق
الأزرق
انه البحر
فلتتسع شفتاك
وتمتد اذرعه الشوق
لا وقت للوقت بين الغريق
وبين ذراع المقاتل
اتسعي مثلما جسدي فوق هذي المياه
يدافع عن زرقة البحر
( إن دم البحر ازرق )
آه سيدتي
كأن سيل من الدم يزحف نحوك
في الليل
وكنت أحاول أن أتعرى من الموت
تحت بنادقهم
لاضمك
لكنك ، حين سحبت من الموت عمري
تناسيت سيل جرحي
وحضن حنيني
فقادوك في الليل للبحر عارية
تتناسل فيها الجراح
فصار دم البحر احمر
آه بيروت
سيدة العاشقات
على فوهات البنادق علقت قلبي
وصرت على شفة البحر جارية
يتسلى بلعق دماها الطواغيت
بيروت ، بيروت
إن دم البحر ازرق
فاتسعي مثلما جسدي فوق هذي المياه
يطاول أغلالهم بهواه
ليبقى دم البحر ازرق
وتبقى أمنيات الشاعر آنذاك أن يبقى دم البحر أزرق وتمر السنين وتهدأ عاصفة الحرب والقتـل وينتهي الأنين في مدينة أطلق عليها الشاعر اسـم سيدة العاشقات فكانت كذلك بيروت سيدة العاشـقات وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى رجع دم البحـر ازرق فتحقق للشاعر ما أراد في قصيدته.
وأنا أتساءل هل توقف نزيف الدم العربي كما توقـف في لبنان، الجواب يقينا لا لن يتوقف هذا النزف. فهل من شاعر أخر يتمنى أن يتوقف نزف دمنـا العربي المسفوح على مذابح الاحتلال فـي كـل الأقطار المحتلة في قصيدة رائعة يخلد فيها أســمه وهل من سبيل إلى التحرير؟.
رحلــــــة مع الشـــــــعراء
الرحاة الثالثة:ـ مع الشاعر أبو القاسم ألشابي
مرة أخرى يأخذنا سندباد الشعر ببساطه السحـــري العجيب يأخذنا من أرض المقاومة إلى تونـس الخضراء هذه المرة.
ولد شاعرنا عام 1909 في بلدة ألشابيه بالقطـر التونسي وفيها دفن وعرفت عائلته على مـدى أجيال بالعلم والفضل وكان والده الشيخ محمد بـن القاسم ألشابي عالما فاضلا درس في جامع الأزهر في القاهرة ونال إجازة التطويع من جامع الزيتونـة بتونس وعين قاضيا شرعيا فرضت هذه الوظيفة على والد الشاعر الانتقال في المدن التونسية مما أتاحت لهذا الطفل التعرف على أنماط الحياة التونسية والتمتع بجمال مدنها الخلاب، وقد أفاض به ينبوع الشعر وبدأ بنظم قصائده وهـو لم يتم عامه الخامس عشر بعد، وتأثر بالأوضاع السياسية والفكرية السائدة آنذاك في تونس والوطن العربي رغم ان دراسته عربية وقد أوجد شاعرنا نظرة متوازنة بين الثقافة السلفية والثقافة القادمة من الغرب واتخذ الموقف الصحيح للمـــزج
بين الثقافتين بما يحافظ على خصوصية المــوروث التونسي والعربي وأيقن شاعرنا بعد رحلة الاستعمار للوطن العربي أن على الشباب جميعـا مقارعة الاستعمار والتخلص منه لإثبات الهوية العربية للأمة.
وقد كتب شاعرنا في مجالات عديدة في الحـب والغزل والحرب والوطنية والرثاء وغير ذلك، وعاش حياة الحزن بعد موت حبيبته وبعدها موت أبيه وأحس بالعجز برثائه رغم ما رثاه به من قصائد وكأنه في قصائده التي كتبها فيما بعد متنبئاً بموته العاجل أو قد استعجل موته، وفعلا فقدنا شاعرنا الكبير عام 1934 وهو في ريعان شبابه عن عمر لا يتجاوز الخامسة والعشرين عاما، خسرنا شاعرا بارعا فذاً خسرنـــا فارساً من فرسان الشعر، وقد كتب أكثر من مئــة قصيدة بدءا بالغزال الفاتن وانتهاءا بقصيدة الحيـاة وهذا ما منشور في ديوانه الشعري وألان مع رائعة من روائعه وقصيدة ( أرادة الحياة )
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسـر
ومن لم يعانقه شوق الحياة
تبخر في جوها ، واندثر
فويل لمن تشفه الحياة
من صفعة العدم المنتظـر
كذلك قالت لي الكائنات
وحدثني روحها المستتر
ودمدمت الريح بين الفجاج
وفوق الجبال وتحت الشجر
إذا ما طمحت لغاية
ركبت المنى ونسيت الحــذر
ولم أتجنب وعور الشعاب
ولا كبة اللهب المستعر
ومن لا يحب صعود الجبال
يعيش ابد الدهر بين الحفر
فحيت بقلبي دماء الشباب
وضجت بصدري رياح اخر
* * *
اكتفي بهذا الجزء من رائعة ألشابي وأية رائعة أنا أفارقها على مضض فيها تتجسد كل المعاني العالية وكل العبر الصادقة ليس بوسعي ألا أن اسجد لها كبر ياءا وشموخا ، أيها ألشابي ألف شمعة قد أحرقت بل أحرقت نفسك شعرا في قضايا الأمة العربية وداعيا لها بأن تتحرر من القيود فهل سيستجيب بعدك الشعب العربي ويبدأ بتحطيم القيود لست أدري؟.
رحمك الله فقد أديت رسالة الشعر وصنت الأمانة وذهبت إلى جوار ربك مرتاح الضمير فهل سـينال الشعراء مثلما نلت ؟ متروك الجواب لهم وعبر قصائدهم وإبداعهم.
رحلـــــــة مع الشـــــــعراء
الرحلة الرابعة:ــ مع الشاعر نزار قباني
ركبت هذه المرة بساط السندباد في رحلتي الرابعـة مع الشعر والشعراء.. اين امضي، ماذا اكتــب، وأي شاعر أختار وبأي أسلوب اسطر جملي؟.
وأنا في حيرتي هذه هبط بيّ بساط السندباد ســريعا كأنه أراد أن يقطع عليّ حيرتي ووضعني أمام عملاق كبير وبين يدي شاعر أكن له كل تقديـر، آه يا بساطي في هذه الربوع الجميلة تحط وبين الكــلام المعسول الرقيق يطيب لك المقام ، أتضعني وجهـــا لوجه أمام شاعر لا اعرف ماذا سأكتب عنه لأنه مبدع عربي يعرفه الملايين.
لأبأس قررت أن اكتب وأنا بين يدي الشاعر نزار قباني ولكن سأكتب بأسلوب مختلف هذه المرة لن أتطرق إلى بلده ومولده وحياته وإرهاصاتها لأنه غني عن التعريف ولن اكتب عن معاناته وإبداعاته وعشقه لأنه اكبر من ذلك، ولن اكتب عن عراقية بلقيس أو بلقيس العراقية البغدادية ودور المرآة في حياته لان وراء كل عظيم امرأة.
لقد عرف نزار قباني بأنه شاعر الغزل والحب والمرآة وشاعر المجون والوصف الرقيق لجـوارح النساء وعواطفهنّ، أنا لا أرى فيه شاعرا عملاقا أحب وإنما رساما مبدعا رسم بالكلمات ما عجزت عن رسمه الفرشــاة فكان رساماً شاعرا وشاعراً رساما ، فأبدع فـــــــي ذلك.
عرفته الملايين من أبناء امتنا العربية شبابا وشابات شاعر غزل وحب وجسد امرأة، وحفظ لـه الكثير وتلذذ بقصائده الشباب والشابات، جيل بعــد جيل كأنهم عطشى لهذا اللون من الشعر وقد وجدوا في إبداعاته ما يروي ظمأهم فانسابت قصائده على ألسنتهم ودخلت أعماق أعماقهم وعشعشت في عقولهم وأطفأت عطشهم بل أثارت فيهم نشوة الحب وعذابات العشق وتقاذفتهم بين ضفتيها دواوينه ومجاميعه الشعرية زهوا وطربا وحبا وألقا واعتزازا بهذه القصائد وبمن نظمها وتكاد لا تخلوا حقيبة شابة أوجيب شاب من قصيدة من قصائده، وكأنهم وضعوا نزار قياني في زاوية الحب والعشق والهوى، ولم يروا له إبداعات أخرى غير ذلك.
والحقيقة عكس ذلك فشاعرنا له إبداعات في المجال السياسي شعرا أبدع فيه ولغرض توضيح هذه الحقيقة قررت الخوض في هذه الزاوية التي حجبت عن شبابنا لكي يعرفوا نزار قباني حق المعرفة.
كان لزاما عليّ أن ابدأ بمجموعته الشعرية المعنونة ( الأعمال السياسية ) الصادرة عـن بيروت عام 1974 والتي تظم سبعة عشر قصيــدة كتبت بين عامي 1967 ــ 1973 فنزار ليـس شاعر الحب فقط وإنما شاعر الإبداع الشعري بكـل ألوانه وصوره، تبدأ مجموعته الشعرية بقصيـدة هوامش على دفتر النكسة عام 1967 الذي يقـول في بدايتها
انعي لكم، يا أصدقائي
اللغة القديمة
والكتب القديمة
انعي كم.. انعي لكم
نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة
ثم أعقبها بقصائده ألتاليه ( الممثلون، الاسـتجواب، فتح، شعراء الأرض، محكمة الشعر، من مفكرة عاشق دمشقي، قصيدة اعتذار لأبي تمــام، إليه في يوم ميلاده، الخطاب، حوار مع أعرابي أضاع فرسه، دعوة اصطياف للخامس من حزيران، عرس الخيول الفلسطينية، جريمة شرف أمام المحاكم العربية، ملاحظات في زمن الحب والحرب ).
وبعد عزيزي القارئ بعد أن اطلعت على مجموعتـه الشعرية وأسماء قصائدها وإبعادها السياسية التي تحاكي الضمير العربي محاولة تأجيج نار الصحـوة العربية لكل عربي شريف.
لابد أن أخذك قارئي إلى أحدى قصائده التي تحاكي مدينة عربية محتلة عزيزة علينا جميعا ومع قصيدة
القدس
بكيت حتى انتهت الدموع
صليت حتى ذابت الشموع
ركعت حتى ملّني الركوع
سألت عن محمد ، فيك، وعن يسوع
يا قدس، يا مدينة تفوح أنبياء
يا اقصر الدروب، بين الأرض والسماء
يا طفلة جميلة محروقة الأصابع
حزينة عيناك يا مدينة البتول
يا واحة ظليلة مرّ بها الرسول
حزينة حجارة الشوارع
حزينة مآذن الجوامع
يا قدس، يا جميله، تلتف بالسواد
من يقرع الأجراس في كنيسة ألقيامه؟
صبيحة الآحاد
من يحمل الألعاب للأولاد؟
في ليلة الميلاد
يا قدس يا مدينة الأحزان
يا دمعة كبيرة تجول في الأجفان
من يوقف العدوان؟
عليك يا مدينة الأديان
اكتفي بهذا الجزء من القصيدة عزيزي القارئ لأنني لن أتحمل أن أكمل هذه الملحمة حيث الدمـوع بـدأت تأخذ طريقها في عيني حزنا وألما فكل المـدن العربية المحتلة هي القدس سواء في فلسطين ولبنان والعراق وأي قطر عربي أخر فعذرا شاعري الكبير وأرجوا أن وفقت في إيصال شعرك السياسي إلى الجمهور في رحلتي هذه، ويقيني أني لم احتوي كل أبداعك ولن احتويه مهما كتبت عنك فعذرا.
***********************************
5ـــ شاعـر وقـصيـده
المقدمة:ــ
قد يتساءل القارئ العزيز لِمَ هذا الاهتمام بالشعر عبر سلسلة من المقالات المختلفة والأجزاء المتعددة، أقول إن للغة العربية سحر وبيان لا يفوقهما به شيء واني أرى إن الشعر العربي يجسـد هذا السحر والبيان للغة العربية فكتبت سلسـلة المقالات عن الشعر والشعراء وموضوع اليوم شاعر وقصيدة يختلف عن المواضيع السابقة حيـث في هذه السلسلة سأناقش بعض قصائد الشـعراء وإرهاصات نظمها ومعانيها ومدلولاتها وبلاغة مفرداتها والصور الشعرية الموجودة داخلها.
وسأكتب عن شعراء متعددين نظموا في الشـعر العمودي ( الموزون المقفى ) والشـعر الحـر( الموزون غير المقفى ) والشعر الشعبي ( الـذي نظم بلهجة عامية ) وسيكون محور الحديث هـو القصيدة نفسها لا الشاعر كما كتبت في المواضيــع السابقة وغايتي من ذلك هو إشراك القارئ فـي نزهة لغوية أدبية نتبادل الحديث معه في مفــــردات تلك القصائد .
من شاعر إلى أخر ومن نمط شعري إلى أخـر وسأقتبس من الشاعر ما نظم من شعر في أحدى المجالات الشعرية التالية ( الغزل، الحب، المدح، الوصف، القصائد الوطنية والسياسية ) وغيــر ذلك، لتتوضح لنا صور الإبداع الشعري واللغـــوي لدى شاعرنا المختار في مقالاتي هذا من جانـب وليطلع القارئ العزيز على شعرائنا ويتعرف عليهم وعلى نتاجهم الشعري أيضا من جانب أخر، وستكون لنا جولات متعددة مع شعراء متعدديـن لكي نعطي الموضوع أبعاده فمع من ستكون الجولة الأولى؟.
الجولة الأولى:ــ مع الشاعر محمد حنون
شاعرنا اليوم شاعر شعبي وشاعر فصحى كتـب فأبدع في كل مجالات الشعر شاعر ( يمتلك رقـة الحرف وسهولة التعبير ) قيس لفتة مراد.
من يمتلك تلك المواصفات ستتيه الكلمات في بحـــر وصفه وإعطائه حقه وكل الذي أقول انه مبدع فـــي الشعر وبكافة ألوانه، ارتأيت أن أتناول أحدى قصائده في مجموعته الشعرية ( الرقص في غابـة السكون ) وهي من بدايات الشاعر ومع قصيدة جرح الأمس ( ذي قار1970 ) في هذه القصيـدة تنساب الحروف والكلمات برقة وعذوبة رغـــــم إن القصيدة تتحدث عن الجرح والأسى والسهر الـــذي يسببه الشوق والحب حتى يكاد شاعرنا يصل إلى الكفر لولا أخلاقه التي منعته من ذلك وفي هـذه القصيدة عتاب واضح للشاعر يعتب على جراح الأمس التي ايقضت فيه الشـوق في أعماق أعماقه.
وإذا كانت المقولة المعروفة تحت الرماد نار فقد تمثلها الشاعر أجمل تمثيل حين أججت رماد الأشواق وأحرقت اللهيب فيه، كلمات القصيـدة عذبة جميلة تشعر بها تنساب من قلب الشاعر لا من لسانه فتحس بصدق القصيدة واليك عزيـزي القارئ قصيدة جرح الأمس ( 1970 )
يا جرح الأمس المكلوم
ايقضت الشوق بأعماقي
فقطفت البسمة من ثغري
وغرست السهر بأحداقي
أضرمت لهيب الآهات
أججت رماد الأشواق
وأطلت الليل بأجفاني
من غير نديم أو ساقي
فنزفت الأحرف من قلبي
زفرات تحرق أوراقي
يا جرح الأمس كفى وجدا
وترفق بالرمق الباقي
أرهقت فؤادي في الأسر
فمتى ميعاد الإعتاق
أ فهذا السقم وذا الحزن
قد فرض للعشاق
والى مَ يا طوق الوجد
تتحكم حول الأعناق
يا ليل الشوق متى تمضي
هل من أمل للإشراق؟
أوشكت أمزق إيماني
من فرط أساي وإرهاقي
حاولت بحبي الكفران..
لكن منعتني أخلاقي
فلماذا يا جرح الأمس..
ايقضت الشوق بأعماقي ؟
هذه القصيدة من أبداع شاعر كان في بدايات حياتـه الشعرية، كتب الأغنية وكتب الشعر الشعبي وكتـب الفصحى بشفافية ورقة وعذوبة تنساب الكلمات من قلبه كجريان الدم في الجسد فتشعر بصدق ما كتــب ويشدك الشوق إلى قصائده.
******************************
الجولة الثانية:ــ مع الشاعر شاكر عاشور
شاعر عربي كرست قصائده للحب والوطن وبيروت، شاعر عرفناه نقيا بنقاء وصفاء زرقة السماء، حين يكتب يكتب بصدق المعـانـاة وتسترسل الكلمات من بين أنامله كأنها قطـرات البحر قطرة قطرة حتى تصير الكلمات بيتا شـعريا ويصير البيت قصيدة وتصير القصيدة عنوانا لا يبرح مفرداته حتى النهاية انه الشوق والحنيـن للشعر وما فيه من عذوبة وألام وإرهاصات وما بـه من معانات للشاعر حين يكتب.
كيف يكتب الشاعر وكيف تتحول كلماته إلى أبيات ينسج خيوطها في زمن الصمت وكيف يتحول هذا النسيج حتى يصير قصيدة تظم كل أفكار هذا الشاعر فتصبح له وطن وما أحلى القصيدة حين تكون وطن وما أحلى القصيدة حين تكون واقعية تكتب برمــوز معروفة لدى الشارع ولدى القارئ وما أحلى القصيدة حين تنظم من صميم الواقع المعاش اليومي لشخوصها فتتجسد أمامك امرأة معشوقة أو مدينة مذبوحة أو.. أو إلى أخر الكلمات، وما أحلى الشاعر حين يكون واقعيا يحمل همـوم وطنه وأمته فيكتب بلا تردد وبلا خوف يعبر عما في داخله فتولد الكلمات في مخاض صعـب وتتوحد الكلمات في أبيات شعرية في مخاض أصعب وتتوحد الأبيات في قصيدة رائعة في مخاض ليس له مثيل فتصبح حقيقة يقرأها الناس ويستمتعون بموسيقاها وكلماتها ومعانيها.
ومن مجموعته الشعرية المعنونة ( دم البحر أزرق) أختار قصيدته بنفس العنوان ( دم البحر أزرق ) في 23/3/1976، في هذه القصيـدة يتوحد العشق عنده بين الحبيبة والوطن بين الشفتين والمدينة بين لحظات الغرق وذراع المقاتل وتتوحد عنده مياه البحر بدم البحر وهو يسعى لاحتضان حبيبته فكيف السبيل لذلك، كيف يحتضن العاشق المحب مدينته التي أحب تحت ظلال البنادق وكيف تتحول بيروت عنده إلى سيدة العاشقات وهو يعلق قلبه على فوهات البنادق ومع ذلك يطلب منها أن تتسع وهي على حافات المياه للبحر لكي يبقـى دم البحر أزرق.
وألان مع قصيدته دم البحر أزرق
الأزرق
انه البحر
فلتتسع شفتاك
وتمتد اذرعه الشوق
لا وقت للوقت بين الغريق
وبين ذراع المقاتل
اتسعي مثلما جسدي فوق هذي المياه
يدافع عن زرقة البحر
( إن دم البحر ازرق )
آه سيدتي
كأن سيل من الدم يزحف نحوك
في الليل
وكنت أحاول أن أتعرى من الموت
تحت بنادقهم
لاضمك
لكنك ، حين سحبت من الموت عمري
تناسيت سيل جرحي
وحضن حنيني
فقادوك في الليل للبحر عارية
تتناسل فيها الجراح
فصار دم البحر احمر
آه بيروت
سيدة العاشقات
على فوهات البنادق علقت قلبي
وصرت على شفة البحر جارية
يتسلى بلعق دماها الطواغيت
بيروت ، بيروت
إن دم البحر ازرق
فاتسعي مثلما جسدي فوق هذي المياه
يطاول أغلالهم بهواه
ليبقى دم البحر ازرق
وتبقى أمنيات الشاعر آنذاك أن يبقى دم البحر أزرق وتمر السنين وتهدأ عاصفة الحرب والقتـل وينتهي الأنين في مدينة أطلق عليها الشاعر اسـم سيدة العاشقات فكانت كذلك بيروت سيدة العاشـقات وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى رجع دم البحـر ازرق فتحقق للشاعر ما أراد في قصيدته.
وأنا أتساءل هل توقف نزيف الدم العربي كما توقـف في لبنان، الجواب يقينا لا لن يتوقف هذا النزف. فهل من شاعر أخر يتمنى أن يتوقف نزف دمنـا العربي المسفوح على مذابح الاحتلال فـي كـل الأقطار المحتلة في قصيدة رائعة يخلد فيها أســمه وهل من سبيل إلى التحرير؟.
*****************
شــــاعر وقـصيــدة
الجولة الثالثة :ــ مع الشاعرة حياة النهر
حياة النهر شاعرة لم أعرف عنها شئ ألا من خلال قصائدها وديوانها الشعري، تتجسد إمامي صورتها، انسانة تحمل هم الوطن وهموم الشــعـب وتختزل الزمن بعباراتها الشعرية الجميلة تكتـب وتنظم الشعر من هواجسها التي تعيشها يوميا ليس هي وحدها وإنما هواجس الشعب أيضا فهي جـــزء من شعب وجزء من تأريخ مرحلة كاملة دفـع الشعب ضريبتها دما من اجل الخلاص من قيــود المرحلة المفروضة عليها وعلى الشعب العراقي في الخمسينيات من القرن الماضي.
شاعرة تشعر أنها تنظم الشعر لتوثق لمرحلة مهمة يعيشها العراق فتكتب عن ثورة تموز 1958 وعن السجون والعذابات وألالم وكتبت عن الشهداء ومواكبهم على مذابح الحرية، تشعر من قرأتـك لديوانها أنها تتصارع يوميا مع الأحداث وتواجـه المشاكل الجسام لكي تولد عندها القصيدة بكلمات رائعة معبرة عن نبض الشارع العراقي وقلبه، نبض القلب للقلب الأوسع ( الشعب ) شاعرة لم تؤثر فيها قضايا الوطن والعراق فقط بل تأثـرت بقضايا الأمة العربية ومواقفها وصمودها، نظمــت الشعر عن مصر وما كان يجري فيها وعن الجزائر وبطولات شعبنا العربي هناك كانت تعيش الهموم والمآسي العربية بكل تفاصيلها وتوثق للمرحلـــة، كأن من واجبها حفظ التأريخ شعرا.
شاعرتنا اليوم لم تكن معزولة عن العالم وما يجري فيه بل تأثرت تأثرا واضحا بنضالات الشعوب فكتبت عن إيران وما جرى فيها من مجـزرة، وكتبت عن فيتنام وما يدور فيها بسبب الاحتلال الأمريكي، نظمت الشعر لهم ووثقت تلـك المرحلة. ووضعت نضال الشعوب نصب عينيها ونزعتهم للتحرر أمام ناظريها فكانت كلماتهـا الهادرة كأن أصواتها أزيز الرصاص بوجه قـوى الظلم والضلالة والكفر، شاعرة لا يهمني اتجاهها السياسي ولا المدرسـة التي تنتمي إليها فكريا، الذي يهمني هو شـــــعرها الرائع وإبداعها الشعري ، حين تقرأ اليوم لحيـــــاة النهر كأنك تعود إلى الوراء وكأنك تعيش الأحداث، هكذا تضعك الصورة الشعرية في عمق الحقيقـة لا غير وألان مع قصيدتها ( تحية الشهيد ) في هــذه القصيدة تحي الشاعرة الشهيد بما جاد به للوطــــن من دم وروح ، وتجسد منزلة الشهيد شعرا وتربـط بين شهادته من اجل الوطن وبين تطور الوطن نحو الأفضل بفضل دماء الشهداء فلا تغير بدون ضريبة ولا انتقال إلى الأفضل دون تضحيات.
وتعود تتمنى للشهيد لو عاد مع العائدين أي لا تريده أن يموت شهيدا لكي يحيى إلى الأبد تبصره الأعين وتعرف مواقفه الأجيال 0 وتعرج في قصيدتها عـن أم الشهيد وماذا تخبر الجيران عن غدا يوم نهضــة الراقد وتتوالى الأحداث في قصيدتها حتى تصــل النهاية في تناغم شعري رائع وتؤكد علـى دور الشعب الصامد واستعداده لتقديم الشهداء من اجل الوطن، ومع قصيدة تحية الشهيد
تباركت من قاحم صامد
وحييت من باسل خالـــد
وبورك فيك النهوض المجيد
فيا لك من ناهض ماجـــد
تحدث عنك السطور السنين
حديث المتيم للواجــد
وتروي الأساطير عنك العجاب
من القصص الصارخ الشاهد
وحيث رمتك يد ألاثمين
نما أمل للضحى الصاعـد
وحيث استقرت بجفن الوجود
رؤاك تشير إلى الرائـد
هنالك بين جموح الرصيف
إذا انطلق الحقد كالمارد
وجدناك تشرب حلو النجيع
وتسخر بالطاعن الحاقد
وتبصر عيناك حلم الشباب
يذرى بكف الردى الفاسد
وتلمح ما بين هذا وذاك
حبالا تجدلُ للصائــد
فيغتر ثغرك عن بسمة
بها أمل ألام والوالــد
لمثلك كنت أريد الحياة
لتبصر خاتمة الوائــد
وتسمع مثل هدير البحار
زئير الجماهير بالجاحـد
وتبسم مثلي لام رؤوم
بكت فرحا لابنها العائــد
من السجن بعد انفصام القيود
عن الكتف الصلد والساعـــد
اكتفي بهذا الجزء من القصيدة لأنها أعطت صــورة رائعة للشهداء، واني لأتسائل هل يعرف جيل اليوم من الشعراء حياة النهر شـاعرة الوطن والقضية. ولمن لا يعرفها عليه قرأة ديوانهـا الشعري لتتجسد أمامه صورتها الشعرية الرائعة، وأخيرا أقول هل أزحت عن الشاعرة حياة النهر غبار السنين الماضيات بهذا المقال؟.
*********************
شـاعــر وقصيـدة
الجولة الرابعة:ــ مع الشاعر مؤيد العبد الواحد
حين أعود إلى مكتبتي المتواضعة بين الحيـن والحين أقلب محتوياتها وتداعب أناملي كتبها ودواوين الشعر فيها أحس برقة اللغة وعذوبــة المفردة مع الشعر والشعراء واليوم قد أمسكت بديوان مرفأ السندباد للشاعر مؤيد العبد الواحـد شاعر نظم الشعر العمودي ونظم الشعر الحر تجـــد في ديوانه مرفأ السندباد حنين واضح إلى عراقـة العراق وعمقه ألتأريخي وجذوره في هـــذه الأرض زمن سومر وبابل والأساطير الموجودة فيها مضيفا إليها الأساطير العربية على قلتها.
وكأن شاعرنا يريد بالعمق ألتأريخي للحضارات مـن الآشوريين إلى البابليين والكلدانيين إلى العرب هذه الأقوام التي كان لها وجود في الهلال الخصيب فــي قلب الجزيرة العربية، كأنه أراد أن يجد عراقيته وانتمائه لكل هذا الموروث الحضاري الممتد عبـر ألاف السنين ومن قبل الميلاد فأستلهم الرموز التاريخية والآلهة في ذلك الزمان أستخدمها فــي قصائده التي تشعرك وأنت تقرأها أنك تعيـش التأريخ العراقي القديم تعيشه ألان في زمن التطـور الخارق.
كأن شاعرنا أراد أن يقول في ديوانه لأول انــه عراقي بمعنى كلمة العراق وانه أبن هــذه الأرض التي أوجدت كل الحضارات وانه وليد هــذه الحضارات ووارث مجدها وسليل أمجادها، شاعر قال كل ذلك في ديوانه الأول ليكون الشـاهد على أبداع هذا الشاعر لان الشاعر يعرف دائمـا بديوانه الأول والولادة الحقيقية له عبر هذا الديوان، شاعرنا جسد كل مفردات اللغة وعنفوانها فـي قصائده بل في تأريخه الذي يعتز به كيف لا وهــو وارث تلك الأمجاد ، كان الله في عون هذا الشـاعر المبدع الذي بدأ كبيرا في استلهامه للتأريخ العراقي، بماذا سيجود لمكتبة الشعر العراقي والعربي بعــد تلك البداية الكبيرة التي تتطلب منه نتاج اكبــر بعدها.
شاعر قال عنه بدر شاكر السياب ( أن هذا البـرق الخاطف شرره، سيتألق ذات يوم ليأتي بعده المطـر والخصب.. كما سيتألق مؤيد العبد الواحد ليكون شاعر يشار إليه بالبنان )، ماذا سأقول بعد هــذه المقولة لاشيء أمام ما قـاله كبير الشعراء الســــياب عنه.
ومع قصيدة ( معبد الحب ) تشعر عزيــزي القارئ وأنت تطالع هذه القصيدة أنك أمام شاعر قد بنى قصيدته طبقة طبقة واستمرت بالارتفاع حتى تحولت القصيدة عند الشاعر إلى معبد يذكرنا بمعابد العراقيين القدامى عند الآشوريين والبابليين والكلدانيين وكأن الحب عند الشاعر أسطورة تحتوي خلجات نفسه وبدنه حتى فاضت روحه بشذا الحب في محراب الهوى، تراها قصيـدة حب وغزل قلما نجد مثلها من حيث البنيان والبيـان، مفرداتها جمعت أبياتا وأبياتها جمعت قصيـدة وقصيدته أصبحت معبد للحب ما لامست يـداه إلا العذارى وما ذبحت أشواقه ألا على باب معبده العذري وكيف حول شاعرنا قلبه إلى قيثارة ويطلب من محبوبته أن تعزف عليه حتى ينشد لها ويربـــط الشاعر بين قهر العمر وحلاوة الهوى وهي تهفــوا إلى معبده... إلى نهاية مضامين قصيدتـه الرائعة ( معبد الحب )
غدا على سفح الهوى موعدي
ومهرجان الحب في مشهدي
على السفوح الخضر لي معبد
ضمّ أساطير الهوى الأرغـــدِ
عند انتهاء الدرب يعلو ذرى
تغازل السحب صباه النــدي
ومعبدي العذري ما لامست
سوى عذارى الطهر في يــدي
ذبحت أشواقي على بابه
أيتها السحب عليّ، اشــهدي
فرشت بالأهداب أعتابه
صدري وساد للهوى فأرقدي
وقلبي الهيمان قيثارة
فلاعبي أوتاره ينشـــدِ
سهرت ليلي استجير السنا
انظر من شوق إلى الفرقــدِ
وخمر كأسي من سلاف الجوى
ارشفها كالنار من موقــدِ
أكتفي بهذا الجزء من القصيدة المعبد هذه القصيدة تشد من يقرأها بحيث لا يفارقها إلا وينتهي من قرأتها ويشتاق للعودة إليها مرة أخرى، فيا ليت كل الحب يتحول إلى معابد في وطني كي يتحول الوطن إلى معبد كبير بسب الحب وتبقـى تنزف حناجر الشعراء دم الكلام.
ولكي لا يسفك الدم في وطني باسم الحب، ولكـي يبقى الحب كما عرفناه طاهرا بلا ألم وأوجاع ألا لبُعد الحبيب... فهل من مجيب؟.
********************
شـــاعــر وقصيــــــــدة
الجولة الخامسة:ــ مع الشاعر فيصل الجاسم
ماذا أكتب وكيف سأكتب وهل سأنجح في الكتابة عن فيصل جاسم وقصيدته وأنا لا أقرأ لفيصلنا الشاعر غير مجموعة واحدة هي الأسلاف.
هل سأفلح في ذلك حين اكتب عنه ومن أي مدخـل سأبدأ الكتابة أأبدأ بغلاف مجموعته الشعرية والألوان المتداخلة فيها عبر تكوين لوني رائـع، لا يبدو لي سأنجح بذلك أن بدأت، أم ابدأ من مدخل أشعاره في المجموعة نفسها لعليّ أجد ضالتي للكتابة عنه، حسمت أمري وقررت أن ابدأ من ثلاثة أحلام لكلكامش عبر حكمة العمر وتوقيعـات والرؤيا إلى أخر قصيدة في المجموعة قصائد لشجرة الوهم، ماذا وجدت فيها وماذا عرفت من قرأتي لها لاشيء أبدا غير متوقع من شاعر أنصهــر مع الأرض انصهارا ومع التأريخ توحدا. كلمات عذبة وجمل رقيقة وأبيات شعر جميلة رائعة تكونت منها قصائده شعرا أروع وأجمل، حتى أني تمنيت لو كنت كلمة وحرفا في قصائــده كي أتوحد مع مجموعته الشعرية لازداد ألقا.
أنا أمام شاعر عرف كيف يستخدم الكلمات ويصوغ منها أشعاره وعرف كيف يختار القصائد كتابتا وإبداعا، وعرف كيف يختار عناوين ومواضيع قصائده، فمن جلجامش من عمق تأريخ العـراق إلى حاضره كأنه يربط الزمن الماضي بالحاضــر أو يستحضر الماضي بالحاضر استحضارا يحسـد عليه.
يضع بين يدي القارئ قصائد ما هي بالقصائد وإنما هي دليل وعي ومرشد طريق في دروب العشق والهوى والحضارة، انه يستخدم التعابير الرمزية ويستخدم الجمل المجازية في قصائده ليوصــل الفكرة إلى القارئ عبر بناء شعري رصين متقن.
فهل سأترك الأسلاف تتحدث عنه وهل أستطيع أن اترك قرأتها ومتى سأصل إلى النهاية وأنا بعـد قراءة كل قصيدة اشتاق لقرائتها مرة أخرى أأقـرأ ببطئ وفهم واستيعاب لكل مضامينها أم اقرأ وكأني أعيش القصيدة نفسها أو أنا جزء منها.
حين قرأت الأسلاف وجدت نفسي أنا لا أقرأ وإنما أعيش الأسلاف بتفاصيلها وأحداث قصائدها ومجد معانيها وسحر مفرداتها ، فيا لغة السحر لا تحرميني من متعة العربية أنا بغيرها لا أحيا وليس لي غيرها من عصبية، يا لغة العرب اجعليني حرفا فيك ليستلهمني شاعر ويجسدني قصيدة بين ضفتي مجموعته الشعرية.
عذرا شاعرنا فيصل جاسم هل أوفيت قدرك بمـا قرأت من شعرك.
وألان مع قصيدة الرؤيا هذه القصيدة تأخذ عنـد الشاعر معنى وأي معنى حين تتجسد الرؤيا عنـــده ملحمة من الإحداث الجسام فالرؤيا عنده ريــح ودم يتساقط وأمواج في الرأس ويحتار شاعرنا في رؤياه فمن أين يمر وأين يحط رحاله فهو يقاوم طقسا افلاطونيا، ويعبر صوبها ممزوجا بالماء والخشخاش ويتسائل في الرؤيا عن التواريخ للزهرة والأبنوس ويستمر يبحث عن الأسرار وعن مغالقها وعن مفاتيحها كأنه يبحث عن مدينة فاضلة، والمدينة الفاضلة لأفلاطون ليس لها وجود اليوم على ارض الواقع.
واليك عزيزي القارئ قصيدة الرؤيا
ريح جارحة
ودم يتساقط عبر جذوع السقفِ ـ الرؤيا
أمواج عاتية في بحر الرأس
تخوم غارقة في الجوفِ ، مسورة
بالشجر المتحامل والأيقونات الممسوحة
من أين أمر ؟
وأين أحط رحال القافلة المسكونة بالهفوات
وبالظن المتمدد في الجسد ــ المقبرة ــ اليمّ
أقاوم طقسا افلاطونيا في القلب
واعبر صوبك ،
أيتها الممزوجة بالماء
وبالخشخاش
أمر على ساكنة في الحي
وأسأل عنك ،
وعن تاريخ الزهرة والأبنوس
أعامد وجهي
اخرج منك ، ومن تاريخ الزهرة الأبنوس
افجر ذاكرتي المثقوبة
والشفة السفلى
والريح الجارحة المجروحة
أين مغالق هذي الأسرار المفتوحة
أين مفاتيح الأسرار المغلقة ــ الأعمار
سأفتح نافذة
في الرأس
وأدخلك في الغيهب ،
سيدة
تتربع في الكتب العذراء
وتجلسي فوق اريكته العاجية
أنت أذن ،
ديدنه
وأنت إذن ،
بيئته
اكتفي بهذا الجزء من القصيدة الملحمة الرؤيـا والحلم وكيف يأخذ الحلم مداه في رأس الشاعـر وكيف يخرج منه متفجرا من ثقب الرأس، لقـد أجاد وأبدع في وصف الحقيقة ولاشيء غير الحقيقة لأننا بحاجة إليها.
*******************
شاعـر وقصيـدة
الجولة السادسة:ــ مع الشاعر عادل محسن
شاعرنا اليوم نظم الشعر بالفصحى والشعبي لكنه اشتهر بالشعر الشعبي كثيرا، مبدع عراقي أخر في مجال الشعر أغنى المكتبة العراقية والعربية بمجاميعه الشعرية الجميلة، كما أغنى مكتبة الغناء العراقي والعربي بقصائده التي غناها مطربـون عراقيون وعرب، اشتهر شاعرنا في الشارع العراقي والسوري والأردني واللبناني وأقطار الخليج العربي.
له مجموعة كبيرة من الأشرطة الصوتية والمرئيــة لقصائد بصوته عرفت وانتشرت في تلك الأقطار،
شاعرنا هو الشاعر الشعبي عادل محسن المالكي، حين تسمع إلقائه لقصائده تشعر بصوته الحنـون يداعب كلمات قصائده وتذهب بعيدا بموسـيقى حروفه كأنه يصبغ أبياته من مداد القلب ليرسـلها إلى القلب مباشرة ( قلب المتلقي ).
نظم الشعر وكأنه لم يكتب وإنما يصوغ خلجـات الروح ليصنع منها شعره، نظم الشعر وكأنه لـم يكتب وإنما يرتب أحاسيس القلب ليبدع منها قصيدة، وكأنه لم يكتب وإنما يعيش القصيـدة نفسها وتكاد لا تميز بين عادل الإنسان وبين كلمات قصائده.
قد تقف كلماتي حيرى أمام هذا المبدع وبأي وصف تصفه وهل تستطيع أن تعطيه حقه وأي المفـــردات استخدم للكتابة عنه وما السبيل إلى ذلك، لا أجد غير شعره يستطيع أن يوصفه ويعبر عن شخصيته ومكانته، حين أمسكت بمجموعته الشعريـة ( أحبكم ) أقرأ ما تحتويه من قصائد وروائع وجدت فيها التنوع في مجالات الشعر يكتـب للأب وإلام والحبيبة، يكتب للشوق والحب والعتب، يكتـب بهموم النفس البشرية وما يحيط بها من إرهاصات ويصنع اشراقات الدنيا أمام ناظري قارئه كأنه بوصلة نجاة، يكتب في هذه المجموعة وكأنه يعبـر عن لسان القارئ وضميره وما يدور في خلـده، يتحدث عن العذابات ويعطيها البعد الجمالي فهـل سمعتم عن عذاب جميل.. وهل أجمل من عـــذاب الحب.
وألان عزيزي القارئ مع قصيدة ( خابرتها وخابرتني ) في هذه القصيدة يتحدث الشاعر عــــن معانات الحبيب واتصالاته بحبيبته عبر الهاتـف ليحدد معها موعد اللقاء وهل سينجح بذلـك، وللعشيقة حسابات في الوقت والزمن ويجـب أن تجد يوم للقائه أراد أن يكون موعده غدا فقالت ( اصبر للسبت ) وبدأ شاعرنا يعد الأيام عدا حتى أضناه التعب، وحين تصور حان وقت الموعد بـــدأ يجهز نفسه للقاء ويضع العطر ، وكعادة الحبيـب أصبح عنده الطريق طويلا وبدأ يخشى أن يتأخـر عن موعده مع من أحب لكنه لم يرى شيئا، لـم يرى قدوم من أحب وبـــدأت النار تتأجج بين أضلعه، لماذا لم تأتي حبيبتي والى اقرب هاتــــــف أتصل بها وحين ( جاوبته ) صب جام غضبه عليها لأنها أخلفت الموعد.
فترد عليه بهدوء ( ها يمحبوبي أشردت ) فيجيبهــا أنا على موعدنا وفي المكان المحدد انتظرك ولم تأتين، ضحكت هي ضحكة طويلة وأبلغته أن موعدنا السبت واليوم هو ألجمعه.
عندها أيقن الشاعر إن لموعد الحبيب لهاجس يدفع الشباب إليه دفعا وان لهفت المحب تحاول أن تقلص الزمن وتختزله ليكون موعد اللقاء قريب.
واليك عزيزي القارئ نص قصيدتـه ( خابرتها وخابرتني )
خابرتها وخابرتني وموعد اوياها أطلبت
وردت منه يكون باجر كالت اصبر للسبت
ويوم يوم أصبر وأعدهن ومن الحساب أتعبت
وحان موعدنه وبسرعة اتشيكت وتعطرت
والدرب أصبح شطوله وأحس نفسي أتأخرت
ومن وصلت الموعد أني هناك كلشي ما شفت
أنتظر وأحرك بروحي وأحس نفسي اتقشمرت
وعلى اقرب هاتف أني بكل غضب اركض رحت
وهي من الدكه الأولى عليّ رأسا جاوبت
هي كالت ألو واني صحت بيها وشتمت
وكلت هيج وهيج انتي انتي أتعس ما شفت
ومن هدأت اشويه كالت ها يمحبوبي أشردت
كلت عالموعد اجيتج تالي فشلان أرجعت
ضحكت بضحكة طويلة وكالت أنت التيهت
يا حبيبي اليوم جمعة واحنه موعدنه السبت
* * *
حوار شعري رائع في هذه القصيدة وأنا أقول رفقــا بالقوارير أيها الشباب المحب، لا تتعجلوا والتمسوا للنساء عذرا ، والتمسوا للحبيبة عذرا، ولا تأخذكم الهواجس بعيدا عن الحقيقة، اضبطوا مواعيدكم ولا تتعجلوا الزمن فكل شيء بأوانه أجمل وأبهى ويبقى الحب أساس الحياة.
******************
4ـــ رحلـــة مع الشــــعـراء
شاعـر وقـصيـده
المقدمة:ــ
قد يتساءل القارئ العزيز لِمَ هذا الاهتمام بالشعر عبر سلسلة من المقالات المختلفة والأجزاء المتعددة، أقول إن للغة العربية سحر وبيان لا يفوقهما به شيء واني أرى إن الشعر العربي يجسـد هذا السحر والبيان للغة العربية فكتبت سلسـلة المقالات عن الشعر والشعراء وموضوع اليوم شاعر وقصيدة يختلف عن المواضيع السابقة حيـث في هذه السلسلة سأناقش بعض قصائد الشـعراء وإرهاصات نظمها ومعانيها ومدلولاتها وبلاغة مفرداتها والصور الشعرية الموجودة داخلها.
وسأكتب عن شعراء متعددين نظموا في الشـعر العمودي ( الموزون المقفى ) والشـعر الحـر ( الموزون غير المقفى ) والشعر الشعبي ( الـذي نظم بلهجة عامية ) وسيكون محور الحديث هـو القصيدة نفسها لا الشاعر كما كتبت في المواضيــع السابقة وغايتي من ذلك هو إشراك القارئ فـي نزهة لغوية أدبية نتبادل الحديث معه في مفــــردات تلك القصائد .
من شاعر إلى أخر ومن نمط شعري إلى أخـر وسأقتبس من الشاعر ما نظم من شعر في أحدى المجالات الشعرية التالية ( الغزل، الحب، المدح، الوصف، القصائد الوطنية والسياسية ) وغيــر ذلك، لتتوضح لنا صور الإبداع الشعري واللغـــوي لدى شاعرنا المختار في مقالاتي هذا من جانـب وليطلع القارئ العزيز على شعرائنا ويتعرف عليهم وعلى نتاجهم الشعري أيضا من جانب أخر، وستكون لنا جولات متعددة مع شعراء متعدديـن لكي نعطي الموضوع أبعاده فمع من ستكون الجولة الأولى؟.
الرحلة الأولى:ــ مع الشاعر محمد حنون
شاعرنا اليوم شاعر شعبي وشاعر فصحى كتـب فأبدع في كل مجالات الشعر شاعر ( يمتلك رقـة الحرف وسهولة التعبير ) قيس لفتة مراد.
من يمتلك تلك المواصفات ستتيه الكلمات في بحـــر وصفه وإعطائه حقه وكل الذي أقول انه مبدع فـــي الشعر وبكافة ألوانه، ارتأيت أن أتناول أحدى قصائده في مجموعته الشعرية ( الرقص في غابـة السكون ) وهي من بدايات الشاعر ومع قصيدة جرح الأمس ( ذي قار1970 ) في هذه القصيـدة تنساب الحروف والكلمات برقة وعذوبة رغـــــم إن القصيدة تتحدث عن الجرح والأسى والسهر الـــذي يسببه الشوق والحب حتى يكاد شاعرنا يصل إلى الكفر لولا أخلاقه التي منعته من ذلك وفي هـذه القصيدة عتاب واضح للشاعر يعتب على جراح الأمس التي ايقضت فيه الشـوق في أعماق أعماقه.
وإذا كانت المقولة المعروفة تحت الرماد نار فقد تمثلها الشاعر أجمل تمثيل حين أججت رماد الأشواق وأحرقت اللهيب فيه، كلمات القصيـدة عذبة جميلة تشعر بها تنساب من قلب الشاعر لا من لسانه فتحس بصدق القصيدة واليك عزيـزي القارئ قصيدة جرح الأمس ( 1970 )
يا جرح الأمس المكلوم
ايقضت الشوق بأعماقي
فقطفت البسمة من ثغري
وغرست السهر بأحداقي
أضرمت لهيب الآهات
أججت رماد الأشواق
وأطلت الليل بأجفاني
من غير نديم أو ساقي
فنزفت الأحرف من قلبي
زفرات تحرق أوراقي
يا جرح الأمس كفى وجدا
وترفق بالرمق الباقي
أرهقت فؤادي في الأسر
فمتى ميعاد الإعتاق
أ فهذا السقم وذا الحزن
قد فرض للعشاق
والى مَ يا طوق الوجد
تتحكم حول الأعناق
يا ليل الشوق متى تمضي
هل من أمل للإشراق؟
أوشكت أمزق إيماني
من فرط أساي وإرهاقي
حاولت بحبي الكفران..
لكن منعتني أخلاقي
فلماذا يا جرح الأمس..
ايقضت الشوق بأعماقي ؟
هذه القصيدة من أبداع شاعر كان في بدايات حياتـه الشعرية، كتب الأغنية وكتب الشعر الشعبي وكتـب الفصحى بشفافية ورقة وعذوبة تنساب الكلمات من قلبه كجريان الدم في الجسد فتشعر بصدق ما كتــب ويشدك الشوق إلى قصائده.
************************
الرحلة الثانية:ــ مع الشاعر شاكر عاشور
شاعر عربي كرست قصائده للحب والوطن وبيروت، شاعر عرفناه نقيا بنقاء وصفاء زرقة السماء، حين يكتب يكتب بصدق المعـانـاة وتسترسل الكلمات من بين أنامله كأنها قطـرات البحر قطرة قطرة حتى تصير الكلمات بيتا شـعريا ويصير البيت قصيدة وتصير القصيدة عنوانا لا يبرح مفرداته حتى النهاية انه الشوق والحنيـن للشعر وما فيه من عذوبة وألام وإرهاصات وما بـه من معانات للشاعر حين يكتب.
كيف يكتب الشاعر وكيف تتحول كلماته إلى أبيات ينسج خيوطها في زمن الصمت وكيف يتحول هذا النسيج حتى يصير قصيدة تظم كل أفكار هذا الشاعر فتصبح له وطن وما أحلى القصيدة حين تكون وطن وما أحلى القصيدة حين تكون واقعية تكتب برمــوز معروفة لدى الشارع ولدى القارئ وما أحلى القصيدة حين تنظم من صميم الواقع المعاش اليومي لشخوصها فتتجسد أمامك امرأة معشوقة أو مدينة مذبوحة أو.. أو إلى أخر الكلمات، وما أحلى الشاعر حين يكون واقعيا يحمل همـوم وطنه وأمته فيكتب بلا تردد وبلا خوف يعبر عما في داخله فتولد الكلمات في مخاض صعـب وتتوحد الكلمات في أبيات شعرية في مخاض أصعب وتتوحد الأبيات في قصيدة رائعة في مخاض ليس له مثيل فتصبح حقيقة يقرأها الناس ويستمتعون بموسيقاها وكلماتها ومعانيها.
ومن مجموعته الشعرية المعنونة ( دم البحر أزرق) أختار قصيدته بنفس العنوان ( دم البحر أزرق ) في 23/3/1976، في هذه القصيـدة يتوحد العشق عنده بين الحبيبة والوطن بين الشفتين والمدينة بين لحظات الغرق وذراع المقاتل وتتوحد عنده مياه البحر بدم البحر وهو يسعى لاحتضان حبيبته فكيف السبيل لذلك، كيف يحتضن العاشق المحب مدينته التي أحب تحت ظلال البنادق وكيف تتحول بيروت عنده إلى سيدة العاشقات وهو يعلق قلبه على فوهات البنادق ومع ذلك يطلب منها أن تتسع وهي على حافات المياه للبحر لكي يبقـى دم البحر أزرق.
وألان مع قصيدته دم البحر أزرق
الأزرق
انه البحر
فلتتسع شفتاك
وتمتد اذرعه الشوق
لا وقت للوقت بين الغريق
وبين ذراع المقاتل
اتسعي مثلما جسدي فوق هذي المياه
يدافع عن زرقة البحر
( إن دم البحر ازرق )
آه سيدتي
كأن سيل من الدم يزحف نحوك
في الليل
وكنت أحاول أن أتعرى من الموت
تحت بنادقهم
لاضمك
لكنك ، حين سحبت من الموت عمري
تناسيت سيل جرحي
وحضن حنيني
فقادوك في الليل للبحر عارية
تتناسل فيها الجراح
فصار دم البحر احمر
آه بيروت
سيدة العاشقات
على فوهات البنادق علقت قلبي
وصرت على شفة البحر جارية
يتسلى بلعق دماها الطواغيت
بيروت ، بيروت
إن دم البحر ازرق
فاتسعي مثلما جسدي فوق هذي المياه
يطاول أغلالهم بهواه
ليبقى دم البحر ازرق
وتبقى أمنيات الشاعر آنذاك أن يبقى دم البحر أزرق وتمر السنين وتهدأ عاصفة الحرب والقتـل وينتهي الأنين في مدينة أطلق عليها الشاعر اسـم سيدة العاشقات فكانت كذلك بيروت سيدة العاشـقات وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى رجع دم البحـر ازرق فتحقق للشاعر ما أراد في قصيدته.
وأنا أتساءل هل توقف نزيف الدم العربي كما توقـف في لبنان، الجواب يقينا لا لن يتوقف هذا النزف. فهل من شاعر أخر يتمنى أن يتوقف نزف دمنـا العربي المسفوح على مذابح الاحتلال فـي كـل الأقطار المحتلة في قصيدة رائعة يخلد فيها أســمه وهل من سبيل إلى التحرير؟.
رحلــــــة مع الشـــــــعراء
الرحاة الثالثة:ـ مع الشاعر أبو القاسم ألشابي
مرة أخرى يأخذنا سندباد الشعر ببساطه السحـــري العجيب يأخذنا من أرض المقاومة إلى تونـس الخضراء هذه المرة.
ولد شاعرنا عام 1909 في بلدة ألشابيه بالقطـر التونسي وفيها دفن وعرفت عائلته على مـدى أجيال بالعلم والفضل وكان والده الشيخ محمد بـن القاسم ألشابي عالما فاضلا درس في جامع الأزهر في القاهرة ونال إجازة التطويع من جامع الزيتونـة بتونس وعين قاضيا شرعيا فرضت هذه الوظيفة على والد الشاعر الانتقال في المدن التونسية مما أتاحت لهذا الطفل التعرف على أنماط الحياة التونسية والتمتع بجمال مدنها الخلاب، وقد أفاض به ينبوع الشعر وبدأ بنظم قصائده وهـو لم يتم عامه الخامس عشر بعد، وتأثر بالأوضاع السياسية والفكرية السائدة آنذاك في تونس والوطن العربي رغم ان دراسته عربية وقد أوجد شاعرنا نظرة متوازنة بين الثقافة السلفية والثقافة القادمة من الغرب واتخذ الموقف الصحيح للمـــزج
بين الثقافتين بما يحافظ على خصوصية المــوروث التونسي والعربي وأيقن شاعرنا بعد رحلة الاستعمار للوطن العربي أن على الشباب جميعـا مقارعة الاستعمار والتخلص منه لإثبات الهوية العربية للأمة.
وقد كتب شاعرنا في مجالات عديدة في الحـب والغزل والحرب والوطنية والرثاء وغير ذلك، وعاش حياة الحزن بعد موت حبيبته وبعدها موت أبيه وأحس بالعجز برثائه رغم ما رثاه به من قصائد وكأنه في قصائده التي كتبها فيما بعد متنبئاً بموته العاجل أو قد استعجل موته، وفعلا فقدنا شاعرنا الكبير عام 1934 وهو في ريعان شبابه عن عمر لا يتجاوز الخامسة والعشرين عاما، خسرنا شاعرا بارعا فذاً خسرنـــا فارساً من فرسان الشعر، وقد كتب أكثر من مئــة قصيدة بدءا بالغزال الفاتن وانتهاءا بقصيدة الحيـاة وهذا ما منشور في ديوانه الشعري وألان مع رائعة من روائعه وقصيدة ( أرادة الحياة )
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسـر
ومن لم يعانقه شوق الحياة
تبخر في جوها ، واندثر
فويل لمن تشفه الحياة
من صفعة العدم المنتظـر
كذلك قالت لي الكائنات
وحدثني روحها المستتر
ودمدمت الريح بين الفجاج
وفوق الجبال وتحت الشجر
إذا ما طمحت لغاية
ركبت المنى ونسيت الحــذر
ولم أتجنب وعور الشعاب
ولا كبة اللهب المستعر
ومن لا يحب صعود الجبال
يعيش ابد الدهر بين الحفر
فحيت بقلبي دماء الشباب
وضجت بصدري رياح اخر
* * *
اكتفي بهذا الجزء من رائعة ألشابي وأية رائعة أنا أفارقها على مضض فيها تتجسد كل المعاني العالية وكل العبر الصادقة ليس بوسعي ألا أن اسجد لها كبر ياءا وشموخا ، أيها ألشابي ألف شمعة قد أحرقت بل أحرقت نفسك شعرا في قضايا الأمة العربية وداعيا لها بأن تتحرر من القيود فهل سيستجيب بعدك الشعب العربي ويبدأ بتحطيم القيود لست أدري؟.
رحمك الله فقد أديت رسالة الشعر وصنت الأمانة وذهبت إلى جوار ربك مرتاح الضمير فهل سـينال الشعراء مثلما نلت ؟ متروك الجواب لهم وعبر قصائدهم وإبداعهم.
رحلـــــــة مع الشـــــــعراء
الرحلة الرابعة:ــ مع الشاعر نزار قباني
ركبت هذه المرة بساط السندباد في رحلتي الرابعـة مع الشعر والشعراء.. اين امضي، ماذا اكتــب، وأي شاعر أختار وبأي أسلوب اسطر جملي؟.
وأنا في حيرتي هذه هبط بيّ بساط السندباد ســريعا كأنه أراد أن يقطع عليّ حيرتي ووضعني أمام عملاق كبير وبين يدي شاعر أكن له كل تقديـر، آه يا بساطي في هذه الربوع الجميلة تحط وبين الكــلام المعسول الرقيق يطيب لك المقام ، أتضعني وجهـــا لوجه أمام شاعر لا اعرف ماذا سأكتب عنه لأنه مبدع عربي يعرفه الملايين.
لأبأس قررت أن اكتب وأنا بين يدي الشاعر نزار قباني ولكن سأكتب بأسلوب مختلف هذه المرة لن أتطرق إلى بلده ومولده وحياته وإرهاصاتها لأنه غني عن التعريف ولن اكتب عن معاناته وإبداعاته وعشقه لأنه اكبر من ذلك، ولن اكتب عن عراقية بلقيس أو بلقيس العراقية البغدادية ودور المرآة في حياته لان وراء كل عظيم امرأة.
لقد عرف نزار قباني بأنه شاعر الغزل والحب والمرآة وشاعر المجون والوصف الرقيق لجـوارح النساء وعواطفهنّ، أنا لا أرى فيه شاعرا عملاقا أحب وإنما رساما مبدعا رسم بالكلمات ما عجزت عن رسمه الفرشــاة فكان رساماً شاعرا وشاعراً رساما ، فأبدع فـــــــي ذلك.
عرفته الملايين من أبناء امتنا العربية شبابا وشابات شاعر غزل وحب وجسد امرأة، وحفظ لـه الكثير وتلذذ بقصائده الشباب والشابات، جيل بعــد جيل كأنهم عطشى لهذا اللون من الشعر وقد وجدوا في إبداعاته ما يروي ظمأهم فانسابت قصائده على ألسنتهم ودخلت أعماق أعماقهم وعشعشت في عقولهم وأطفأت عطشهم بل أثارت فيهم نشوة الحب وعذابات العشق وتقاذفتهم بين ضفتيها دواوينه ومجاميعه الشعرية زهوا وطربا وحبا وألقا واعتزازا بهذه القصائد وبمن نظمها وتكاد لا تخلوا حقيبة شابة أوجيب شاب من قصيدة من قصائده، وكأنهم وضعوا نزار قياني في زاوية الحب والعشق والهوى، ولم يروا له إبداعات أخرى غير ذلك.
والحقيقة عكس ذلك فشاعرنا له إبداعات في المجال السياسي شعرا أبدع فيه ولغرض توضيح هذه الحقيقة قررت الخوض في هذه الزاوية التي حجبت عن شبابنا لكي يعرفوا نزار قباني حق المعرفة.
كان لزاما عليّ أن ابدأ بمجموعته الشعرية المعنونة ( الأعمال السياسية ) الصادرة عـن بيروت عام 1974 والتي تظم سبعة عشر قصيــدة كتبت بين عامي 1967 ــ 1973 فنزار ليـس شاعر الحب فقط وإنما شاعر الإبداع الشعري بكـل ألوانه وصوره، تبدأ مجموعته الشعرية بقصيـدة هوامش على دفتر النكسة عام 1967 الذي يقـول في بدايتها
انعي لكم، يا أصدقائي
اللغة القديمة
والكتب القديمة
انعي كم.. انعي لكم
نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة
ثم أعقبها بقصائده ألتاليه ( الممثلون، الاسـتجواب، فتح، شعراء الأرض، محكمة الشعر، من مفكرة عاشق دمشقي، قصيدة اعتذار لأبي تمــام، إليه في يوم ميلاده، الخطاب، حوار مع أعرابي أضاع فرسه، دعوة اصطياف للخامس من حزيران، عرس الخيول الفلسطينية، جريمة شرف أمام المحاكم العربية، ملاحظات في زمن الحب والحرب ).
وبعد عزيزي القارئ بعد أن اطلعت على مجموعتـه الشعرية وأسماء قصائدها وإبعادها السياسية التي تحاكي الضمير العربي محاولة تأجيج نار الصحـوة العربية لكل عربي شريف.
لابد أن أخذك قارئي إلى أحدى قصائده التي تحاكي مدينة عربية محتلة عزيزة علينا جميعا ومع قصيدة
القدس
بكيت حتى انتهت الدموع
صليت حتى ذابت الشموع
ركعت حتى ملّني الركوع
سألت عن محمد ، فيك، وعن يسوع
يا قدس، يا مدينة تفوح أنبياء
يا اقصر الدروب، بين الأرض والسماء
يا طفلة جميلة محروقة الأصابع
حزينة عيناك يا مدينة البتول
يا واحة ظليلة مرّ بها الرسول
حزينة حجارة الشوارع
حزينة مآذن الجوامع
يا قدس، يا جميله، تلتف بالسواد
من يقرع الأجراس في كنيسة ألقيامه؟
صبيحة الآحاد
من يحمل الألعاب للأولاد؟
في ليلة الميلاد
يا قدس يا مدينة الأحزان
يا دمعة كبيرة تجول في الأجفان
من يوقف العدوان؟
عليك يا مدينة الأديان
اكتفي بهذا الجزء من القصيدة عزيزي القارئ لأنني لن أتحمل أن أكمل هذه الملحمة حيث الدمـوع بـدأت تأخذ طريقها في عيني حزنا وألما فكل المـدن العربية المحتلة هي القدس سواء في فلسطين ولبنان والعراق وأي قطر عربي أخر فعذرا شاعري الكبير وأرجوا أن وفقت في إيصال شعرك السياسي إلى الجمهور في رحلتي هذه، ويقيني أني لم احتوي كل أبداعك ولن احتويه مهما كتبت عنك فعذرا.
***********************************
5ـــ شاعـر وقـصيـده
المقدمة:ــ
قد يتساءل القارئ العزيز لِمَ هذا الاهتمام بالشعر عبر سلسلة من المقالات المختلفة والأجزاء المتعددة، أقول إن للغة العربية سحر وبيان لا يفوقهما به شيء واني أرى إن الشعر العربي يجسـد هذا السحر والبيان للغة العربية فكتبت سلسـلة المقالات عن الشعر والشعراء وموضوع اليوم شاعر وقصيدة يختلف عن المواضيع السابقة حيـث في هذه السلسلة سأناقش بعض قصائد الشـعراء وإرهاصات نظمها ومعانيها ومدلولاتها وبلاغة مفرداتها والصور الشعرية الموجودة داخلها.
وسأكتب عن شعراء متعددين نظموا في الشـعر العمودي ( الموزون المقفى ) والشـعر الحـر( الموزون غير المقفى ) والشعر الشعبي ( الـذي نظم بلهجة عامية ) وسيكون محور الحديث هـو القصيدة نفسها لا الشاعر كما كتبت في المواضيــع السابقة وغايتي من ذلك هو إشراك القارئ فـي نزهة لغوية أدبية نتبادل الحديث معه في مفــــردات تلك القصائد .
من شاعر إلى أخر ومن نمط شعري إلى أخـر وسأقتبس من الشاعر ما نظم من شعر في أحدى المجالات الشعرية التالية ( الغزل، الحب، المدح، الوصف، القصائد الوطنية والسياسية ) وغيــر ذلك، لتتوضح لنا صور الإبداع الشعري واللغـــوي لدى شاعرنا المختار في مقالاتي هذا من جانـب وليطلع القارئ العزيز على شعرائنا ويتعرف عليهم وعلى نتاجهم الشعري أيضا من جانب أخر، وستكون لنا جولات متعددة مع شعراء متعدديـن لكي نعطي الموضوع أبعاده فمع من ستكون الجولة الأولى؟.
الجولة الأولى:ــ مع الشاعر محمد حنون
شاعرنا اليوم شاعر شعبي وشاعر فصحى كتـب فأبدع في كل مجالات الشعر شاعر ( يمتلك رقـة الحرف وسهولة التعبير ) قيس لفتة مراد.
من يمتلك تلك المواصفات ستتيه الكلمات في بحـــر وصفه وإعطائه حقه وكل الذي أقول انه مبدع فـــي الشعر وبكافة ألوانه، ارتأيت أن أتناول أحدى قصائده في مجموعته الشعرية ( الرقص في غابـة السكون ) وهي من بدايات الشاعر ومع قصيدة جرح الأمس ( ذي قار1970 ) في هذه القصيـدة تنساب الحروف والكلمات برقة وعذوبة رغـــــم إن القصيدة تتحدث عن الجرح والأسى والسهر الـــذي يسببه الشوق والحب حتى يكاد شاعرنا يصل إلى الكفر لولا أخلاقه التي منعته من ذلك وفي هـذه القصيدة عتاب واضح للشاعر يعتب على جراح الأمس التي ايقضت فيه الشـوق في أعماق أعماقه.
وإذا كانت المقولة المعروفة تحت الرماد نار فقد تمثلها الشاعر أجمل تمثيل حين أججت رماد الأشواق وأحرقت اللهيب فيه، كلمات القصيـدة عذبة جميلة تشعر بها تنساب من قلب الشاعر لا من لسانه فتحس بصدق القصيدة واليك عزيـزي القارئ قصيدة جرح الأمس ( 1970 )
يا جرح الأمس المكلوم
ايقضت الشوق بأعماقي
فقطفت البسمة من ثغري
وغرست السهر بأحداقي
أضرمت لهيب الآهات
أججت رماد الأشواق
وأطلت الليل بأجفاني
من غير نديم أو ساقي
فنزفت الأحرف من قلبي
زفرات تحرق أوراقي
يا جرح الأمس كفى وجدا
وترفق بالرمق الباقي
أرهقت فؤادي في الأسر
فمتى ميعاد الإعتاق
أ فهذا السقم وذا الحزن
قد فرض للعشاق
والى مَ يا طوق الوجد
تتحكم حول الأعناق
يا ليل الشوق متى تمضي
هل من أمل للإشراق؟
أوشكت أمزق إيماني
من فرط أساي وإرهاقي
حاولت بحبي الكفران..
لكن منعتني أخلاقي
فلماذا يا جرح الأمس..
ايقضت الشوق بأعماقي ؟
هذه القصيدة من أبداع شاعر كان في بدايات حياتـه الشعرية، كتب الأغنية وكتب الشعر الشعبي وكتـب الفصحى بشفافية ورقة وعذوبة تنساب الكلمات من قلبه كجريان الدم في الجسد فتشعر بصدق ما كتــب ويشدك الشوق إلى قصائده.
******************************
الجولة الثانية:ــ مع الشاعر شاكر عاشور
شاعر عربي كرست قصائده للحب والوطن وبيروت، شاعر عرفناه نقيا بنقاء وصفاء زرقة السماء، حين يكتب يكتب بصدق المعـانـاة وتسترسل الكلمات من بين أنامله كأنها قطـرات البحر قطرة قطرة حتى تصير الكلمات بيتا شـعريا ويصير البيت قصيدة وتصير القصيدة عنوانا لا يبرح مفرداته حتى النهاية انه الشوق والحنيـن للشعر وما فيه من عذوبة وألام وإرهاصات وما بـه من معانات للشاعر حين يكتب.
كيف يكتب الشاعر وكيف تتحول كلماته إلى أبيات ينسج خيوطها في زمن الصمت وكيف يتحول هذا النسيج حتى يصير قصيدة تظم كل أفكار هذا الشاعر فتصبح له وطن وما أحلى القصيدة حين تكون وطن وما أحلى القصيدة حين تكون واقعية تكتب برمــوز معروفة لدى الشارع ولدى القارئ وما أحلى القصيدة حين تنظم من صميم الواقع المعاش اليومي لشخوصها فتتجسد أمامك امرأة معشوقة أو مدينة مذبوحة أو.. أو إلى أخر الكلمات، وما أحلى الشاعر حين يكون واقعيا يحمل همـوم وطنه وأمته فيكتب بلا تردد وبلا خوف يعبر عما في داخله فتولد الكلمات في مخاض صعـب وتتوحد الكلمات في أبيات شعرية في مخاض أصعب وتتوحد الأبيات في قصيدة رائعة في مخاض ليس له مثيل فتصبح حقيقة يقرأها الناس ويستمتعون بموسيقاها وكلماتها ومعانيها.
ومن مجموعته الشعرية المعنونة ( دم البحر أزرق) أختار قصيدته بنفس العنوان ( دم البحر أزرق ) في 23/3/1976، في هذه القصيـدة يتوحد العشق عنده بين الحبيبة والوطن بين الشفتين والمدينة بين لحظات الغرق وذراع المقاتل وتتوحد عنده مياه البحر بدم البحر وهو يسعى لاحتضان حبيبته فكيف السبيل لذلك، كيف يحتضن العاشق المحب مدينته التي أحب تحت ظلال البنادق وكيف تتحول بيروت عنده إلى سيدة العاشقات وهو يعلق قلبه على فوهات البنادق ومع ذلك يطلب منها أن تتسع وهي على حافات المياه للبحر لكي يبقـى دم البحر أزرق.
وألان مع قصيدته دم البحر أزرق
الأزرق
انه البحر
فلتتسع شفتاك
وتمتد اذرعه الشوق
لا وقت للوقت بين الغريق
وبين ذراع المقاتل
اتسعي مثلما جسدي فوق هذي المياه
يدافع عن زرقة البحر
( إن دم البحر ازرق )
آه سيدتي
كأن سيل من الدم يزحف نحوك
في الليل
وكنت أحاول أن أتعرى من الموت
تحت بنادقهم
لاضمك
لكنك ، حين سحبت من الموت عمري
تناسيت سيل جرحي
وحضن حنيني
فقادوك في الليل للبحر عارية
تتناسل فيها الجراح
فصار دم البحر احمر
آه بيروت
سيدة العاشقات
على فوهات البنادق علقت قلبي
وصرت على شفة البحر جارية
يتسلى بلعق دماها الطواغيت
بيروت ، بيروت
إن دم البحر ازرق
فاتسعي مثلما جسدي فوق هذي المياه
يطاول أغلالهم بهواه
ليبقى دم البحر ازرق
وتبقى أمنيات الشاعر آنذاك أن يبقى دم البحر أزرق وتمر السنين وتهدأ عاصفة الحرب والقتـل وينتهي الأنين في مدينة أطلق عليها الشاعر اسـم سيدة العاشقات فكانت كذلك بيروت سيدة العاشـقات وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى رجع دم البحـر ازرق فتحقق للشاعر ما أراد في قصيدته.
وأنا أتساءل هل توقف نزيف الدم العربي كما توقـف في لبنان، الجواب يقينا لا لن يتوقف هذا النزف. فهل من شاعر أخر يتمنى أن يتوقف نزف دمنـا العربي المسفوح على مذابح الاحتلال فـي كـل الأقطار المحتلة في قصيدة رائعة يخلد فيها أســمه وهل من سبيل إلى التحرير؟.
*****************
شــــاعر وقـصيــدة
الجولة الثالثة :ــ مع الشاعرة حياة النهر
حياة النهر شاعرة لم أعرف عنها شئ ألا من خلال قصائدها وديوانها الشعري، تتجسد إمامي صورتها، انسانة تحمل هم الوطن وهموم الشــعـب وتختزل الزمن بعباراتها الشعرية الجميلة تكتـب وتنظم الشعر من هواجسها التي تعيشها يوميا ليس هي وحدها وإنما هواجس الشعب أيضا فهي جـــزء من شعب وجزء من تأريخ مرحلة كاملة دفـع الشعب ضريبتها دما من اجل الخلاص من قيــود المرحلة المفروضة عليها وعلى الشعب العراقي في الخمسينيات من القرن الماضي.
شاعرة تشعر أنها تنظم الشعر لتوثق لمرحلة مهمة يعيشها العراق فتكتب عن ثورة تموز 1958 وعن السجون والعذابات وألالم وكتبت عن الشهداء ومواكبهم على مذابح الحرية، تشعر من قرأتـك لديوانها أنها تتصارع يوميا مع الأحداث وتواجـه المشاكل الجسام لكي تولد عندها القصيدة بكلمات رائعة معبرة عن نبض الشارع العراقي وقلبه، نبض القلب للقلب الأوسع ( الشعب ) شاعرة لم تؤثر فيها قضايا الوطن والعراق فقط بل تأثـرت بقضايا الأمة العربية ومواقفها وصمودها، نظمــت الشعر عن مصر وما كان يجري فيها وعن الجزائر وبطولات شعبنا العربي هناك كانت تعيش الهموم والمآسي العربية بكل تفاصيلها وتوثق للمرحلـــة، كأن من واجبها حفظ التأريخ شعرا.
شاعرتنا اليوم لم تكن معزولة عن العالم وما يجري فيه بل تأثرت تأثرا واضحا بنضالات الشعوب فكتبت عن إيران وما جرى فيها من مجـزرة، وكتبت عن فيتنام وما يدور فيها بسبب الاحتلال الأمريكي، نظمت الشعر لهم ووثقت تلـك المرحلة. ووضعت نضال الشعوب نصب عينيها ونزعتهم للتحرر أمام ناظريها فكانت كلماتهـا الهادرة كأن أصواتها أزيز الرصاص بوجه قـوى الظلم والضلالة والكفر، شاعرة لا يهمني اتجاهها السياسي ولا المدرسـة التي تنتمي إليها فكريا، الذي يهمني هو شـــــعرها الرائع وإبداعها الشعري ، حين تقرأ اليوم لحيـــــاة النهر كأنك تعود إلى الوراء وكأنك تعيش الأحداث، هكذا تضعك الصورة الشعرية في عمق الحقيقـة لا غير وألان مع قصيدتها ( تحية الشهيد ) في هــذه القصيدة تحي الشاعرة الشهيد بما جاد به للوطــــن من دم وروح ، وتجسد منزلة الشهيد شعرا وتربـط بين شهادته من اجل الوطن وبين تطور الوطن نحو الأفضل بفضل دماء الشهداء فلا تغير بدون ضريبة ولا انتقال إلى الأفضل دون تضحيات.
وتعود تتمنى للشهيد لو عاد مع العائدين أي لا تريده أن يموت شهيدا لكي يحيى إلى الأبد تبصره الأعين وتعرف مواقفه الأجيال 0 وتعرج في قصيدتها عـن أم الشهيد وماذا تخبر الجيران عن غدا يوم نهضــة الراقد وتتوالى الأحداث في قصيدتها حتى تصــل النهاية في تناغم شعري رائع وتؤكد علـى دور الشعب الصامد واستعداده لتقديم الشهداء من اجل الوطن، ومع قصيدة تحية الشهيد
تباركت من قاحم صامد
وحييت من باسل خالـــد
وبورك فيك النهوض المجيد
فيا لك من ناهض ماجـــد
تحدث عنك السطور السنين
حديث المتيم للواجــد
وتروي الأساطير عنك العجاب
من القصص الصارخ الشاهد
وحيث رمتك يد ألاثمين
نما أمل للضحى الصاعـد
وحيث استقرت بجفن الوجود
رؤاك تشير إلى الرائـد
هنالك بين جموح الرصيف
إذا انطلق الحقد كالمارد
وجدناك تشرب حلو النجيع
وتسخر بالطاعن الحاقد
وتبصر عيناك حلم الشباب
يذرى بكف الردى الفاسد
وتلمح ما بين هذا وذاك
حبالا تجدلُ للصائــد
فيغتر ثغرك عن بسمة
بها أمل ألام والوالــد
لمثلك كنت أريد الحياة
لتبصر خاتمة الوائــد
وتسمع مثل هدير البحار
زئير الجماهير بالجاحـد
وتبسم مثلي لام رؤوم
بكت فرحا لابنها العائــد
من السجن بعد انفصام القيود
عن الكتف الصلد والساعـــد
اكتفي بهذا الجزء من القصيدة لأنها أعطت صــورة رائعة للشهداء، واني لأتسائل هل يعرف جيل اليوم من الشعراء حياة النهر شـاعرة الوطن والقضية. ولمن لا يعرفها عليه قرأة ديوانهـا الشعري لتتجسد أمامه صورتها الشعرية الرائعة، وأخيرا أقول هل أزحت عن الشاعرة حياة النهر غبار السنين الماضيات بهذا المقال؟.
*********************
شـاعــر وقصيـدة
الجولة الرابعة:ــ مع الشاعر مؤيد العبد الواحد
حين أعود إلى مكتبتي المتواضعة بين الحيـن والحين أقلب محتوياتها وتداعب أناملي كتبها ودواوين الشعر فيها أحس برقة اللغة وعذوبــة المفردة مع الشعر والشعراء واليوم قد أمسكت بديوان مرفأ السندباد للشاعر مؤيد العبد الواحـد شاعر نظم الشعر العمودي ونظم الشعر الحر تجـــد في ديوانه مرفأ السندباد حنين واضح إلى عراقـة العراق وعمقه ألتأريخي وجذوره في هـــذه الأرض زمن سومر وبابل والأساطير الموجودة فيها مضيفا إليها الأساطير العربية على قلتها.
وكأن شاعرنا يريد بالعمق ألتأريخي للحضارات مـن الآشوريين إلى البابليين والكلدانيين إلى العرب هذه الأقوام التي كان لها وجود في الهلال الخصيب فــي قلب الجزيرة العربية، كأنه أراد أن يجد عراقيته وانتمائه لكل هذا الموروث الحضاري الممتد عبـر ألاف السنين ومن قبل الميلاد فأستلهم الرموز التاريخية والآلهة في ذلك الزمان أستخدمها فــي قصائده التي تشعرك وأنت تقرأها أنك تعيـش التأريخ العراقي القديم تعيشه ألان في زمن التطـور الخارق.
كأن شاعرنا أراد أن يقول في ديوانه لأول انــه عراقي بمعنى كلمة العراق وانه أبن هــذه الأرض التي أوجدت كل الحضارات وانه وليد هــذه الحضارات ووارث مجدها وسليل أمجادها، شاعر قال كل ذلك في ديوانه الأول ليكون الشـاهد على أبداع هذا الشاعر لان الشاعر يعرف دائمـا بديوانه الأول والولادة الحقيقية له عبر هذا الديوان، شاعرنا جسد كل مفردات اللغة وعنفوانها فـي قصائده بل في تأريخه الذي يعتز به كيف لا وهــو وارث تلك الأمجاد ، كان الله في عون هذا الشـاعر المبدع الذي بدأ كبيرا في استلهامه للتأريخ العراقي، بماذا سيجود لمكتبة الشعر العراقي والعربي بعــد تلك البداية الكبيرة التي تتطلب منه نتاج اكبــر بعدها.
شاعر قال عنه بدر شاكر السياب ( أن هذا البـرق الخاطف شرره، سيتألق ذات يوم ليأتي بعده المطـر والخصب.. كما سيتألق مؤيد العبد الواحد ليكون شاعر يشار إليه بالبنان )، ماذا سأقول بعد هــذه المقولة لاشيء أمام ما قـاله كبير الشعراء الســــياب عنه.
ومع قصيدة ( معبد الحب ) تشعر عزيــزي القارئ وأنت تطالع هذه القصيدة أنك أمام شاعر قد بنى قصيدته طبقة طبقة واستمرت بالارتفاع حتى تحولت القصيدة عند الشاعر إلى معبد يذكرنا بمعابد العراقيين القدامى عند الآشوريين والبابليين والكلدانيين وكأن الحب عند الشاعر أسطورة تحتوي خلجات نفسه وبدنه حتى فاضت روحه بشذا الحب في محراب الهوى، تراها قصيـدة حب وغزل قلما نجد مثلها من حيث البنيان والبيـان، مفرداتها جمعت أبياتا وأبياتها جمعت قصيـدة وقصيدته أصبحت معبد للحب ما لامست يـداه إلا العذارى وما ذبحت أشواقه ألا على باب معبده العذري وكيف حول شاعرنا قلبه إلى قيثارة ويطلب من محبوبته أن تعزف عليه حتى ينشد لها ويربـــط الشاعر بين قهر العمر وحلاوة الهوى وهي تهفــوا إلى معبده... إلى نهاية مضامين قصيدتـه الرائعة ( معبد الحب )
غدا على سفح الهوى موعدي
ومهرجان الحب في مشهدي
على السفوح الخضر لي معبد
ضمّ أساطير الهوى الأرغـــدِ
عند انتهاء الدرب يعلو ذرى
تغازل السحب صباه النــدي
ومعبدي العذري ما لامست
سوى عذارى الطهر في يــدي
ذبحت أشواقي على بابه
أيتها السحب عليّ، اشــهدي
فرشت بالأهداب أعتابه
صدري وساد للهوى فأرقدي
وقلبي الهيمان قيثارة
فلاعبي أوتاره ينشـــدِ
سهرت ليلي استجير السنا
انظر من شوق إلى الفرقــدِ
وخمر كأسي من سلاف الجوى
ارشفها كالنار من موقــدِ
أكتفي بهذا الجزء من القصيدة المعبد هذه القصيدة تشد من يقرأها بحيث لا يفارقها إلا وينتهي من قرأتها ويشتاق للعودة إليها مرة أخرى، فيا ليت كل الحب يتحول إلى معابد في وطني كي يتحول الوطن إلى معبد كبير بسب الحب وتبقـى تنزف حناجر الشعراء دم الكلام.
ولكي لا يسفك الدم في وطني باسم الحب، ولكـي يبقى الحب كما عرفناه طاهرا بلا ألم وأوجاع ألا لبُعد الحبيب... فهل من مجيب؟.
********************
شـــاعــر وقصيــــــــدة
الجولة الخامسة:ــ مع الشاعر فيصل الجاسم
ماذا أكتب وكيف سأكتب وهل سأنجح في الكتابة عن فيصل جاسم وقصيدته وأنا لا أقرأ لفيصلنا الشاعر غير مجموعة واحدة هي الأسلاف.
هل سأفلح في ذلك حين اكتب عنه ومن أي مدخـل سأبدأ الكتابة أأبدأ بغلاف مجموعته الشعرية والألوان المتداخلة فيها عبر تكوين لوني رائـع، لا يبدو لي سأنجح بذلك أن بدأت، أم ابدأ من مدخل أشعاره في المجموعة نفسها لعليّ أجد ضالتي للكتابة عنه، حسمت أمري وقررت أن ابدأ من ثلاثة أحلام لكلكامش عبر حكمة العمر وتوقيعـات والرؤيا إلى أخر قصيدة في المجموعة قصائد لشجرة الوهم، ماذا وجدت فيها وماذا عرفت من قرأتي لها لاشيء أبدا غير متوقع من شاعر أنصهــر مع الأرض انصهارا ومع التأريخ توحدا. كلمات عذبة وجمل رقيقة وأبيات شعر جميلة رائعة تكونت منها قصائده شعرا أروع وأجمل، حتى أني تمنيت لو كنت كلمة وحرفا في قصائــده كي أتوحد مع مجموعته الشعرية لازداد ألقا.
أنا أمام شاعر عرف كيف يستخدم الكلمات ويصوغ منها أشعاره وعرف كيف يختار القصائد كتابتا وإبداعا، وعرف كيف يختار عناوين ومواضيع قصائده، فمن جلجامش من عمق تأريخ العـراق إلى حاضره كأنه يربط الزمن الماضي بالحاضــر أو يستحضر الماضي بالحاضر استحضارا يحسـد عليه.
يضع بين يدي القارئ قصائد ما هي بالقصائد وإنما هي دليل وعي ومرشد طريق في دروب العشق والهوى والحضارة، انه يستخدم التعابير الرمزية ويستخدم الجمل المجازية في قصائده ليوصــل الفكرة إلى القارئ عبر بناء شعري رصين متقن.
فهل سأترك الأسلاف تتحدث عنه وهل أستطيع أن اترك قرأتها ومتى سأصل إلى النهاية وأنا بعـد قراءة كل قصيدة اشتاق لقرائتها مرة أخرى أأقـرأ ببطئ وفهم واستيعاب لكل مضامينها أم اقرأ وكأني أعيش القصيدة نفسها أو أنا جزء منها.
حين قرأت الأسلاف وجدت نفسي أنا لا أقرأ وإنما أعيش الأسلاف بتفاصيلها وأحداث قصائدها ومجد معانيها وسحر مفرداتها ، فيا لغة السحر لا تحرميني من متعة العربية أنا بغيرها لا أحيا وليس لي غيرها من عصبية، يا لغة العرب اجعليني حرفا فيك ليستلهمني شاعر ويجسدني قصيدة بين ضفتي مجموعته الشعرية.
عذرا شاعرنا فيصل جاسم هل أوفيت قدرك بمـا قرأت من شعرك.
وألان مع قصيدة الرؤيا هذه القصيدة تأخذ عنـد الشاعر معنى وأي معنى حين تتجسد الرؤيا عنـــده ملحمة من الإحداث الجسام فالرؤيا عنده ريــح ودم يتساقط وأمواج في الرأس ويحتار شاعرنا في رؤياه فمن أين يمر وأين يحط رحاله فهو يقاوم طقسا افلاطونيا، ويعبر صوبها ممزوجا بالماء والخشخاش ويتسائل في الرؤيا عن التواريخ للزهرة والأبنوس ويستمر يبحث عن الأسرار وعن مغالقها وعن مفاتيحها كأنه يبحث عن مدينة فاضلة، والمدينة الفاضلة لأفلاطون ليس لها وجود اليوم على ارض الواقع.
واليك عزيزي القارئ قصيدة الرؤيا
ريح جارحة
ودم يتساقط عبر جذوع السقفِ ـ الرؤيا
أمواج عاتية في بحر الرأس
تخوم غارقة في الجوفِ ، مسورة
بالشجر المتحامل والأيقونات الممسوحة
من أين أمر ؟
وأين أحط رحال القافلة المسكونة بالهفوات
وبالظن المتمدد في الجسد ــ المقبرة ــ اليمّ
أقاوم طقسا افلاطونيا في القلب
واعبر صوبك ،
أيتها الممزوجة بالماء
وبالخشخاش
أمر على ساكنة في الحي
وأسأل عنك ،
وعن تاريخ الزهرة والأبنوس
أعامد وجهي
اخرج منك ، ومن تاريخ الزهرة الأبنوس
افجر ذاكرتي المثقوبة
والشفة السفلى
والريح الجارحة المجروحة
أين مغالق هذي الأسرار المفتوحة
أين مفاتيح الأسرار المغلقة ــ الأعمار
سأفتح نافذة
في الرأس
وأدخلك في الغيهب ،
سيدة
تتربع في الكتب العذراء
وتجلسي فوق اريكته العاجية
أنت أذن ،
ديدنه
وأنت إذن ،
بيئته
اكتفي بهذا الجزء من القصيدة الملحمة الرؤيـا والحلم وكيف يأخذ الحلم مداه في رأس الشاعـر وكيف يخرج منه متفجرا من ثقب الرأس، لقـد أجاد وأبدع في وصف الحقيقة ولاشيء غير الحقيقة لأننا بحاجة إليها.
*******************
شاعـر وقصيـدة
الجولة السادسة:ــ مع الشاعر عادل محسن
شاعرنا اليوم نظم الشعر بالفصحى والشعبي لكنه اشتهر بالشعر الشعبي كثيرا، مبدع عراقي أخر في مجال الشعر أغنى المكتبة العراقية والعربية بمجاميعه الشعرية الجميلة، كما أغنى مكتبة الغناء العراقي والعربي بقصائده التي غناها مطربـون عراقيون وعرب، اشتهر شاعرنا في الشارع العراقي والسوري والأردني واللبناني وأقطار الخليج العربي.
له مجموعة كبيرة من الأشرطة الصوتية والمرئيــة لقصائد بصوته عرفت وانتشرت في تلك الأقطار،
شاعرنا هو الشاعر الشعبي عادل محسن المالكي، حين تسمع إلقائه لقصائده تشعر بصوته الحنـون يداعب كلمات قصائده وتذهب بعيدا بموسـيقى حروفه كأنه يصبغ أبياته من مداد القلب ليرسـلها إلى القلب مباشرة ( قلب المتلقي ).
نظم الشعر وكأنه لم يكتب وإنما يصوغ خلجـات الروح ليصنع منها شعره، نظم الشعر وكأنه لـم يكتب وإنما يرتب أحاسيس القلب ليبدع منها قصيدة، وكأنه لم يكتب وإنما يعيش القصيـدة نفسها وتكاد لا تميز بين عادل الإنسان وبين كلمات قصائده.
قد تقف كلماتي حيرى أمام هذا المبدع وبأي وصف تصفه وهل تستطيع أن تعطيه حقه وأي المفـــردات استخدم للكتابة عنه وما السبيل إلى ذلك، لا أجد غير شعره يستطيع أن يوصفه ويعبر عن شخصيته ومكانته، حين أمسكت بمجموعته الشعريـة ( أحبكم ) أقرأ ما تحتويه من قصائد وروائع وجدت فيها التنوع في مجالات الشعر يكتـب للأب وإلام والحبيبة، يكتب للشوق والحب والعتب، يكتـب بهموم النفس البشرية وما يحيط بها من إرهاصات ويصنع اشراقات الدنيا أمام ناظري قارئه كأنه بوصلة نجاة، يكتب في هذه المجموعة وكأنه يعبـر عن لسان القارئ وضميره وما يدور في خلـده، يتحدث عن العذابات ويعطيها البعد الجمالي فهـل سمعتم عن عذاب جميل.. وهل أجمل من عـــذاب الحب.
وألان عزيزي القارئ مع قصيدة ( خابرتها وخابرتني ) في هذه القصيدة يتحدث الشاعر عــــن معانات الحبيب واتصالاته بحبيبته عبر الهاتـف ليحدد معها موعد اللقاء وهل سينجح بذلـك، وللعشيقة حسابات في الوقت والزمن ويجـب أن تجد يوم للقائه أراد أن يكون موعده غدا فقالت ( اصبر للسبت ) وبدأ شاعرنا يعد الأيام عدا حتى أضناه التعب، وحين تصور حان وقت الموعد بـــدأ يجهز نفسه للقاء ويضع العطر ، وكعادة الحبيـب أصبح عنده الطريق طويلا وبدأ يخشى أن يتأخـر عن موعده مع من أحب لكنه لم يرى شيئا، لـم يرى قدوم من أحب وبـــدأت النار تتأجج بين أضلعه، لماذا لم تأتي حبيبتي والى اقرب هاتــــــف أتصل بها وحين ( جاوبته ) صب جام غضبه عليها لأنها أخلفت الموعد.
فترد عليه بهدوء ( ها يمحبوبي أشردت ) فيجيبهــا أنا على موعدنا وفي المكان المحدد انتظرك ولم تأتين، ضحكت هي ضحكة طويلة وأبلغته أن موعدنا السبت واليوم هو ألجمعه.
عندها أيقن الشاعر إن لموعد الحبيب لهاجس يدفع الشباب إليه دفعا وان لهفت المحب تحاول أن تقلص الزمن وتختزله ليكون موعد اللقاء قريب.
واليك عزيزي القارئ نص قصيدتـه ( خابرتها وخابرتني )
خابرتها وخابرتني وموعد اوياها أطلبت
وردت منه يكون باجر كالت اصبر للسبت
ويوم يوم أصبر وأعدهن ومن الحساب أتعبت
وحان موعدنه وبسرعة اتشيكت وتعطرت
والدرب أصبح شطوله وأحس نفسي أتأخرت
ومن وصلت الموعد أني هناك كلشي ما شفت
أنتظر وأحرك بروحي وأحس نفسي اتقشمرت
وعلى اقرب هاتف أني بكل غضب اركض رحت
وهي من الدكه الأولى عليّ رأسا جاوبت
هي كالت ألو واني صحت بيها وشتمت
وكلت هيج وهيج انتي انتي أتعس ما شفت
ومن هدأت اشويه كالت ها يمحبوبي أشردت
كلت عالموعد اجيتج تالي فشلان أرجعت
ضحكت بضحكة طويلة وكالت أنت التيهت
يا حبيبي اليوم جمعة واحنه موعدنه السبت
* * *
حوار شعري رائع في هذه القصيدة وأنا أقول رفقــا بالقوارير أيها الشباب المحب، لا تتعجلوا والتمسوا للنساء عذرا ، والتمسوا للحبيبة عذرا، ولا تأخذكم الهواجس بعيدا عن الحقيقة، اضبطوا مواعيدكم ولا تتعجلوا الزمن فكل شيء بأوانه أجمل وأبهى ويبقى الحب أساس الحياة.
******************
عدل سابقا من قبل مؤسس ومدير عام المنتدى في الأحد فبراير 03, 2019 5:22 pm عدل 2 مرات
