بسم الله الرحمن الرحيم
المجموعة القصصية الكاملة
قصص من الزمن الصعب
وليد زيدان اللهيبي
الاهـــداء
- الى القراء الاعزاء
- الى حملة الاقلام والبنادق ضد الاعداء
- الى كل الحالمين بغد أفضل
- الى العراقيين أبطال الزمن الصعب
- الى الذين قتلوا غدراً
وليد زيدان اللهيبي
مقدمة الكتاب
لابد ان تساهم الكلمة أية كلمة في هذا الضرف الصعب لابد ان تساهم في انارة الدرب وتوقد شمعة ليبدد الظلمة وتكتسح الآفات في زمن نسنا فيه طعم الحب والوفاء والاخلاص في زمن المفخخآت والدم المهدور في كل الارجاء .
لابد ان تساهم في رسم الابتسامة على الوجوه بكلماتنا البسيطة المعبرة عن عمق ارتباطنا بهذا الوطن وهذا الشعب ، ولكي تحقق الكلمة مداها وتصل الى القلوب لابد لها ان تداعب مشاعر الناس وتستوعب همومهم .
ولابد لقصص الحب من حصة ، كما لابد لقصص الجهاد والمقاومون من حصة ، فأذا كان للغزل وقع في قلوب الناس وفي قصصي فأن للبندقية وقع في تحطيم الصمت ومقاتلة الاعداء المحتلين لوطني ، كما للقلم وقع آخر يمزق صمت الصامتون ويثير عزيمة الأبطال لمقاتلة اعداء العراق ومحتليه والساعين لخرابه وطمس معالم الاسلام فيه .
وما مجاميعي القصصية الثلاثة التي بين يديك عزيزي القارىء الآن الا دليل على توزيع حصص الحب والحرب والتي جمعتها في هذا الكتاب والتي كتبت بين عامي 2003 و 2007 لتكون شاهد على صمت البنادق والاقلام ، فأن للبنادق والاقلام رصاصات لايجيد اطلاقها الا المجاهدون الحقيقيون ولاتصيب رصاصاتها مقتل الاعداء الا من ايديهم فسلمت زنودهم كما سلمت بنادقهم والاقلام .
والله ولي التوفيق
وليد زيدان اللهيبي
المجموعة الاولى
سيدة الغـــروب
وليد زيدان اللهيبي
الاهـداء
- الى كل الحالمين بغد افضل
- الى كل المحبين
- الى كل من اضناهم السير في هذا الدرب الطويل
- الى كل من يرسم البسمة في هذا الظرف الحالك
- الى ابطال القصص وشخوصها الحقيقيين
وليد زيدان اللهيبي
المقدمة
لابد ان تساهم الكلمة اية كلمة في هذا الظرف الصعب لابد ان تساهم في انارة الدرب وتوقد شمعة لتبدد الظلمة وتكتسح الآفاق .
ولكي تحقق الكلمة مداها وتصل الى القلوب لابد لها ان تداعب مشاعر الناس وتستةعي همومهم ومن ثم تبسط لهم ما يعانون وتضع لهم النصح والارشاد ليتجاوزا ماهم فيه ، ومن هذا المنطق كان لزاماً عليَََّ ان أساهم بجزء ولو بسيط في عملية التوعية والتبصير وأضع بين يدي القارىء العزيز مجموعة من القصص القصيرة تحمل كل قصة منها فكرة بسيطة وتعالج هماً من هموم الناس كي أخفف من معاناتهم اولاً واغرس فيهم الامل ثانياً .
وأملي اليوم هو أن انجح في هذه الرسالة وان تنال كتاباتي البسيطة هذه رضا الجمهور القارىء لها وتجد في قلوبهم صدى لها ، يرددوه بألسنتهم أينما كانوا .
وليد زيدان اللهيبي
جيـــــاع
قال ويداه ترتعشان وفنجان القهوة يتراقص بين أنامل يده ، جياع في كل مكان ... على مر العصور والازمان أجابه احد الحاضرين عن أي جوع تتحدث ايها الشيخ الجليل .
أنظر حولك يابني ماذا ستجد ، الم ترى الاشياء على حقيقتها ألم تشاهد عيناك بوضوح بعد . الى متى لاترون الا الظاهر من الامور . الجوع ياولدي يعم الارجاء وينتشر في كل مكان . أدار جليسه برأسه يميناً ويساراً يحاول أن يكتشف مايراه الشيخ ، لكنه لم يبصر أي شيء ولم يرى الجوع فدمدم ببضع كلمات في نفسه ، يبدوا ان شيخنا قد ضعف بصره ولم يعد يرى الاشياء على حقيقتها دمدهما وهو يبتسم .
وضع الشيخ فنجان القهوة بعد أن أرتشف مافيه جانياً وجال ببصره ليتفحص أبتسامة الرجل وهو يقول بصمت ، مسكين هذا الرجل فقد بصيرته . ويقطع هذا الصمت صوت نادل " القهوة " المقهى هل يرغب احدكم بتناول الشاي أو القهوة .
يتحفز الشيخ الجليل عند سماعه هذا الصوت ويتململ في جلسته قائلاً بنيّ اجلب لي الماء .
يأتيه النادل مسرعاً بقدح ماء يضعه على طاولة صغيرة امام الشيخ . يمد يده شيخنا يمسك بالقدح ويبتسم مرة اخرى ويردد آهٍ من الجوع .
فيجيبه الرجل بأنفعال واضح جوع ... جوع أي جوع هذا وقبل قليل رأيتك تتناول وجبة الطعام هنا في هذا المكان
ينظر الشيخ اليه مستغرباً وهو يردد في نفسه ألم يدرك بعدُ معنى الجوع صاحبي هذا ، فيجيبه الشيخ سأعلمك عن اي جوع أتحدث .
- قدح الماء غير مبرد ليس فيه ثلج ... اليس هذا جوع .
- مصابيحنا واجهزتنا الكهربائية لاتعمل بسبب عدم توفر الكهرباء ... اليس هذا جوع .
- انابيب المياه في بيوتنا فارغة الا من الهواء ... اليس هذا جوع .
- حصتنا التموينية لم نستلمها كاملة منذ أشهر ... اليس هذا جوع .
- لانستطيع الخروج بعد غروب الشمس بسبب فقدان الأمن ... اليس هذا جوع .
- لاتستطيع ان نعبر عما يدور في داخلنا بكلام لطيف ... اليس هذا جوع .
- عقولنا لاتستوعب المتغيرات وروحنا فقدت غذاء الروح ... اليس هذا جوع .
من منا قرأ كتاب من منا كتب سطراً ... اليس هذا جوع .. و .. و.. و .. الى آخره اليس هذا جوع .
- يجيبه الرجل معتذراً أنا آسف ياشيخي الجليل ... لم أفهم قصدك ولم استوعب ما كنت تقول .
فيجيبه الشيخ جياع ... جياع في كل مكان ، على مر العصور والازمان .
2003
العـــانس
تعودت الجلوس في شرفة دارها المطلة على نهر دجلة تنظر الى أنسياب الماء بين جرفي النهر ، وتراقب مرور السيارات في الشارع المحاذي للنهر كما وانها ترصد حركات المشاة في مرورهم وتجوالهم على الكورنيش .
كانت تجلس لفترات طويلة وهي تحتسي كوب قهوة محلاة بالسكر كانت فارعة الطول ذات قوام جيد وشعرها الاسود الطويل ينساب الى اسفل كتفيها ناعماً كالحرير .
كانت تكثر النظر الى الماء كأن فيه سر عجيب او انها تودع فيه سر حياتها ، لم يتجاوز عمرها الثلاثين الا بقليل من السنين لم تكن متزوجة رغم انها جميلة أنيقة جذابة ، يتمناها كل من يراها . خالجها شعور غريب وهي تضع على شفتيها كوب القهوة متسائلة لِمَ لاتكون هذه قبلة حبيب .
ويقطع صمتها بشكل مفاجىء صوت ( بريك سيارة ) توقف سيارة مسرعة ، اعاد اليها وعيها واكملت شرب رشفة من قهوتها مبتسماً وهي تنظر الى احمر الشفاه على حافة الكوب العلوية حيت المكان الذي شربت فيه . بدأت تستعرض حياتها متذكرتاً ايام الدراسة الجامعية وزميلات تلك الايام ، وزملائها في تلك السنين . رددت في نفسها ان الجميع ىقد تزوجوا بعد اكمال الدراسة الا أنا ، ماالذي ينقصني ... لاشيء ابداً ، جمال ومال واخلاق وشهامة وشهادة جامعية عليا .
اذاً لِمَ لم يتقدم احد لخطبتي هل اقول كما تقول عجائز أيام زمان انها ( القسمة والنصيب ) . لا ليس كذلك ابداً لأبحث عن سبب آخر . واستمرت تستعرض حياتها من جديد ومع رشفة اخرى من قهوتها المحلاة بالسكر ونظراتها الى صفحة الماء في دجلة ومرور السيارات في الشارع المحاذي ومع حركات اغصان الشجرعلى حافة الجرف المقابل من النهر وانسياب الزوارق في مياه دجلة التي تكسر صفحة الماء لهذا النهر عبر امواج متعاقبة تصل ببطىء شديد الى حافة الجرف صرخت باعلى صوتها يا للسماء كم جميل هذا المنظر كُلاً يحتضن حبيبته فجرفا النهر يحتضنان المياه ورصيفا الشارع يحتضنان الشارع نفسه واوراق الاشجار تحتضن الاغصان وامواج المياه تحتضن الزوارق . الا انا لا أحد يضمني الى صدره بحنان وعاطفة . عندها اجهشت بالبكاء ودموعها الساخنة تنساب من وجنتيها نازلة بغزارة حتى بللت ردائها . قالت يا لخيبة النساء وكررتها مراراً وهي تلتقط منديلاً ورقياً جففت دموعها به .
قالتها بحسرة واضحة كأنها أيقنت سبب عدم زواجها وايقنت ان القسمة والنصيب كما يقولون ليست السبب .
وتذكرت أنها رفضت عدد كبير من العرسان تقدموا اليها لاسباب مختلفة شعرت بها الان انها اسباب تافهة ويبدوا ان تعاليها وتكبرها هو الذي قادها الى هذه النتيجة بالاضافة الى رأي بعض النساء الذي أثر على رأيها آنذاك .
مسحت دموعها ثانية وهي تردد يا لخيبة النساء ... يا لخيبة النساء .
2003
ذئاب بشرية
في احدى البنايات ذات الطابع التجاري حيث كانت البناية تظم عدد من الشركات والمحال التجارية كانت الحركة في البناية دخولاً وخروجاً محدودة جداً مما يدل على ان هذه الشركات والمحال التجارية ضعيفة المبيعات . كان الرجال العاملون هناك من مختلف الاعمار وكذلك النساء والفتيات .
كانت احداهن سمراء اللون ممشوقة الطول محجبة ترتدي جبة سوداء ، تمشي بهدوء واضح . تلقي التحية على حارس العمارة المذكورة حيث الابتسامة مرتسمة على وجهها مصحوبة بنوع من الحزن .
كانت الذئاب البشرية الواقفة في مدخل العمارة تحاول ان تلتهم هذه الفتاة بنظراتها كل واحد منهم يريد الاستئثار بها لا بالشكل الشرعي وانما بالمتعة الزائلة .
كانت تحتقرهم جميعاً بنظراتها ، وذات يوم نزلت من سلم العمارة ودخلت احد المحال القت على صاحبه التحية بهدوئها المعهود .
رد عليها التحية بأدب عال لفت نظرها ، قالت وهي تقلب بعض المواد المعروضة أني جئت اليك بطلب واني محتاجة اليه ولم اجد أحد غيرك يقف بجانبي ... ولعلمي انك رجل خلوق .
أجابها مستبشراً اطلبي ما شئت ان شاء الله سأكون من الفاعلين . كان يتصور انها محتاجة لبعض المواد من محله . فاجئته قائلة اني أحتاج الى جهاز هاتف نقال ولم املك ثمنه وهو هدية لاحد الاشخاص بدائرة معينة مقابل ان ينجز معاملة تعييني فيها .
- قال : لك ماتريدين عندي احد الاشخاص يتعامل ببيع هذه الاجهزة ومحله ليس ببعيد عن هنا .
- قالت : لنذهب اليه الآن
وذهبا فعلاً .. وفي الطريق اليه شرحت ظروفها المأساوية كون والدها رجل كبير عاجز وامها متوفية وهي مسؤولة عن اعالة عائلتها كونها الكبيرة . وأنها تعاني من ضائقة مالية وابلغته بأنها ستسدد له المبلغ على دفعات .
- قال لها مقدراً ظروفها هذا امر بسيط ، كنت انا انظر اليك من محلي حين تدخلين وكنت أرى مشيتك الهادئة واخلاقك العالية وكنت ادين موقف الذئاب البشرية المتجمعة في مدخل البناية.
أجابته مبتسمة لقد تعودت على وقفتهم ، وكنت أقارن بينك وبينهم وكان الفرق واضح عندي فهو كالفرق بين الثرى والثريا .
ضحك صاحب المحل واعتبرها اشارة رضا وقبول تؤكد حسن سيرته ولجوء المحتاجين اليه . وصلا سريعاً الى الجهة المقصودة واشترى الهاتف النقال وأنهى مشكلتها وهو مسرور بما فعل ويردد مع نفسه ألا تباً لعسر اليد ... ألا تباً للفقر والحاجة . اخذت جهازها مسرورة شاكرة له صنيعه وهي تردد في نفسها شتان بين الذئاب البشرية وبين حسن الافعال ودمعة نزلت على وجنتيها واردفت قائلة الحمد لله لازالت الدنيا بخير .
2003
حـلم
امتطت حصانها الابيض وانطلقت كالسهم متوجهة الى الصحراء لم يكن لديها أي مكان تلجأ اليه في رحلتها هذه كل الذي خطر في بالها ان تغادر الجدران الاربعة التي تحيط بها ، وتنطلق الى فضاء واسع رحب ، استمرت في انطلاقتها وتجاوزت حدود المدينة التي تسكن فيها وبدأت تحث الخطى نحو الصحراء أدارت رأسها الى الخلف تنظر المدينة التي بدت لها تبتعد رويداً رويداً حتى تلاشت امام ناظريها كل المباني والدور ، ادارت رأسهاالى الامام واذا هي وسط صحراء رملية قاحلة نظرت الى الاسفل فشاهدت الرمال تتطاير نتيجة ضربات حوافر حصانها ، وامعنت النظر الى الامام فشاهدت لمعان الرمل نتيجة انعكاس ضوء الشمس عليه . لازال حصانها يقطع المسافات سريعاً كأنه يختزل الزمن اختزالاً وكانت حين تنظر الى الامام تشاهد الافق البعيد كأن السماء قد لامست الارض لاشيء يقطع عنها الرؤيا في هذه الصحراء .
وحيث شعرت بالعطش وهي فوق صهوة حصانها مدت يدها الى " جود ماء " وعاء يخزن فيه الماء مربوط باحكام في سرج حصانها شربت منه حتى ارتوت واعادته الى مكانه ، وعن بعد شاهدت بعض أشجار النخيل وشجيرات اخرى تحيط ذلك المكان فأيقنت أنها احدى الواحات ، استمرت با نطلاقتها وسرها ما رأت حيث وجدت بركة ماء ينساب الماء اليها من عيون ليست بعيدة عن المكان وتحيط بالبركة مجموعة من الاشجار الخضراء واشجار النخيل الباسقة وهي محملة بالاثمار .
مدَّ حصانها رأسه الى الاسفل بأتجاه الماء وبدأ يشرب و يشرب حتى روى ضمأه ، كانت تنظر اليه فرحة بذلك المنظر الجميل ، واحة صغيرة جميلة تحيط بها الصحراء القاحلة من جميع الاتجاهات ، حاولت ان تستطلع المكان جيداً عسى تجد فيه انيساً من البشر وبحثت في كل مكان فلم تجد غير نفسها هنا وعثرت وهي تتجول في هذه الواحة على بعض نوى التمر وبذور الفواكه يوحي شكلها أنها رميت هنا منذ فترة طويلة وأيقنت بأن المسافرين يمرون بهذه الواحة ، يرتاحون ويأكلون ويتزودون بالماء ويغادرون الى وجهة سفرهم .
قررت ان تستريح هنا وتريح حصانها من المسيرة الطويلة التي قطعها ، جلست على حافة البركة تحت ظلال الشجر وقد مدت رجليها في الماء فأحست ببرودته ، وحين ايقت بعد برهة من ان لاأحد يشاركها المكان هنا غيرها وحصانها قررت ان تسبح في هذه البركة ثم اجلت موضوع السباحة الى حين ، ترى لماذا ... لأنها شاهدت طائر جميل ذو ريش ملون يحط على مقربة منها فوق احد الاغصان ، وهو يعزف لحن لم تسمع مثله من قبل ، اصغت اليه مندهشة وحين حاولت التقرب اليه طار الطائر بعيداً عنها فتألمت لذلك ، وعادت من جديد الى فكرة السباحة وبدأت تخلع ما عليها من ملابس فائضة وقفزت الى البركة واذا بها تصرخ بألم شديد وحين فتحت عينيها اذا هي لازالت بغرفتها بين اربعة جدران ، وقد سقطت من سرير نومها على الارض حيث كانت تغط في حلم جميل .
2003
الوفــــاء
تعودت ان تنظر من شباك غرفتها في الطابق العلوي من الدار التي تسكنه تنظر الى حديقة جارتها حيث كانت حديقة جميلة كبيرة تظم انواع مختلفة من الزهور والنباتات ، كانت تمتع نظرها بهذا المنظر الجميل ألا ركن واحد كان يثير فيها الحزن والكآبة حيث يوجد فيه شجرة كبيرة يابسة جرداء كان منظرها يثير هذه الفتاة حين تنظر اليها ويذكرها بصورة مأساوية حيث يوحي لها ان هناك جثة هامدة وسط باقي الاحياء وكانت الفتاة تستغرب من تصرف جارتها المرأة الطاعنة بالسن حيث كانت تحمل دلو الماء وتسقي هذه الشجرة الميتة التي لاامل فيها بأن تنمو من جديد .
استغربت الفتاة كثيراً من هذا السلوك اليومي لجارتها في شئ لاامل فيه للحياة . وكانت تردد في نفسها أما آن لهذه المرأة العجوز ان تكلف الحدائقي ليقلع هذا الجذع الميت لتكتمل جمالية حديقتها .
كانت المرأة العجوز تضع طاولة معدنية وكرسيين معدنيين على مسافة قريبة من هذه الشجرة الميتة المتيبسة وكان يحلو لها ان تجلس كل يوم عصراً هناك حيث مكانها المفضل امام تلك الشجرة وكانت مدبرة المنزل تجلب لها قدحين من الشاي المثلج في اناء من الاستيل معد لهذا الغرض وكانت العجوز ترتشف شايها المثلج هذا رشفة رشفة وهي تنظر الى المكان الخالي امامها وترفع رأسها قليلاً لتنظر الى الشجرة المتيبسة ويطول بها الوقت وهي تنظر اليها ، وتهطل من عينيها دمعتان ساخنتان تصل الى تجاعيد وجنتيها الذابلتين . يوم بعد يوم ازداد فضول الفتاة واستغرابها من هذا التصرف اليومي لهذه العجوز وبدأت الفتاة تردد جمل لاتدري ايها اقرب للحقيقة مرة تنعت العجوزبالجنون واخرى تنعتها بعدم الوعي وثالثة بعدم التمييز بين الاخضر واليابس ، دفعها فضولها للتقرب من العجوز وزيارتها لتعرف الحقيقة وراء ذلك كله . اسرعت الفتاة الى خزانة ملابسها وارتدت اجمل الاشياء كما وانها اتمت وضع مكياجها بشكل يظهر جمالها واستخدمت عطرها المميز وكان هدفها في كل ذلك ان تظهر للمرأة العجوز انها في قمة الحيوية والصبا .
لم تستغرق من الوقت كثيراً حين نزلت ومشت في الشارع ووصلت دار جارتها ، مدت يدها الى زر الجرس الكهربائي وسحبت يدها مسرعة قبل ان تلامسه لانها تذكرت ان التيار الكهربائي قد قطع قبل قليل .
طرقت الباب بلطف وانتظرت طويلاً واذا بمدبرة المنزل تأتي وتفتح لها الباب .
تبادلتا التحايا واخبرتها بأنها تريد زيارة جارتها ، اوقفتها المدبرة لكي تستأذن من سيدة القصر ، كانت الموافقة على دخولها . القت الفتاة التحية على المرأة العجوز وردت عليها جارتها بالمثل وطلبت منها الجلوس .
- قالت العجوز ما بك ياابنتي كل يوم تنظرين الى حديقتنا .
- قالت الفتاة خجلة لقد لفت نظري منظرها الجميل ألا تلك الشجرة خلفي واستغرب من تصرفكِ أتجاهها كل يوم تسقيها وتجلسين أمامها تحتسين الشاي .
ردت العجوز عليها ياابنتي انا اعرف انكِ كنتِ تقولين لِمَ لاتقلع هذه الشجرة الميتة اليابسة فلا رجاء بها ولا روح .
- قالت الفتاة بعد ان احمرت وجنتاها خجلاً كأنكِ تقرأين افكاري ياجدتي .
- اجابتها العجوز ان لهذه الشجرة قصة وفيها ذكرى لاتموت رغم موت الشجرة.
دفع الفضول الفتاة لتعرف هذه القصة قائلة يا جدتاه لقد شوقتني لسماعها .
اردفت العجوز تقول ياأبنتي في الشهر الاول من زواجنا جلب زوجي هذه الشجرة وزرعناها معاً هنا في هذا المكان وكنا نهتم بها ونرعاها وحين كبرت بعد عدد من السنين حفرنا على جذعها حروف اسمينا وتاريخ زراعتها وكان ذلك قبل اكثر من اربعين عاماً . وكنا أنا وزوجي رحمه الله نحتسي شاينا المثلج ، ولازلت أنا الى اليوم اجلس في نفس المكان كما ترين ولازلت ارعى هذه الشجرة لانها رفيقة عمرنا وتحمل قصة زواجنا ، أعرفتِ السبب يابنيتي .
- قالت الفتاة أنا آسفة ياجدتي انه الفضول الذي لدي دفعني الى ذلك .
- قالت العجوز وانا يا أبنتي الوفاء الذي عندي لزوجي المرحوم دفعني الى ذلك .
فأنصرفت الفتاة خجلة من تطفلها تردد في نفسها لن أعود للتطفل مرة اخرى أبداً .
2003
سـيدة الغروب
عند غروب الشمس حيث يكون قرص الشمس منخفضاً جداً يكاد يلامس الشجيرات على جرف النهر ويكون لونه احمر وبرتقالي لون جميل لايمكن لاي فنان مهما بلغ من القدرة والتقنية في الرسم ان يتمكن من تحديد هذا اللون .
ان انعكاس لون الغروب على سطح ماء النهر ومع تموج وجريان الماء يعطينا منظراً لايمكن وصفه من الرقة والجمال .
كانت احدى السيدات قد تجاوزت الاربعين عاماً بقليل قد تعودت الوقوف على حافة الجرف يومياً وفي نفس المكان وفي نفس الوقت وكانت متشحتاً بالسواد حتى كاد هذا اللون يتغلب على بشرتها الحنطية الجميلة .
ومع لون الغروب الجميل وقرص الشمس الاحمر الناري ومع صوت جريان نهر دجلة وحفيف الاشجار المنتشرة على الجرف وعلى حدائق الكورنيش حيث اكشاك الباعة ، حتى لكأن الصورة لاتكتمل ألا بوقوف
هذه السيدة في مكانها المعهود يومياً وكأنها اصبحت جزءاً من هذه اللوحة الجميلة ، حتى ان من ينظر الى غروب الشمس والى السيدة الواقفة على الجرف لايرى لها أي افتراق .
ان عيونهم تعودت على اكتمال هذه اللوحة الجميلة بها ، كان يقف على بعد مسافة من سيدة الغروب هذه ثلاثة رجال تعودوا ان يروها كل يوم هنا في مكانها أو بالاحرى في صومعتها .
- قال احدهم يبدوا أنها تتذكر ايام شبابها وهذا الكان بالذات يذكرها بحبيبها .
- قال الآخر أنها تقف هنا قرب الماء تتذكر سر الحياة الابدي .
- قال ثالثهم من علامات الحزن على وجهها أرى أنها تأتي الى هنا لتغير نمط حياتها وتتمتع بهذا المنظر الجميل .
قال الثلاثة آرائهم ولم يصب احدهم الحقيقة ابداً لان لسيدة الغروب حكاية اخرى .
وعلى مقربة من الرجال الثلاثة كانت امرأة كبيرة السن تجلس على المصاطب الخشبية تمتع نظرها بمشهد غروب الشمس ، أنها لم تكن من رواد هذا المكان بشكل يومي . لفت انتباهها وقوف السيد هناك في كل مرة تأتي العجوز تجد سيدة الغروب هناك .
قالت تحدث نفسها ان لهذه السيدة حكاية مأساوية أرى ذلك من علامات الحزن المرسومة على وجهها ، لاستوقفها اليوم واخفف عنها قليلاً من الحزن .
وحين همت السيدة بمغادرة المكان وهي تمشي ببطىء شديد اتجهت بطريقها الى حيث تجلس المرأة العجوز حيث ان الطريق من هناك يمر الى الشارع الرئيسي .
- قالت المرأة العجوز بُنيتي استميحك عـــــــــذراً وأناشدك ان تجلسي بقربي بعض الوقت .
- ردت سيدة الغروب التحية وقالت لابأس بذلك ياماه وجلست بجانبها .
- قالت المرأة العجوز ارى ملامح الحزن عليكِ وانك ترتدين السواد دائماً وتقفين في نفس المكان .
- قالت سيدة الغروب كيف لا ألبس السواد وهل بقى لي شيء غير هذا اللون .
وقد نزلت على وجنتيها دموع بغزارة وصوتها مصحوباً بحزن ومرارة .
- قالت العجوز يا ابنتي من منا لايحزن ولكن لانبالغ فيه فنعقد الأمور قصي لي حكايتك لأخفف عنك همومك واحمل جزء منها ولو يسير .
- قالت سيدة الغروب مات زوجي بمفخخة وضعوها على الطريق وضعها مجاهدون او ارهابيون لست ادري ، المهم أن زوجي حين مرَّ من هناك كان احد القتلى وترك لي ولدان وبنت كبيرهم عمره ثلاثة عشر عاماً أنشأته على قيم الفروسية والحب للوطن وفعل الخير ، ابتدأت معه بقراءة المصحف الكريم وسيرة العظماء من الصحابة الاجلاء وكان ذلك بعد اتمامه لدروسه ، وكان من المتفوقين يأاماه ولانشغالي بالوظيفة جاءت والدتي تسكن مع أبنائي في نفس الدار وذات يوم وفي غفلة عن والدتي غادر أبني المنزل مع اصدقائه وحين عدت بعد نهاية الدوام ولم اجده فَزعتُ من ذلك الامر واذا بمجموعة من اصدقائه يطرقون منهم من يبكي ومنهم من لايعرف ماذا يتكلم ، ماذا بكم يا أولادي قال احدهم ان أبنكِ قد غرق في النهر ، صرخت بأعلى صوتي واصبت بهستيريا سقطتُ على اثرها على الارض وتجمع حولي الجيران ونقلوني مع الصبية الى مكان الحادث عند النهر ، وجدت هناك مجموعة من الناس مجتمعين قسم وسط النهر يبحث عن ولدي وقسم على حافة الجرف ينتظر . ملئت المكان عويل وصراخ وكلي رجاء ان اجد ولدي سالماً ولكن القدر وارادة الله كانت اقوى وانفذ ، لقد عثروا على جثته ميتاً غرقاً في النهر ، لطمت الخدود حتى جرت منها الدماء وكان الوقت عند العثور عليه هو الغروب . تعودت كل يوم ان اقف في نفس المكان الذي كان يسبح فيه ولدي ووقت الغروب هووقت العثور عليه ميتاً غرقاً .
- قالت العجوز يا أبنتي هذا هو قدرنا نحن عباد الله وان الموت حق لاتيأسي ولاتحزني واصبري وصابري واقرأئي القرآن ترحماً واستمري بالدعاء لهما .
- قالت سيدة الغروب هو كذلك ان شاء الله .
- قالت العجوز رحم الله موتي العراقيين اجمعين ، رحم الله الموتى يا أبنتي .
2004
الباكورة والغليون
تعودت ان أراه في منطقة الباب المعظم رجل كبير طاعن في السن ترك الزمن آثاره على وجهه الُمُمتلىء با لتجاعيد كأنها أخاديد قد حُفرت في الأرض ، يحمل غليونه الخشبي الذي رافقه اغلب سنين عمره وبيده الأخرى باكورته ( عصا يتوكأ عليها ) ترى آثار التدخين واضحة على شاربه الأبيض وعلى لحيته البيضاء أيضاً حيث اكتسبا لون اصفر من كثرة التدخين ، كانت الابتسامة تشع من عينيه تكاد لاتفارقه ، بدا كما انه لايفارق الرصيف الذي يجلس عليه في تلك المنطقة أبداً .
حتى اصبح هذا العجوز رمز من رموز الباب المعظم المزدحم بالسيارات والباعة والمارة ، حين لانراه نشعر أننا ليس في الباب المعظم وحين نركز اكثر بلى اننا فيها ... لكن رمزنا اليوم غير موجود .
- قال احدنا هل قظى صاحبنا نحبهُ .
- قال الآخر لا سامح الله ربما يكون مريضاً .
- قال الثالث ربما ذهب لمحل ما يتناول طعامه .
قلت في نفسي ان هذا الرجل العجوز يحمل أسرار بقدر سنين عمره أسرار الحياة وأسرار العمل السياسي في العراق لانه عاصر عدة أجيال وحكومات ويبدوا انه عاشها منذ الاحتلال البريطاني الى الملكية الى الجمهوريات المتعاقبة .
انتبه احدهم وفاجأني الى اين وصلت في صمتك هذا .
- اجبته أبداً لم اكن بعيداً عنكم كنت أُحدث نفسي عن الرجل العجوز موضوع حديثكم وغادرنا المكان كُلاً الى جهة سكنه .
بقيت صورة الرجل العجوز تدور في ذاكرتي أسأل نفسي الم يكن له بيت يأويه الم يكن له ولد يرعــــــاه
... أليس من واجب ألأبناء رعاية الآباء عند الكبر ، لِمَ لم يعتني به ولم تُغسَل ملابسه بل لم يغتسل هو أيضاً . أيكون مشرد الى هذه الحدود وقد افنى سنين عمره عملاً في هذا العراق المعطاء . وتتزاحم في رأسي التساؤلات و ألأفكار وتبقى صورته عالقة في ذاكرتي تذكرني بأيام السبعينيات .
حاورته يوما لِمَ انت هنا في هذا المكان ، نظر اليَّ نظرته المعهودة دون ان يفصح بكلام .
- ايها الشيخ الجليل ماذا تحمل من ذكريات الأيام وتعاقب الحكومات والأيام ؟
لم يجبني الا صمته كأنه نوع من الاحتجاج والاعتصام .
- شيخي الفاضل اليس لكَ ركن تأوي اليه أو ولد يتكفلك ويرعاك ؟
رفع رأسهُ ودخان غليونه يملىء الفضاء ودمعة ألم وحسرة نزلت من عينيه ملئت تجاعيد وجهه ويداه ترتجفان ولم يجبني بأي شيء .
وأيقنت ان ايام عمره محصورة بين الباكورة والغليون وتمر الايام ونمر من نفس المكان ولم نجده ، ايقنا بأن هذا الشيخ الجليل قد فارق المكان ولم يعد رمزاً فيه لقد توفيّ ... قلت لمن معي .
ورددت مع نفسي كان الأولى من أصحاب المحلات التجارية أن يضعوا صورة كبيرة له تذكر الناس بهِ وليبقى شاهد على هذا المكان والزمان .
2004
الفرَّان والجريدة
في أحد صباحات بغداد الجميلة وفي أحد أحيائها الشعبية الأكثر جمالاً في جانب الكرخ حيث بيوتها المتلاصقة وشوارعها الضيقة تشعر وانت تدخلها أنكَ تدخل بيت واحد لا مجموعة بيوت لتألف أهلها ومعشرهم الطيب وحرصهم على مساعدة بعضهم البعض الآخر كأنهم عائلة واحدة .
في ذاك الصباح يلفت نظرك حركة غير طبيعية لناس الحي وكذلك سياراتهم وحركاتهم المستمرة . كما يشدكَ منظر الناس وهم يشكلون صفاً متتابعاً من الرجال وآخر من النساء ، ترى ما الذي يجري هنا وحين تمعن النظر تجد أنهم أمام فرن حجري لانتاج " الصمون " رغيف الخبز حيث تعود البغداديون صباح كل يوم تناوله حاراً .
تنظر الى هذه الصفوف فتراها غير مستقيمة كأنها أفعى تتحرك وامعن النظر اكثر تجد أن صف الرجال يحمل كل المتناقضات بل اكثر العصور تجدها متوحدة فيه . تحكم على ذلك من خلال ملابسهم فذاك يعتمر العقال وآخر يلبس البطلون والقميص وآخر من اهل بغداد القديمة حيث يعتمر الجراوية على راسه .
وصف النساء لايختلف عن صف الرجال من حيث المضمون الا في اللبس المخصص للنساء منه القديم ومنه الحديث والعباءة السوداء مميزة فيه .
وجوار الفرن مقر دار صدى القلب وصحيفتها صدى القلب . بدأ الناس يتهامسون كيف يجمع ابو قيصر صاحب الفرن وصاحب الدار مهنتين متناقضتين قالوها باستغراب .
لكن لا أراها كذلك . أهل الحي عند الغروب يذهب رجالهم الى المقهى يتبادلون الاحاديث ويشربون الشاي وهم يلعبون الدومينو ، ونساء الحي يتجمعن عند احدى ربات البيوت من جيرانهن حيث تحلو لهن الجلسة قرب باب الدار يتسامرن بأحاديثهن وأكياس الكرزات امامهن وسماور الشاي كذلك . اما الصبية في الحي فيتجمعون في احدى الشوارع الضيقة يلعبون كرة القدم بفرح غامر . هذه الألفة بين العوائل قلما تجدها اليوم في احياء ومدن الدنيا كلها .
ولاتخلوا هذه المدينة أو الحي من الصراعات المختلفة تبدأ من الصباح الباكر حيث يتصارع الرجال في مكان تجمع العمال ( المسطر ) للحصول على فرصة العمل ، وتتصارع السيارات في الشارع فهذه سيارة تمر سريعه كالبرق واخرى تسير ببطىء شديد لقدمها . وهناك صراع آخر يحصل داخل الجريدة صدى القلب حيث يتصارع مجموعة من الكتاب والادباء لنشر نتاجاتهم الادبية لا من اجل كسب الشهرة بل من اجل ايصال الفكرة والمضمون الى القارىء واشباع رغباته وتنوير فكره عبر تلك الكتابات .
واعود الى همس الرجال امام فرن الصمون . فالفرَّان يقدم للناس رغيف الخبز وهو غذاء البطن لديمومة الحياة ، وهو نفسه صاحب الدار والجريدة وهو يقدم غذاء الفكر والروح للمواطنين ، كلا المهنتين تقدم الغذاء فلا تناقض بينهما .
وأبو قيصر شخصية محبوبة عند اهل الحي وهو صحفي مقتدر وصاحب قلم لا يحيد عن المنهج الذي رسمه لنفسه في توضيح الحقائق ومن يقرأ عموده يعرف ذلك حين قلت ذلك تفاجىء الناس .
- قال أحدهم لم نكن نرى ما ترى .
- قلت ماذا كنت ترى اذن انت والجميع .
- قال كنا لانرى الا ظاهر الامور اما الان فنحن نرى بواطنها بعد أن استمعنا اليك فلا تناقض ... فلا تناقض .
- قلت العبرة في ذلك ان نوسع مداركنا ونرى الأمور بموازينها وان نحدث الناس بذلك لتحقيق الفائدة للجميع .
2004
التغييــر
في احدى القرى القريبة من بغداد العاصمة والى الشمال منها جلس رجل طاعن في السن على عتبة بجانب باب داره يمسد لحيته البيضاء وعيناه شاخصتان الى الامام يفكر بتغير الاحوال والعلاقات الاجتماعية في قريته .
من ينظر اليه يشعر ان هذا الرجل يفكر في موضوع هام جداً لان هذا الرجل لايرى الاشخاص الذين يمرون من امامه لانشغاله بأمور التغيرات التي حصلت . وهو في صمته هذا يكاد يكون ينطق بأن التغيرات هي السبب في كل هذا .
أي سبب ياترى وأي مشاكل يعانيها هذا الرجل الطاعن في السن وما علاقة التغيرات في مشكلته التي يعاني منها . مرَّ امام ناظريه شريط حياته الماضية وحياته اللاحقة منذ عشرون عاماً . عن أي شيء يبحث هذا الرجل لازال يمسد لحيته منقطعاً عن العالم الخارجي لايشعر بأي شيء يمر من أمامه كانه في صومعة يؤدي فيها طقوس العبادة . يتذكر احوال قريته كيف كانت الدور الطينية فيها المبنية بشكل بدائي ومن المواد الاولية المتوفرة في كل مكان وكيف كانت السقيفة تنشىء من اعمدة الاشجار ومغطاة بأغصانها وخاصة نبات السيسبان وكانت جميع ارضية البيت ترابية وكان البيت صيفاً وشتاءاً يحافظ على درجات الحرارة اللطيفة لعدم احتوائه على الحديد والاسمنت . وكانت حظائر الحيوانات داخل البيت نفسه بل في نهايته وهي مصدر مهم لمعيشة الفلاحين .
وهو يمسد لحيته تذكر بألم وحرارة كيف كانت حياة الألفة بين الجميع هي السائدة قيم واخلاق عربية ونخوة وكرم وحسن ضيافة وحياة تعاون بين الجميع وتذكر أيضاً ايام ( الحشر ) ايام كانوا ينظفون مجرى النهر الصغير ( الساقية ) من منبعه من نهر دجلة مروراً بالقرية واراضيها الزراعية ليوفروا انسياب المياه الى مزروعاتهم ، وكيف كانوا يرددون أغانيهم من الساعات الاولى للفجر الى نهاية العمل .
وتذكر أيام البؤس والشقاء حيث كان الفلاح يكدح النهار بطوله وفي نهاية الموسم الزراعي قد لايوفر له عمله الا الشيء القليل . وتذكر كيف كانت تقام حفلات اعراس القرية حيث رقصة الجوبي ورقصة الساس والغناء الشعبي الريفي مصاحباً لها .
وتذكر بمرارة كيف كانت قريته تعيش بدون ماء صافي وكهرباء وكيف كانت الشوارع الريفية الغير معبدة بالاسفلت ... ووسائط النقل الحديثة محدودة جداً . قارن ذلك كله بحياة يومه هذا والايام التي سبقته قبل عشرين عاماً . كيف جرى التطور في قريته .. بلطت الشوارع بالاسفلت وشيدت الدور بمواد البناء الحديثة وشبكة الكهرباء وشبكة المياه الصافي في كل منزل اضافة الى خطوط الهاتف والخدمات الصحية وغيرها . وكيف اصبح الفلاح بعد هذه التغيرات لايمتلك المواشي وبدل الاعتماد عليها في رزقه اصبح يشتري من الاسواق الدهن والحليب والاجبان والبيض ، آهٍ لقد فقدنا الاكتفاء الذاتي آهٍ لقد فقدنا أشياء اهم من ذلك أيضا قالها الرجل الطاعن بالسن بألمٍ وحسرة ومرارة . لقد فقدنا العلاقات الطيبة مع الجيران وفقدنا مبادىء العمل الجماعي والنخوة والمساعدة فيما بيننا . هي ضريبة ندفعها بسبب التطور وأية ضريبة أصعب وأثقل علينا من هذه لقد خسرنا جزءاً مهما ً من حياتنا وانسانيتبا لقد خسرنا وجودنا واصبحت العلاقات التي تحكمنا هي علاقات المادة والربح والخسارة لاعلاقة الالفة والتعاون .
وخسرنا انتاجنا الزراعي والحيواني واصبحنا عبئاً على المدينة نشتري ما يشتريه سكانها .
افزعه صوت نباح كلب قريب منه ... بل ايقضه من عزلته وصمته وعاد الرجل الطاعن بالسن الى وعيه وهو يقول رحم الله أيام زمان ... رحم الله أيام زمان .
2004
المفاجئـة
صباح كل يوم تقف امام المرآة تسرح شعرها الاشقر الطويل ثم تمسك بعلبة المكياج لتبدأ بوضع اللمسات الجمالية على وجهها المستدير وتنظر الى صورتها فترى نفسها اكثر اشراقاً وجمالاً بعد وضع المكياج ، تتناول فطورها وكما تعودت تشرب فنجان القهوة بعد ذلك ثم تقف على مقربة من شرفة غرفتها تمتع نظرها بحركة اشجار حديقتها وهي تسمع زقزقة العصافير .
ويصادف كل يوم مرور شاب وسيم في الشارع امام منزلها ويتبادل معها النظرات وبدأ هذا الشاب يزداد اعجاباً بها ، وبدأت تراوده افكار كثيرة كيف يعبر لها عن اعجابه بها وكيف يلتقي بها أو كيف يتصل بها وهو يجهل رقم هاتفها . وازدحمت في رأسه الافكار والتساؤلات وراح يمني النفس بأمور كثيرة أولها الأعجاب وآخرها حب لا يوصف . وقرر ذات يوم ان يقف امام شرفتها برهة من الوقت ليبادلها الاشارات والنظرات وفعلاً فعل ذلك وبمجرد أن رفع يده يلوح بها استهجنت هذا التصرف وعبرت عن امتعاضها منه حيث انسحبت الى الخلف قليلاً ثم اغلقت ستارة نافذتها وهي تردد مع نفسها مسكين هذا الشاب لم يحسن الاختيار ثم تستدرك قائلة هو رأى لمحة الجمال عندي واختار فأحسن أختياره لكنه لايعلم ما يعيب هذا الجمال أخذ الشاب يفكر كثيراً بهذا التصرف لهذه المرأة الجميلة ولام نفسه كثيراً لِمَ تصرفت هكذا معها ، اني سأُحرَم من رؤيتها ثانية .ثم قال ربما لم تعجب بيَّ ربما لم اكن بالمستوى المطلوب الذي تطمح اليه هذه الفتـاة . وفي اليوم الثاني وحين مرَّ من هناك نظر الى شرفة الدار فوجدها واقفة هناك ، وحين رأته ابتسمت هذه المرة وهي تقول الم يتعض هذا الشاب من يوم امس . وهو حين رأى ابتسامتها تجدد عنده الامل ولو بلقاء بسيط يعبر به عن حبه لها واستعداده للتضحية من اجلها لانها دخلت قلبه وصورتها لاتفارق ناظريه بل كانت تزوره في احلامه أيضاً 0
وتكررت بينهم هذه النظرات والاشارات يلوح لها بالوقوف قرب باب الدار الرئيسي يوم غد ليراها عن قرب ، هو تعبيراً عن حبه لها وهي حين تبتسم ليس اعجاباً بل على سوء حظه وعلى المقلب الذي سيواجهه هذا الشاب المسكين . فهمت اشارته جيداً وارادت ان تحقق رغبة هذا الشاب في اليوم التالي واعطته الاشارة بذلك .
بدأ الشاب يعد الساعات والدقائق ومرَّ يومه ثقيلاً وهو ينتظر بفارغ الصبر بزوغ الفجر وبداية اليوم التالي ليرى من يحب عن قرب .
عند الصباح نهض الشاب وحلق لحيته وارتدى اجمل ملابسه وصفف شعره ووضع عطره المميز استعداداً للحظة اللقاء اما الفتاة فكانت كالمعتاد تمارس ما اعتادت عليه كل صباح بأستشناء فارق بسيط هو أنها لم تقف في شرفة غرفتها بل وقفت عند الباب الرئيسي للدار . وفي الوقت المحدد لمرور الشاب من امام دارها فتحت الباب قليلاً واخرجت رأسها تنتظر قدومه . وما ان رأته يتقدم بأتجاهها أستعدت للحظة الحسم . اما الشاب فحين رآها تنظر اليه عن بعد اسرع الخطى ليقرب لحظة اللقاء .
فما كان من الفتاة ذات الشعر الذهبي والوجه المستدير الا ان فتحت الباب كاملاً ووقفت تنتظر أن يراها هذا الشاب الوسيم .
وحين وصل الشاب الى الباب تفاجئ مما رأى وأدار وجهه خجلاً من حبيبته وولى مسرعاً .
اما هي فقد ضحكت بصوت عالٍ على خيبة هذا الشاب .
واثناء هروبه المسرع من امام دارها لعن هذا الشاب مرض شلل الاطفال الذي اصاب هذه الشابة الجميلة الحسناء مردداً ألا لعنة الله على شلل الاطفال .
2004
عـودة رجـاء
شابة في مقتبل العمر تمتلك من مواصفات الجمال والانوثة ما تحسدها عليهِ قريناتها من الشابات وهي اضافة لذلك صاحبة خلق رفيع ، هادئة في حديثها تكاد لاتسمع صوتها اذا تكلمت ، معتدلة في مشيتها كأنها نسائم الربيع اذا مرت . صاحبة قلم تكتب ما تشاء برقة وعذوبة تصل الى القلب دون أستأذان . كأن كلماتها بلسم تشفي الجراح كيف لا وهي صحفية مقتدرة تعمل بجد ومثابرة في احدى الصحف .
دائمة الحركة تبحث عن ماهو جيد من المواد المكتوبة لتضعها في الصفحة الثقافية في تلك الصحيفة كي تمتع القراء .
قادتها الصدفة ذات يوم وهي تتسوق من احدى المحال التجارية للالبسة قادتها الصدفة لاغير الى كاتب مولع بالكتابة لايحده اتجاه واحد في هذا الميدان رغم بساطة مايكتب وبعد حوار قصير بينهم عَرفَ انها صحفية وايقنت هي انه كاتب وهنا حدثت المفاجئة حين قال لها انا اكتب في الصحيفة الفلانية فأجابته على الفور أنا مسؤولة الصفحة الثقافية فيها فمن أنت ؟
وبعد أن عرفت اسمه وعرف اسمها ضحكا ضحكة عفوية لحسن هذه الصدف .
وبدأ التواصل بينهما يزودها بما يكتب وتنشر هي ما يكتب ، المهم عنده هو ان تستمر العلاقات الانسانية الطيبة في هذا المجتمع المبنية على اسس القيم والاخلاق والمبادىء وكان ينتقد الظواهر السلبية في هذه العلاقات ، أي المبنية على اسس المتاجرة والربح والخسارة والمصالح المادية وغيرها ، كانت تبادله نفس الاراء والافكار رغم أنها لم تقول ذلك لكنه بحسه المرهف ومن سلوكها وتصرفها الشخصي شعر بذلك وهو مطمئن لتلك العلاقة .
مرت زميلته بظروف عائلية صعبة جعلتها تبتعد عن الصحيفة لفترة من الزمن ، بدأ يسأل عنها وفهم من زميلتها أنها تمر بظرف عائلي صعب حيث مرض والدتها هو سبب الابتعاد عن الصحيفة .
كان واجباً عليه ان يطمئن عليها فأتصل بهاتفها النقال وما أن اجابت عليه غمرها بتحياته مطمئناً على سلامتها وعلى احوالها وعلى العائلة اجمع . ووعدت بأنها سوف لاتتأخر عليه لاستلام نتاجاته الادبية لغرض نشرها بمجرد ان تستقر ظروفها واحوال عملها ، شكرها لالتفاتتها هذه .
واصل الكتابة في نفس الصحيفة ولم ينقطع عنها معتبراً ان هذه الصحيفة هي صاحبة الفضل عليه كما اعتبر الصحفية رجاء هي صاحبة الفضل الاول . كان يسمع اخبارها من المقربين اليها وكان يتمنى ان يتجدد اللقاء بينهما هو يكتب وهي تنشر رغم ان بديلتها في العمل لاتقل شأناً عنها حيث اكملت ما بدأته الصحفيه رجاء وكان يشعر بالدين عرفاناً بجميلهما وليس لهما فقط وانما لجميع كادر الصحيفة .
- قال يوماً وهو جالس يقلب صفحات الصحيفة ، اين انتِ يارجاء هل تقرأين ما نقرأ وكان الصدى يجيبه بنبرات صوتها أنا أقرأ قبل ان تقرأ وهل استطيع البعد عن صدى القلب ، من اين اتاه هذا الهاجس كيف يشعر بدقات قلبها ونبضات قلبها كيف يتذكر صوتها ونبراته هل مازال هناك فسحة للقاء ... هل ستعود رجاء ؟
وذات يوم يرسل بعض النصوص الى الصحيفة ويحمل له طائر السعد خبراً أفرحه كثيراً تخصك بالسلام الست رجاء ... اين هناك في مقر الصحيفة . فرح كثيراً واتصل بها هاتفياً يرد لها تحياتها ويتفاجىء بعودتها الى العمل بعد ان اخبرته بذلك . اغلق الهاتف ... وصرخ بصوت عالٍ لقد عادت رجاء وعودة رجاء تستحق الشكر والثناء .
2004
.
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد أبريل 10, 2011 9:04 am عدل 11 مرات