أحبائي كادر وأعضاء منتدى القلم تحية حب واعتزاز ...
اتصلت بي أخت عزيزة وهي دكتورة في كلية الإدارة والإقتصاد تلب ان ارسل لها قصيدة مطلعها ...
(أضحى التنائي بديلا عن تدانينا ..... وناب عن طيب لقيانا تجافينا
وكانت تضنها للمتنبي ولكني أعلم ان هذا ليس أسلوب المتنبي ، بل هي للشاعر الأندلسي إبن زيدون ...
أحبائي تجدون قصة هذه القصيدة آملا أن تروق لكم مع تحياتي
قصيدة ( أضحى التنائي بديلا عن تدانينا) وهي للشاعر الأندلسي (ابن زيدون)... وهي من الشعر العمودي ومن بحر البسيط ... وقالها معاتبا ومتغزلا بمحبوبته (ولادة بنت المستكفي)
اسمه أحمد بن عبدالله بن أحمد بن غالب المخزومي الأندلسي المكنى بأبي الوليد ... ولد سنة 394 هـ / 1003 م وتوفي سنة 463 هـ / 1073 م ...
إن قصة الحب الذي بينه وبين ولادة بنت المستكفي من اروع قصص الحب والغرام في العصر الأندلسي ولولا ذلك ما وصلت الينا قصائده الرائعة وموشحاته الرقيقة المشاعر ...
فهو :
أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون المخزومي الأندلسي القرطبي القرشي ، ولد عام 494هـ \1003م ينتمي إلى قبيلة مخزوم القرشية ، نشأ في بيت حسب ونسب ، الأب ثري صاحب أموال وضِياع ، ويعمل بالقضاء والفقه ، اهتم بابنه ابن زيدون فأحضر له الأدباء والمٌثقِيفين ، وعندما توفي كان ابن زيدون في الحادية عشرة من عمره ، وانكب بعدها ينهل من المعارف والعلوم حتى أصبح واحدا من أشهر الشعراء العرب ..
وهي :
ولادة بنت محمد بن عبد الرحمن الخليفة "المستكفي بالله " أشهر نساء الأندلس ، وإحدى الأميرات من بني أمية ، جميلة شقراء فاتنة ، ذكية ، شاعرة ، متحررة ، رفعت الحجاب للمرة الأولى في تاريخ الأندلس ، كانت بعد موت أبيها تقيم ندوة في منزلها يحضرها الشعراء والأدباء ومنهم ابن زيدون ، فبادلته حبا بحب ، وهياما بهيام ، واحترقا بنار الحب والغرام ... وعاشا حياة محمومة بالحب والغيرة والمؤامرات ...
كانت ولادة تكتب على أحد عاتقي ثوبها ::
وأمكن عاشقي من صحن خدي وأعطي قبلتي من يشتهيها
إن قصة حب ولادة وابن زيدون واحدة من أجمل قصص الحب والغرام في تاريخ الأندلس وفي تاريخ الأدب العربي بصفة عامة ، ولولا هذا الحب ما وصل إلينا هذا الشعر الجميل لابن زيدون ولولادة .
في حدائق مدينة قرطبة الأندلسية بدأ اللقاء الأول بين ابن زيدون وولادة .... هو في ميعة الشباب ، وهي أُنثى رائعة الجمال ، تحت ظلال الأشجار الوارفة ، كانا يتساقيان كؤوس الحب
تقول ولادة عن اللقاء الأول :
ترقب إذا جن الظلام زيارتي ...... فإني رأيت الليل أكتم للسر
وبي منك لو كان البدر ما بدا ...... وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يسر
ويروي ابن زيدون الشاعر الولهان :
يا أخا البدر سناءً وسنى *** حفظ الله زمانا أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم *** بت أشكو قصر الليل معك
وتتعاون الإضرابات السياسية ، التي كانت سائدة في ذلك العصر ، وما نتج عنها من مؤامرات ووسائل لم ينج منها أي شيء حتى الحب الصادق بالإضافة إلى الغيرة ، ضد هذا الحب ، ومحدث القطيعة بين الحبيبين ابن زيدون وولادة
ويرجع النقاد هذه القطيعة إلى أسباب شتى ، منهم من يقول إنها الغيرة ، لما ذكر أنه في أحد الأيام استمع ابن زيدون إلى صوت جارية ولادة واسمها "عُتبة " وطلب منها أن تعيد ، فغضبت ولادة إذ ظنت أن ابن زيدون يغازل جاريتها وسرعان ما أنشدت :
لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا *** لم تهو جاريتي ولم تتخير
وتركت غصنا مثمرا بجماله *** وصخت للغصن الذي لم يثمر
ولقد علمت بأنني بدر السما *** لكن دهيت لشقوتي بالمشتري
بينما يرى البعض الآخر أن سبب القطيعة بين ابن زيدون وولادة هو نقد ابن زيدون لبيت قالته ولادة وهو :
سقى الله أرضا قد غدت لك منزلا*** بكل سكوب هاطل الوبل مغدق
وكان نقد ابن زيدون للبيت بأنه أشبه بالدعاء على المحبوب من الدعاء له .
وهنا اصطدمت ذات ولادة الشاعرية المتضخمة بذات ابن زيدون الناقدة ، وحدثت القطيعة .
وإن كان هناك من يرى أن القطيعة سببها انضمام ابن زيدون لحركة "الجهاورة" المعادية لبني أمية وهي بنت خليفة أموي .
ولم تنتظر ولادة كثيرا فقد اختارت الوزير ابن عبدوس ليكون العاشق الجديد الكريه نكاية بابن زيدون الذي اعتدى على سلطانها الأدبي ، ونظر إلى امرأة أخرى كما تعتقد ، حاول ابن زيدون عبثا تقديم اعتذرات تلو الأخرى ليستعيد حبه الضائع بلاجدوى ، وما سمعت ولادة له ،حيث نجح ابن عبدوس وأعوانه في تدبير مؤامرة ضد ابن زيدون لإبعاده عن طريق ولادة
... وبعد مدة قدم ابن زيدون إلى المحاكمة وحكم عليه بالسجن ..
ومن سجنه راح ابن زيدون يئن ويتعذب ، ويكتب الكثير من القصائد الخالدة عن حبه الذي كان ، ولكن ولادة كانت قد أصمت الأذن وأغلقت مزاليج القلب
حينما دلت قصائد ابن زيدون على إخلاصه لحبه ولولادة ، فإنها بالتالي دلت على طبيعة ولادة العابثة اللاهية التي تتساقى كؤوس الهوى مع ابن عبدوس بينما الحبيب وراء القضبان يعاني الظلم والإنقهار والوحدة والإنتظار ..
ويهرب ابن زيدون من سجنه ويعفو عنه الخليفة ويحاول استعادة حب ولادة برقيق الشعر وعذب القول علها ترق وتعود لأيام الحب الأول
فيرسل لها قصيدته الشهيرة والمتضمنة 51 بيتا من الشعر والتي يقول فيها ::
أضحى التنائي بديلا من تدانينا *** وناب عن طيب لقيانا تجافينا
هلّا وقد حان صبح البين صبحنا *** حين فقام بنا للحين ناعينا
بنتم وبنّا فما ابتلت جوانحنا *** شوقا إليكم ولا جفت مآقينا
لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا *** إن طالما غير النأي المحبينا
وفي الجواب متاع لو شفعت به *** بيض الأيادي التي مازالت تولينا
عليك مني سلام الله ما بقيت *** صبابة منك تخفيها فتخفينا
لقد تمكنت ولادة من ابن زيدون حتى بهجرانها فقد فجرت به طاقات شعرية هائلة أغنت تراثنا الشعري ، فلقد أحب وتعذب وعانى من أجل حب ضائع وما تمكن من استعادته حتى آخر لحظة من عمره
ومات ابن زيدون
وماتت ولادة
وبقي حبهما يحكى وينشد
صباح الجميلي / منقول بتصرف