لقد قرأت لك / الإمام محمد ابن إدريس الشافعي / الجزء الأول .. نسبه وسيرته ووفاته ...
أحبائي كادر وأعضاء المنتدى الكرام .... تحية حب واعتزاز...
مساهمتي اليوم هي سيرة واحد من علماء الأمة الإسلامية وهو الإمام محمد ابن إدريس الشافعي والمكنى بأبي عبد الله وآمل ن تنال رضاكم ...
نسبه / هو محمد ابن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم (ليس جد النبي محمد) بن عبدالمطلب بن عبدمناف بن قصي ويصل نسبه الى مضر بن نزار بن عدنان ، أما أمه فهي من الأزد .
ولادته / ولد (رض) بمدينة غزة في فلسطين سنة 150 هـ يوم وفاة الإمام أبي حنيفة وكان الناس تقول ،كلما ذكر مولد الإمام الشافعي ، مات إمام وولد إمام ..
ثم انتقلت به أمه الى مكة وعمره سنتين ، وكانت وفاته – رحمه الله – بالفسطاط بمصر سنة 204 هـ
نبوغه وحبه الى العلم/
منذ ان كان الشافعي في الكتاب كان يحفظ ما يقوله المعلم وقبل ان ينتهي من املائه على طلبته فكان حافظا لكل ما يعطيه المعلم لطلابه حتى تعجب منه معلمه فقال له يا محمد انت نابغة وارى اني لا استحق ان آخذ منك أجرا وإني لأرى لك شئنا كبيرا في ميدان العلم والمعرفة ...
ولرغبته الشديدة في معرفة اللغة العربية بإصولها وفصاحتها قرر الإلتحاق بهذيل في البادية وهم من افصح العرب وبقي معهم يرحل حيث يرحلوا ويحل حيث يحلوا وبقي هكذا بينهم لفترة 17 سنة ... ثم عاد الى مكة بعد ذلك يروي الأخبار وينشد الأشعار حتى التقي برجل من الزبيريين من ابناء عمومته ولما رأى فصاحته نصحه ان يطلب الحديث والفقه وقال له ان ذلك هو الأجدى والأفضل ثم أخذه الى المدينة وأوصى به الإمام مالك بن أنس حيث تعلم منه وجمع منه ومن مشايخ المدينة العلم والفقه والحديث وقد أعجب به الإمام مالك وقال له يا محمد ... اتق الله واجتنب المعاصي فإنه سيكون لك شأن كبير في المستقبل ...
معرفته لشتى العلوم/
كان رحمه الله يجلس في حلقة العلم بعد صلاة الصبح فيأتي أليه المتعمقين بالقرآن ليستنيروا بعلمه وعندما تطلع الشمس يأتي إليه أهل الحديث فيستزيدوا من علمه في التفسير والمعاني وإذا ارتفعت الشمس، استوت الحلقة للمذاكرة والنظر وفي الضحى يتفرقون ... ثم بعدها يأتي أهل العربية والعروض والنحو والشعر وكان رحمه الله حافظا لعشرة آلاف بيت لهذيل إعرابا ومعنى .. وهكذا حتى انتصاف النهار وكان هذا منهاجه كل يوم...
تواضعه /
كان رحمه الله متواضعا وللحق خاضعا ... وكان يقول ...ما ناضرت أحدا فأحببت أن يخطأ، وما في قلبي من علم إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب إلي ...
ومن أقواله رحمه الله ... وددت أن كل علم أعلمه تعلمه الناس أوجر عليه ولا يحمدوني ، كل ما قلت لكم فلم تشهد عليه عقولكم وتقبله وتره حقا فلا تقبلوه ، فإن العقل مضطر لقبول الحق . ما ناضرت أحدا إلا على النصيحة . وما ناضرت أحدا فأحببت أن يخطئ .
ورعه وسخائه /
كان الشافعي رحمه الله يختم القرآن في شهر رمضان ستين مرة وكل ذلك في الصلاة .. وكان سخيا ومن أكرم الناس ويقول انه افلس في حياته ثلاث مرات وكان يبيع قليله وكثيره حتى حلي زوجته وبناته ..
وفاته /
توفي الشافعي رحمه الله بمصر بالفسطاط سنة 204 هـ ... ويقول المزني انه دخل على الشافعي وهو في مرضه الذي مات فيه وسألته ... كيف أصبحت؟؟ ..
فقال: أصبحت عن الدنيا راحلا وللإخوان مفارقا ولكأس المنية شاربا وعلى الله جلّ ذكره واردا ، ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة أو إلى النار فأعزيها ثم بكى وأنشد :
فلما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ..... جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته .... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفوٍ عن الذنبِ لم تزل .... تجودُ وتعفو منةً وتكرما
فلولاك لم يصمد لإبليسَ عابدٌ ..... فكيف وقد أغوى صفيك آدما
قال الربيع بن سليمان ... توفي الشافعي ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة – بعد ما حل المغرب – آخر يوم من رجب ودفناه يوم الجمعة فانصرفنا فرأينا هلال شعبان سنة 204 هـ ....
لقد أجمع العلماء قاطبة من أهل الحديث والفقه والأصول واللغة والنحو وغيرها على ثقته وأمانته وعدله وزهده وورعه وحسن سيرته وعلو قدره وسخائه ولما مات رثاه الكثير من الناس ومنهم محمد بن دريد ونقتطع بعض من قصيدته في رثاء الشافعي رحمه الله حيث قال :
معالم يفنى الدهر وهي خوالد ..... وتنخفض الأعلام وهي روافعُ
ماهج فيها للهدى متصرفٌ ..... موارد فيها للرشاد شرائعُ
ظواهرها حكمٌ ومستبطناتُها ...... لما حكمالتفريق فيه جوامعُ
لرأي ابن إدريس ابن عم محمد .....ضياءٌ إذا ما أظلم الخطب ساطع
قصص وحوادث /
كان رحمه الله سريع البديهة ... ويذكر انه مرة كان في الحمام فمر به سفيه وهو عار تماما دون ان يستر نفسه ، فأشاح الشافعي بوجهه وأغمض عينيه ، فقال له السفيه ... متى أعماك الله ؟؟؟ فأجابه الشافعي على الفور ... عندما هتك سترك ..
وحدث الربيع بن سليمان عن فراسة الشافعي ، انه كان عند الشافعي في أحد الأيام في شهر رمضان وجاء إلى الشافعي شاب وأعطاه رقعة فنظر فيها وتبسم ثم كتب فيها وأعطاها للشاب ولما سألنا الشافعي عن الموضوع قال انه يسألني عن مسألة لأفتي له بها وأعطيته الجواب ... يقول الربيع فلحقنا بالشاب وأخذنا منه الرقعة فوجدنا فيها الأبيات التالية :
سل المفتي المكي هل في تزاور ..... وضمة مشتاق الفؤاد جناح
وكان جواب الشافعي اسفل الرقعة :
أقول معاذ الله أن يذهب التقى ..... تلاصق أكباد بهن جراح
قال الربيع لقد انكرت على الشافعي هذه الفتوى فأجاب .. هذا رجل هاشمي قد عرس هذا الشهر وهو شاب وسألني هل عليه جناح أن يقبل أو يضم زوجته من غير وطء؟
فأجبته بهذه الفتوى وقال الربيع .. تبعت الشاب وسألته عن حاله فكان كما قال الشافعي ...
وذكر أبو الفضل نصر بن أبي نصر الطوسي عن عزة النفس والإباء وقيمة الإنسان عند الشافعي قال انه سمع من أبي الحسن علي بن أحمد القصري عن بعض الشيوخ أن الشافعي في ترحاله مر بمدينة سامراء وكانت تسمى (سر من رأى) ودخلها وعليه آثار السفر وبملابسه الرثة المتسخة وأراد أن يحلق شعره ثم يدخل الحمام ليغتسل ثم يذهب الى الجامع حيث مجالس العلم فدخل على حلاق ولكن الحلاق أنكره وقال لنفسه ماذا يمكن أن يعطيني هذا المتشرد فقال للشافعي وهو يجهله إذهب الى غيري فصعب الأمر على الشافعي والتفت الى مرافقه في السفر وسأله كم بقت لدينا من النفقة فقال الغلام عشرة دنانير فقال له اعطها للرجل ودعنا نذهب ثم خرج من دكان الحلاق وهو ينشد :
وفيهن نفس لو تقاس ببعضها .... نفوس الورى كانت أجل وأكبرا
ما ضر نصل السيف إخلاق غمده ... إذا كان عضبا حيث وجهته فرى
ومن اقواله ان رأى رجلا يختال بمشيته ومغرورا بما لديه ، فقال ...
فيمَ غرورك يا إبن آدم ، أوَلُك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وانت فبما بينها حامل عذرة ....
صباح الجميلي / بتصرف