أحبائي كادر وأعضاء المنتدى الكرام تحية واحتراما ...
وأنا اقلب كتبي لقراءة المصادر والمراجع حول فن العروض وبحور الشعر ، وقعت يدي على كتاب العقد الفريد لإبن عبد ربه القرطبي .. فما تمكنت ان امنع نفسي من تصفحه رغم اني قد قرأته سابقا عدة مرات ، ولما فيه من حكم وأدب ومن أخبار العرب وشعرهم ، أحببت أن تشاركوني المتعة بتصفحه وسأقدمه لكم على شكل حلقات مختارة ... مع تحياتي
العقد الفريد ...
العقد الفريد كتاب ضخم مبوب في خمسة وعشرين كتابا ويحتوي كل كتاب جزئين ، ولقد اختص كل كتاب منه بمعلومات واخبار تعتبر جوهرة فريدة من جواهر العقد الفريد ، وقد شمل في طبعته الأخيرة ستة مجلدات ..
ولكبر حجم هذه المجلدات اصبح من الصعب على القراء أن يلموا به كله لضيق الوقت ربما وصعوبة المطلب في حياة ملأتها الصعوبات والتعقيدات ، فقام مشكورا ( الدكتور محمود يوسف زايد ) باختيار ابوابا متفرقة منه تجمع جميل القول والحكم نثرا وشعرا ليكون ملخصا سهلا المنال وممتع لمن يريد أن يستفيد منه ..
وصاحب العقد الفريد ( هو شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي )، ولد سنة 246 هـ وتوفي بالفالج سنة 327 هـ .
ابن عبد ربه ، شاعرا وأديبا ، نشأ في قرطبة ودرس الفقه والتفسير والحديث والنحو والعروض والتاريخ والأدب إضافة الى حبه للموسيقى والغناء والجمال مما جعل لمختاراته روحا ادبية رقيقة ..
وفي هذه المساهمة سأختار لكم من ( كتاب اللؤلؤة في السلطان ) بعض المقتطفات .. آمل ان تروق لكم ...
من كتاب اللؤلؤة في السلطان ...
1- حسن السياسة وإقامة المملكة ...
• الحجاج يشرح سيرته ..
كتب الوليد بن عبد الملك الى الحجاج بن يوسف الثقفي يأمره أن يكتب اليه بسيرته ، فكتب إليه : إني أيقضت رأي وأنمت هواي، فإدنيت السيد المطاع في قومة، ووليت الحرب الحازم في أمره، وقلدت الخراج الموفر لأمانته، وقسمت لكل خصم من نفسي قسما، أعطيه حظا من لطيف عنايتي ونظري ، وصرفت السيف الى النطِف ( الرجل المريب )، المسيء ، والثواب الى المحسن البريء فخاف المريبُ صولة العقاب ، وتمسك المحسن بحظه ن الثواب.
( وهذا ما نسميه سيادة القانون بالعدل )
• معاوية يرسم طريقه ..
إني لا أضع سيفي حين يكفيني سوطي ، ولا أضع سوطي حين يكفيني لساني ، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت أبداً .
فقيل له : وكيف ذلك ؟
قال: إذا مدوها أرخيتها ، وإذا أرخوها مددتها.
( وهذا هو دهاء السياسة لتجنب النزاعات والحروب ففي الحرب لا يوجد منتصر وإنما الطرفين خاسرون )
• ابن سويد يصف السلطان...
خطب سعيد بن سويد بحمص ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال:
أيها الناس ، إن للإسلام حائطاً منيعاً وباباً وثيقاً ، فحائط الإسلام الحق وبابه العدل ، ولا يزال الإسلام منيعاً ما اشتد السلطان ، وليست شدة السلطان قتلا يالسيف ولا ضربا بالسوط ، ولكن قضاءً بالحق وأخذا بالعدل .
( وهل من متعض من أولي الأمر هذه الأيام )
2- بسط المعدلة ورد الظالم ...
• إنصاف المأمون لامرأة من ابنه العباس..
قال قحطبة بن حميد: إني لواقف على رأس المأمون يوما وقد جلس للمظالم ، فكان آخر من تقدم – وقد هم بالقيام – امرأة عليها هيئة السفر ، وعليها ثياب رثة ، فوقفت بين يديه فقالت :
السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته .
فنظر المأمون الى يحيى بن أكثم ، فقال لها يحيى:
وعليك السلام يا أمة الله تكلمي بحاجتك ، فقالت:
ابتزت مني ضياعي ظلما.
فقال أين الخصم ؟
فقالت: الواقف على رأسك يا أمير المؤمنين – وأومأت الى العباس ابنه –
فقال : يا أحمد بن أبي خالد ، خذ بيده وأجلسه معها مجلس الخصوم ، فجعل كلامها يعلو كلام العباس ، فقال لها أحمد بن أبي خالد : يا أمة الله، إنك بين يدي أمير المؤمنين ، وإنك تكلمين الأمير ، فاخفضي من صوتك ، فقال المأمون : دعها يا أحمد ، فإن الحق أنطقها والباطل إخرسه ، ثم قضى لها برد ضيعتها اليها ، وظلم العباس بظلمه لها ، وأمر بالكتاب لها الى العامل الذي ببلدها يوعز لها بضيعتها ويحسن معاملتها ، وأمر لها بنفقة .
( فليستمع المفسدون وتجار الدين ان كانت لهم آذان يسمعون بها وليقرأوا وليفهموا ان كانت لديهم عيون تقرأ وعقل يفهم )
• بين عمر بن عبد العزيز وعامل له استأذنه في تحصين المدينة...
• كب عمر بن عبد العزيز رحمه الله الى بعض عماله يستأذنه في تحصين مدينته. فكتب اليه : حصنها بالعدل ، ونقي طرقها من الظلم .
( وتذكرني هذه القصة بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رض – عندما طلب منه والي مصر عمرو بن العاص، الف درهم ليسور دار الإمارة ، فكتب اليه عمر بن الخطاب (رض) : - سورها بالعدل - .
( ولننظر اليوم الى مدننا وبلادنا ، مزروعة بالحواجز الكونكريتية بدلا من الورود ، والملايين من الدولارات تنفق ، والأمن مفقود )
3- صفة الإمام العادل ...
• كتاب الحسن البصري الى عمر بن عبد العزيز في وصف الإمام العادل.
كتب عمر بن عبد العزيز (رض) لما ولي الخلافة الى الحسن بن أبي الحسن البصري أن يكتب اليه بصفة الإمام العادل، فكتب اليه الحسن رحمه الله :
إعلم يا أمير المؤمنين ، أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل ، وقصد كل جائر ، وصلاح كل فاسد ، وقوة كل ضعيف ، ومقرع كل ملهوف ، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله ، الرفيق بها، الذي يرتاد لها اطيب المرعى، ويحميها من السباع ، ويكنها من أذى الحر والقر، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغاراً، ويعلمهم كباراً يكتسب لهم في حياته ، ويدخر لهم بعد مماته ، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة ، الرفيقة بولدها ، حملته كرهاً ، ووضعته كرهاً ، وربته طفلا ، تسهر بسهره ، وتسكن بسكونه ، ترضعه تارةً وتفطمه أخرى ، وتفرح بعافيته ، وتغتم بشكايته .
والإمام العدل يا أمير المؤمنين وصي اليتامى ، وخازن المساكين ، يربي صغيرهم ، ويمون كبيرهم ، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح ، تصلح الجوارح بصلاحه ، وتفسد بفساده ، والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم ، وينظر الى الله ويريهم ، وينقاد الى الله ويقودهم ، فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله –عز وجل – كعبد ائتمنه سيده ، واستحفظه ماله وعياله ، فبدد المال وشرد العيال ، فأفقر أهله وفرق ماله .
( لا حول ولا قوة إلا بالله .. وكم تنطبق هذه الصفات على حكام اليوم .. إنهم يعملون عكس هذه الوصايا جميعها ... فشردوا وقتلو ونهبوا .. ونسمعهم يدعون أنهم مسلمون والإسلام منهم براء )
صباح الجميلي
وأنا اقلب كتبي لقراءة المصادر والمراجع حول فن العروض وبحور الشعر ، وقعت يدي على كتاب العقد الفريد لإبن عبد ربه القرطبي .. فما تمكنت ان امنع نفسي من تصفحه رغم اني قد قرأته سابقا عدة مرات ، ولما فيه من حكم وأدب ومن أخبار العرب وشعرهم ، أحببت أن تشاركوني المتعة بتصفحه وسأقدمه لكم على شكل حلقات مختارة ... مع تحياتي
العقد الفريد ...
العقد الفريد كتاب ضخم مبوب في خمسة وعشرين كتابا ويحتوي كل كتاب جزئين ، ولقد اختص كل كتاب منه بمعلومات واخبار تعتبر جوهرة فريدة من جواهر العقد الفريد ، وقد شمل في طبعته الأخيرة ستة مجلدات ..
ولكبر حجم هذه المجلدات اصبح من الصعب على القراء أن يلموا به كله لضيق الوقت ربما وصعوبة المطلب في حياة ملأتها الصعوبات والتعقيدات ، فقام مشكورا ( الدكتور محمود يوسف زايد ) باختيار ابوابا متفرقة منه تجمع جميل القول والحكم نثرا وشعرا ليكون ملخصا سهلا المنال وممتع لمن يريد أن يستفيد منه ..
وصاحب العقد الفريد ( هو شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي )، ولد سنة 246 هـ وتوفي بالفالج سنة 327 هـ .
ابن عبد ربه ، شاعرا وأديبا ، نشأ في قرطبة ودرس الفقه والتفسير والحديث والنحو والعروض والتاريخ والأدب إضافة الى حبه للموسيقى والغناء والجمال مما جعل لمختاراته روحا ادبية رقيقة ..
وفي هذه المساهمة سأختار لكم من ( كتاب اللؤلؤة في السلطان ) بعض المقتطفات .. آمل ان تروق لكم ...
من كتاب اللؤلؤة في السلطان ...
1- حسن السياسة وإقامة المملكة ...
• الحجاج يشرح سيرته ..
كتب الوليد بن عبد الملك الى الحجاج بن يوسف الثقفي يأمره أن يكتب اليه بسيرته ، فكتب إليه : إني أيقضت رأي وأنمت هواي، فإدنيت السيد المطاع في قومة، ووليت الحرب الحازم في أمره، وقلدت الخراج الموفر لأمانته، وقسمت لكل خصم من نفسي قسما، أعطيه حظا من لطيف عنايتي ونظري ، وصرفت السيف الى النطِف ( الرجل المريب )، المسيء ، والثواب الى المحسن البريء فخاف المريبُ صولة العقاب ، وتمسك المحسن بحظه ن الثواب.
( وهذا ما نسميه سيادة القانون بالعدل )
• معاوية يرسم طريقه ..
إني لا أضع سيفي حين يكفيني سوطي ، ولا أضع سوطي حين يكفيني لساني ، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت أبداً .
فقيل له : وكيف ذلك ؟
قال: إذا مدوها أرخيتها ، وإذا أرخوها مددتها.
( وهذا هو دهاء السياسة لتجنب النزاعات والحروب ففي الحرب لا يوجد منتصر وإنما الطرفين خاسرون )
• ابن سويد يصف السلطان...
خطب سعيد بن سويد بحمص ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال:
أيها الناس ، إن للإسلام حائطاً منيعاً وباباً وثيقاً ، فحائط الإسلام الحق وبابه العدل ، ولا يزال الإسلام منيعاً ما اشتد السلطان ، وليست شدة السلطان قتلا يالسيف ولا ضربا بالسوط ، ولكن قضاءً بالحق وأخذا بالعدل .
( وهل من متعض من أولي الأمر هذه الأيام )
2- بسط المعدلة ورد الظالم ...
• إنصاف المأمون لامرأة من ابنه العباس..
قال قحطبة بن حميد: إني لواقف على رأس المأمون يوما وقد جلس للمظالم ، فكان آخر من تقدم – وقد هم بالقيام – امرأة عليها هيئة السفر ، وعليها ثياب رثة ، فوقفت بين يديه فقالت :
السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته .
فنظر المأمون الى يحيى بن أكثم ، فقال لها يحيى:
وعليك السلام يا أمة الله تكلمي بحاجتك ، فقالت:
ابتزت مني ضياعي ظلما.
فقال أين الخصم ؟
فقالت: الواقف على رأسك يا أمير المؤمنين – وأومأت الى العباس ابنه –
فقال : يا أحمد بن أبي خالد ، خذ بيده وأجلسه معها مجلس الخصوم ، فجعل كلامها يعلو كلام العباس ، فقال لها أحمد بن أبي خالد : يا أمة الله، إنك بين يدي أمير المؤمنين ، وإنك تكلمين الأمير ، فاخفضي من صوتك ، فقال المأمون : دعها يا أحمد ، فإن الحق أنطقها والباطل إخرسه ، ثم قضى لها برد ضيعتها اليها ، وظلم العباس بظلمه لها ، وأمر بالكتاب لها الى العامل الذي ببلدها يوعز لها بضيعتها ويحسن معاملتها ، وأمر لها بنفقة .
( فليستمع المفسدون وتجار الدين ان كانت لهم آذان يسمعون بها وليقرأوا وليفهموا ان كانت لديهم عيون تقرأ وعقل يفهم )
• بين عمر بن عبد العزيز وعامل له استأذنه في تحصين المدينة...
• كب عمر بن عبد العزيز رحمه الله الى بعض عماله يستأذنه في تحصين مدينته. فكتب اليه : حصنها بالعدل ، ونقي طرقها من الظلم .
( وتذكرني هذه القصة بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رض – عندما طلب منه والي مصر عمرو بن العاص، الف درهم ليسور دار الإمارة ، فكتب اليه عمر بن الخطاب (رض) : - سورها بالعدل - .
( ولننظر اليوم الى مدننا وبلادنا ، مزروعة بالحواجز الكونكريتية بدلا من الورود ، والملايين من الدولارات تنفق ، والأمن مفقود )
3- صفة الإمام العادل ...
• كتاب الحسن البصري الى عمر بن عبد العزيز في وصف الإمام العادل.
كتب عمر بن عبد العزيز (رض) لما ولي الخلافة الى الحسن بن أبي الحسن البصري أن يكتب اليه بصفة الإمام العادل، فكتب اليه الحسن رحمه الله :
إعلم يا أمير المؤمنين ، أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل ، وقصد كل جائر ، وصلاح كل فاسد ، وقوة كل ضعيف ، ومقرع كل ملهوف ، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله ، الرفيق بها، الذي يرتاد لها اطيب المرعى، ويحميها من السباع ، ويكنها من أذى الحر والقر، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغاراً، ويعلمهم كباراً يكتسب لهم في حياته ، ويدخر لهم بعد مماته ، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة ، الرفيقة بولدها ، حملته كرهاً ، ووضعته كرهاً ، وربته طفلا ، تسهر بسهره ، وتسكن بسكونه ، ترضعه تارةً وتفطمه أخرى ، وتفرح بعافيته ، وتغتم بشكايته .
والإمام العدل يا أمير المؤمنين وصي اليتامى ، وخازن المساكين ، يربي صغيرهم ، ويمون كبيرهم ، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح ، تصلح الجوارح بصلاحه ، وتفسد بفساده ، والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم ، وينظر الى الله ويريهم ، وينقاد الى الله ويقودهم ، فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله –عز وجل – كعبد ائتمنه سيده ، واستحفظه ماله وعياله ، فبدد المال وشرد العيال ، فأفقر أهله وفرق ماله .
( لا حول ولا قوة إلا بالله .. وكم تنطبق هذه الصفات على حكام اليوم .. إنهم يعملون عكس هذه الوصايا جميعها ... فشردوا وقتلو ونهبوا .. ونسمعهم يدعون أنهم مسلمون والإسلام منهم براء )
صباح الجميلي